يعد الدكتور عاطف العراقى أستاذ الفلسفة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة مفكرا تنويريا، يرفض الفكر السلفى التكفيرى.
ولد فى 15 نوفمبر 1935 فى محافظة الدقهلية، وتدرج فى مراحل التعليم إلى أن حصل على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب جامعة القاهرة، ثم عمل أستاذاً بالجامعة ذاتها، وله العديد من المؤلفات فى موضوعات فلسفية معاصرة وفلسفية تراثية منها النزعة العقلية فى فلسفة ابن رشد، والفلسفة الطبيعية عند ابن سينا، ومذاهب فلاسفة المشرق، وتجديد فى المذاهب الفلسفية والكلامية، وثورة العقل فى الفلسفة العربية، والعقل التنويرى فى الفكر العربى المعاصر.
كان من ثمار تعبه ونجاحه حصوله على جائزة أحسن البحوث الجامعية من جامعة القاهرة عام 1972، خطاب تقدير من البابا يوحنا بولس الثانى عن كتاب “يوسف كرم”، ووسام العلوم والفنون والآداب من الدرجة الأولى عام 1981. جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الاجتماعية عام 1980. جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية عام 2000، وأخيرا جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية 2010
وعن هذه الجائزة وأمور الفكر والتنوير بشكل عام قامت “وطنى” بمحاورة الدكتور عاطف العراقى…
* فى البداية كيف استقبلت خبر فوزك بجائزة الدولة التقديرية هذ العام ؟
*** لا شك فى أننى سعيد سعادة بالغة بهذه الجائزة خاصة أنها جاءت متأخرة، إذ كان يتوقعها لى مجموعة من الأساتذة منذ سنوات، ومن بينهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ، وذكى نجيب محمود ، بالإضافة إلى زميلى الراحل الدكتور فؤاد زكريا، والجائزة تعد نوعا من التتويج لعمل الإنسان طوال حياته، خاصة أننى كما يذكر أستاذى الأب جورج قنواتى قد قطعت صلتى بالدنيا إلى حد كبير وتفرغت للبحث العلمى منذ حصولى على درجة الليسانس عام 1957 من كلية الآداب جامعة القاهرة.
* هل توجد مسئولية تقع على عاتق الفائزين بجوائز الدولة ؟
*** فى البداية أحب أن أنوه إلى أن هذه الجائزة بدأ منحها منذ عام 1958 لكبار المفكرين والفنانيين أمثال طه حسين، أحمد لطفى السيد، توفيق الحكيم، وأم كلثوم ورياض السنباطى وغيرهم كثيرون، والحقيقة أن هذه الجائزة تضع على عاتق من تمنح له مسئولية كبرى تتمثل فى مواصلة مسيرة العطاء، على شرط أن يكون هذا العطاء مهما وحيوياً، لأن مصر التى تغذينا من أرضها وشربنا من مائها يجب أن نبادلها حبا بحب وعطاءً بعطاء .
* أثيرت فى السنوات الماضية الكثير من حالات مصادرة الفكر والإبداع فما هو رأيك فى حالات مصادرة الفكر والإبداع ؟
** أنا ضد مصادرة أى نوع من الفكر والابداع فى أى مجال من المجالات الأدبية او الفلسفية أو العلمية بوجه عام، والدليل على هذا أننا نحارب الكثير من الأفكار الغريبة عنا، ثم تثبت القرون صحتها مثل ماحدث مع العالم الجليل جاليليو الذى بعد قرون أصدر البابا يوحنا بولس الثانى قرارا بالعفو عنه، ثم أن الإبداع لايعيش فى جو مغلق،وللأسف العالم العربى شهد أنواعا من تقييد الفكر والإبداع بصورة كبيرة، وهناك بعض الحالات وصلت إلى القتل مثل ” الحلاج ” الذى قطعت أطرافه ثم قتل لنزعته الصوفية، والفيلسوف ” ابن رشد ” الذى تم إحراق كتبه ونفى فترة من الزمان فى الأندلس ثم عندما عاد من المنفى كان شبه معزول فى بيته حتى مات.
* قادك ابن رشد إلى محكمة الجنايات.. أحكى لنا عن هذه التجربة المؤلمة.
*** منذ حوالى خمسة عشر عاما تم دعوتى لحضور مؤتمر دولى عن ابن رشد، وفى كلمتى قلت إن ابن رشد يعد أكبر فيلسوف عقلانى نقدى فى تاريخ الأمة العربية، وقلت إن العالم العربى لن ينهض إلا بأن يبدأ من حيث انتهى ابن رشد، لذلك عارا علينا أن نهمل فكر هذا الفيلسوف ونهاجمه فى الوقت الذى توجد له تماثيل وصور فى كل المؤسسات العالمية والثقافية والفكرية فى أوربا إلى الدرجة التى من أجله قامت حركة ضخمة تسمى تاريخيا بالحركة الرشدية اللاتينية، وللأسف تم فهم كلامى خطأ، ووجدت إخطارا فى مكان عملى بأننى يجب أن أتوجه إلى محكمة جنايات المنصورة فى 15 مايو 1995، والحقيقة أن منذ مينا موحد القطرين وحتى الآن لم يتم تقديم أحد المتخصصين فى الفلسفة إلى محكمة الجنايات بسبب قضية فكرية إلا أنا، ومنذ ذلك الحين تم تهميش دورى فى المؤسسات الثقافية.
* هل ذكرت تفاصيل هذه المحاكمة فى كتاب ؟
*** إننى ذكرت بعض الأفكار عن المحاكمة فى كتاب صدر لىّ حديثا بمكتبة الأسرة تحت عنوان ” الفيلسوف ابن رشد ومستقبل الثقافة العربية .. أربعون عاما من ذكرياتى مع فكره التنويرى”، كما أن إيمانى بفكر ابن رشد جعلنى أكتب عنه ثمانى كتب، فهو فيلسوف عقلانى تنويرى لذلك وقف على قمة عصر الفلسفة العربية تماما كأرسطو فى الفلسفة اليونانية، والقديس توما الأكوينى فى الفلسفة الغربية، فالحقيقة أن بوفاة ابن رشد انقطع وجود الفلاسفة من العالم العربى حتى الآن، ولم يعد غير مجموعة من المفكرين وليس الفلاسفة، لأن الفيلسوف صاحب منهج أما المفكر فهو متاثر ومتابع لمنهج لذلك فالفرق بينهما كبير.
* كيف ترى الوضع الثقافى فى مصر ؟
*** رغم ازدهار الوضع الثقافى بطريقة نسبية والمتمثل فى توفير الكتاب على أوسع نطاق وإتاحته للجميع بسعر زهيد عن طريق مشروع مكتبة الأسرة، إلا أنه يجب الابتعاد عن ظاهرة “عملقة الأقزام” التى ذكرها ” ذكى نجيب محمود ” فى آخر كتبه ” حصاد السنين”، وهذه الظاهرة تعنى أن نجعل من القزم عملاقا بإحدى طريقتين هما البريق الإعلامى، والبريق السياسى، وهناك الكثيرون الذى تم تحويلهم من أقزام إلى عمالقة بهاتين الطريقتين، كما أن الوضع الثقافى فى مصر يحتاج إلى زلزال شامل يتمثل فى الفكر العلمى التنويرى، لأن أى أمة تريد لنفسها أن تتقدم لابد من وجود جناحين لانطلاق التقدم وهما العلم والتنوير العقلى .
* مبدأ الدين لله والوطن للجميع.. ماهو حجم إيمانك به ؟
*** هذا المبدأ أؤمن به طيلة حياتى، فيجب أن يسير المجتمع على اساس التسامح والحوار بين الأديان وأنا أرى أننا أمام طريقين لا ثالث لهما، طريق النور وتقديس العقل، والانفتاح على كل الثقافات والتسامح بين الأديان، وطريق الظلام والسخرية من العقل وتقديس التراث، فإذا تمسكنا لأنفسنا بالطريق الأول فينبغى علينا إذن أن ننظر إلى المواطن من خلال أدائه وواجباته والالتزام بحقوقه، وبصرف النظر عن دينه، علينا استئصال كل فكر رجعى متطرف نجده فى وسائلنا الإعلامية لما لهذه الوسائل من أثر بالغ وعميق، لذلك يجب من خلالها أن ننشر روح التسامح والعدل الاجتماعى، وأن نكثف البرامج التى تدور حول قضايا تجديدية بدلا من الأحاديث والبرامج التى تغرس روح الفتنة فى النفوس وتتخفى تحت شعارات دينية، والدين منها براء.
==
س.س
2 يوليو 2010