شدد الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان علي أن المراجعة الدورية لأعضاء مجلس حقوق الإنسان الدولي خطوة مهمة نحو تعزيز مسيرة حقوق الإنسان في مصر, وأن تواجد مصر داخل المحافل الدولية يجعلها تحت مزيد من الضغوط لتحسين الأوضاع, وعدم التراجع عن أي خطوة إيجابية في هذا الشأن.
وأعرب د. رياض في حواره مع وطني عن أمله في أن يري مشروع قانون تكافؤ الفرص وعدم التمييز النور قريبا, خاصة أنه يعمل علي تعزيز المساواة بين المواطنين ويضمن تكافؤ الفرص ويعاقب كل من يتسبب في التمييز.
تطرق الحوار إلي أهمية مواجهة الاحتقان الطائفي بشكل حاسم, وإقرار كوتة للأقباط لمعالجة التمييز الموجود في المجتمع حاليا, وأهمية إعادة تأهيل المعلمين لمسايرة الأفكار المتقدمة وتعزيز المواطنة بالتوازي مع تعديل المناهج الدراسية.. كل هذه الأفكار وغيرها يعرضها الدكتور رياض عبر السطور التالية.. فإلي الحوار:
كل دولة تحرص….
* ما جدوي المراجعة الدورية بمجلس حقوق الإنسان الدولي؟
** المراجعة الدورية تنبه الدول بأن كل دولة تمر بمراجعة دورية لملف حقوق الإنسان بها, ومصر جاء عليها الدور منذ سنوات ولكنها أرجأت ذلك بطلب مد الفترة حتي يتم النظر في بعض الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان, بالفعل تم مد حالة الطوارئ وحصره في أضيق نطاق لعدم التعدي علي حقوق المواطنين, وإذا طبق في هذا الإطار الضيق سيكون خيرا, رغم أنه من الأفضل أن يتم إلغاء حالة الطوارئ نهائيا, كما أن المراجعة مرحلة مهمة في أي دولة تهتم بحقوق الإنسان, وكل دولة تحرص أن يكون مظهرها جيدا في هذا الشأن, حتي لا تتعرض للانتقادات أو تنكشف أمام المجتمع الدولي, خاصة أن استعراض حالة حقوق الإنسان أمام المجتمع الدولي بشكل مستمر يجعلها تحت ضغط مستمر ومراقبة مستمرة لتحسين الأوضاع.
جرائم ضد الإنسانية
* ولكن البعض لايزال يري أن حقوق الإنسان شأن داخلي فقط؟
** لم تعد حقوق الإنسان شأنا داخليا, بل هي قضية عالمية, وأصبحت بمثابة دستور دولي, والمجتمع الدولي يدين ويحاسب أي دولة تنتهك حقوق الإنسان أو تمارس التمييز أو الاضطهاد وحرمان الفرد من حقوقه بسبب جنسه أو دينه, وهي تعد جرائم ضد الإنسانية, خاصة مع التوقيع علي المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
التمييز الديني زاد!
* وما أبرز الملفات المطلوب مواجهتها؟
** هناك ملفات ينبغي التعامل معها بجدية واتخاذ مواقف حاسمة بشأنها خاصة التمييز بين فئات المجتمع علي أساس الدين أو الجنس, فعلي سبيل المثال المرأة تعاني من تمييز ملحوظ, فمنصب عميد الكلية لا تصل إليه المرأة إلا عددا قليلا للغاية لا يتعدي 3 أو 4, ونفس الأمر في كثير من الوظائف والمناصب, حتي مجلس الدولة رفض تعيين المرأة قاضية.
كما أن التمييز متغلغل في النفوس, وزاد التمييز علي أساس الدين, فخلال حياتي لم أر أي تمييز علي أساس الدين بهذا الحجم إلا في الفترة الحالية, فالمجتمع أصبح يميز بشكل ملحوظ علي أساس الدين, وتعرضت مصر لانتقادات عديدة لهذا الأمر, فلا يوجد رئيس جامعة مسيحي, أو عميد كلية, وهو موقف تشارك فيه الدولة بشكل ملحوظ للغاية, ونفس الأمر يمكن أن نطبقه علي البهائيين من خلال التمييز المستمر ضدهم.
ضد البهائيين
* هناك انتقادات تم توجيهها لمصر لهذا الأمر.. ما الجديد؟
** المجلس الدولي لحقوق الإنسان انتقد مصر كثيرا بسبب البهائيين, واعتبر التمييز ضد البهائيين إبادة جماعية, خاصة أن المقصود هنا من هذا المعني خلق ظروف لا تسمح باستمرار الحياة, باعتبار أن الحكومة تمنع إصدار الرقم القومي أو شهادة ميلاد أو السماح بالتطعيم لأطفالهم وهذه الظروف لا تسمح باستمرار الحياة, وأي دولة تتهم بذلك أمر خطير للغاية لا يمكن التهاون معه.
قانون تكافؤ الفرص
* وماذا فعل المجلس القومي لحقوق الإنسان حيال ذلك؟
** المجلس القومي لحقوق الإنسان اقترح قانونا لتكافو الفرص ومنع التمييز, وهو الآن معروض علي مجلس الوزراء, ونتمني أن يصل للبرلمان ويتم إقراره, خاصة أن الدستور نفسه يؤكد علي مساواة كل المواطنين, وتحديدا المادة 40 منه ومع ذلك هناك تمييز يشارك فيه الجميع, وهو ما يتطلب خطوة حاسمة لمنع حدوث فرقة في المجتمع, واستمرار الوضع بهذا الشكل يؤثر بشكل كبير علي استقرار المجتمع لذلك لا مفر من مواجهته, خاصة أن هذا القانون المقترح يقضي علي كل أشكال التمييز, خاصة أن الدولة في ظل التمييز الموجود حاليا تقدم أشخاصا غير أكفاء في مواقع مهمة, ومن ثم ستكون القرارات خاطئة, لعدم وجود الشخص المناسب بالمكان المناسب, بالإضافة إلي أن قوة القانون لا تقف عند مكافحة التمييز فقط, بل تعاقب من يمارس هذا التمييز.
مناخ حرية
* ملف حرية التعبير كان محل انتقادات أيضا.. ما الحل؟
** حرية التعبير مصانة بالدستور والقانون, ولكن هناك انتقادات لمصر توجه بسبب هذا الأمر, حيث يتم مصادرة بعض الكتب المهمة من قبل غير المتخصصين, كما يتم ملاحقة المفكرين والمثقفين وفق ما يعرف بدعاوي الحسبة, والمشكلة ليست فيمن يرفع مثل هذه القضايا, ولكن الخطورة في وجود أحكام لصالح هؤلاء, ومن ثم لابد من تغيير هذه القوانين حتي يتم إتاحة مناخ من الحرية, حتي لا يتم تحجيم المفكرين والمثقفين ومنعهم من الإبداع وما يترتب علي ذلك من مشكلات عديدة.
صعوبة التحايل!
* ولكن الدولة لاتزال تنكر وجود انتهاكات في هذه الملفات؟
** الحكومة عليها الإعلان صراحة عن مواجهة حازمة لكل هذه الانتهاكات, سواء كان ذلك من خلال مواجهة التمييز ومحاسبة المخطئ, أو عبر حرية الإبداع, خاصة أن هذه الانتقادات لا تأتي من جهة واحدة, وإنما هناك منظمات دولية تقدم تقارير بأدلة, ونفس الأمر تقوم به المنظمات غير الحكومية في مصر وكل التقارير تعرض أوضاع حقوق الإنسان بشكل محايد, ويتم عرض هذه التقارير بجانب تقرير الحكومة وهو ما يؤكد صعوبة إخفاء شيء أو التحايل علي المجتمع الدولي.
هناك فجوة
* كثيرا ما تري الدولة أن الدستور يضمن الحقوق والحريات وأن القوانين كثيرة ولا نحتاج لقوانين جديدة.. ما تعليقك؟
** للأسف هناك فجوة بين القانون والواقع, فالدستور به العديد من النصوص الرائعة المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات تماثل أعظم الدساتير في العالم المتحضر, ولكن عند التطبيق الفعلي هناك فجوة كبيرة, فقوانين الأحوال الشخصية قائمة علي غياب المساواة, ونفس الأمر في قانون الجنسية والقوانين الأخري, ولابد من تغيير جذري في العقول ومراجعة القوانين المخالفة, وأن يتغير المجتمع نفسه خاصة أنه يفرز تمييزا واضحا.
غير مؤهلين!
* ولكن لماذا لايزال البرلمان بعيدا عن هذه القوانين ولا يقرها؟
** هنا المشكلة, فلو كان هناك مجتمع مدني ورأي عام يسانده لما استطاع البرلمان التهرب من إصدار التشريعات المهمة, ولكن انتشار الأمية الفكرية وعدم قبول الأفكار المستنيرة يتسبب في عدم ظهور هذه القوانين المهمة, ومن ثم فإن مجلس الشعب بتشكيلته الحالية هو من إفراز المجتمع, فالشعب لا يفرز إلا هؤلاء, والشعب لا ينتخب فيلسوفا أو عبقريا, وإنما هناك من ينتخب تحت تأثير المال أو المرجعية, ومن ثم يتم انتخاب شخص غير مؤهل بالتشريع.
التنوير هو الحل
* والحل؟
** تنوير الشعب هو الحل, ونشر الحقوق الخاصة بالمواطنين وطرح أفكار تكشف كيفية الاختيار المناسب, وهنا يتم اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب, فهناك دور للأحزاب والإعلام والتعليم, فمن خلال هذه المؤسسات يتم تأهيل الفرد لكي يكون له دور في المجتمع, فالتعليم في الماضي كان متقدما وينمي الوعي وروح العصر, بينما الآن مختلف للأسوأ.
المهم.. تأهيل المعلم
* هناك محاولة حاليا لتعديل المناهج التعليمية.. هل تثمر قريبا؟
** تعديل المناهج يمكن أن يتم بسهولة, ويتم وضع مقررات جيدة عن قبول الآخر والمواطنة, ولكن الخطورة في من يقوم بالتدريس, فالمعلمون هم الذين تربوا علي أفكار التمييز, وينشرون التمييز بين التلاميذ, ومن ثم المهم هنا هو تدريب المعلمين وإعادة تأهيلهم بشكل مختلف لمواجهة النشأة التي ظهروا فيها حتي لا يقوموا بتفسير المناهج الجديدة بشكل مختلف, ومن ثم لابد من التركيز علي هذا الأمر إلي جانب المناهج, ولا يتم الاكتفاء بتعديل المناهج, خاصة أن المناهج بها سموم عديدة وتفرق بين التلاميذ وبعضهم علي أساس الدين أو الجنس, ولا يري التلميذ المسلم أي معلومة عن تاريخ التلميذ المسيحي, ولذلك يشعر بأنه قادم من الغرب وغريب علي بلده, وبالتالي لابد من مواجهة هذه الأمور بجدية, حتي لا يتم تسميم الأجيال القادمة.
مشكلة مجتمعية
* إذا كنا نتحدث عن التعليم وأهميته.. من المسئول عن الحل؟
** التعليم مشكلة مجتمعية, ولا يمكن أن تتحمل وزارة التعليم وحدها هذا الأمر, وإنما لابد من وجود إرادة سياسية حاسمة وسريعة, وأن يتم الانتقال من دولة تعيش القرون الوسطي إلي دولة عصرية, ومواجهة التحديات بحسم.
حتي لا تتوه الحقائق
* طالما نتحدث عن حسم الأمور والملفات الشائكة.. ماذا عن الاحتقان الطائفي وكيفية مواجهته؟
** لابد من المصارحة الكاملة لمواجهة الاحتقان الطائفي, فلابد من وضع تشخيص واضح وعدم الالتفاف حول الأمور حتي لا تتوه الحقائق, ولابد أن يعرف المجتمع مسئوليته تجاه هذه الملفات الشائكة والبدء في الحل علي أرض الواقع بخطوات فعلية وليس عبر أحاديث لفض المجالس أو للتهوين.
هناك خطوات…
* ولكن ما يحدث حاليا عكس ذلك؟
** بالفعل هناك تباطؤ في حل المشكلة, وتباطؤ تنفيذ العدالة يتسبب في تكرار الجريمة, خاصة أن الجاني يشعر بالراحة وأنه طليق, ومن ثم فإن أجهزة الدولة عليها البدء في الحل فعليا وأعتقد أنه سيتم اتخاذ خطوات جادة عقب الانتخابات المقبلة.
* لماذا عقب الانتخابات؟
** لا يمكن الإفصاح عن ذلك حاليا!!!
الردع وحفظ السلام الاجتماعي
* وهل هناك بادرة لاتخاذ خطوات جادة علي أرض الواقع لمواجهة هذا الاحتقان؟
** من قبل كان يتم اتباع التهدئة والتعامل الناعم مع الاحتقان الطائفي واللجوء للمصالحة العرفية ولم يقتحم أحد الموضوع من جذوره ومعاقبة الجناة, لردع الآخرين, خاصة أن البعض كان يفضل اللجوء لهذه الطريقة لخلق نوع من السلام الاجتماعي, بدلا من تطبيق القانون بما يغضب البعض, لذلك لابد من العقاب الرادع للجناة مع الحفاظ علي السلام الاجتماعي.
تقرير العطيفي يعود
* في بداية سبعينيات القرن الماضي ظهر تقرير الدكتور جمال العطيفي بتوصيات جادة لمواجهة الاحتقان فور حدوثه لم تر هذه التوصيات النور.. لماذا؟
** تقرير العطيفي هائل, ومع الأسف تم إهماله, وحان الوقت لإعادته من جديد, خاصة أنه لو كان تم تنفيذه لكان تم توفير الكثير من الأمور!
كوتة مرحلية للأقباط
* بعد ظهور كوتة للمرأة.. هل هناك حاجة لكوتة للأقباط؟
** نعم, أنا علي المستوي الشخصي طالبت ومازلت أطالب بكوتة للأقباط مثل ما تم للمرأة, ورذا كان البعض يري أن الكوتة لا تليق بالأقباط لأنهم ليسوا أقلية, أوضح أن المرأة نصف المجتمع ومن ثم ليست أقلية, ولكن المرحلة الحالية تشهد تمييزا ضد المرأة, وهناك بلاد عديدة مرت بهذه الظروف والتجارب ووضعت حلولا لها, ففرنسا مثلا قبل الحرب العالمية الثانية كانت المرأة فيها تعاني من التمييز ضدها, وبعد ذلك تم وضع حلول وخرجت المرأة إلي وضعها المتميز الحالي وهي مرحلة مرت بها بلدان عديدة, ونفس الأمر نطبقه علي الأقباط باعتبار أن الكوتة لمرحلة معينة ومواجهة اللحظة الحالية ومواجهة ما هو موجود من تمييز, ومعوقات بحلول واقعية, فالكوتة هنا لكي يتم إتاحة الفرصة أمام الأقباط وعرض كفاءتهم أمام المجتمع, وهي مجرد مرحلة ربما تصل إلي دورتين برلمانيتين, ويتم إعادة الأمور إلي نصابها بعض ذلك بالعودة للأمور الطبيعية.
كما أنه لابد الوضع في الاعتبار أن الغالبية من المجتمع لا يعرفون أي شيء عن الأقباط, ولا توجد مواد دراسية تتحدث عن التاريخ القبطي, خاصة أن البعض ينظر للأقباط باعتبارهم وافدين من الخارج ويتهمون بالعمالة, وهناك من يربط بين الأقباط في مصر والعرب في المجتمعات الأوربية, وهو فرق واضح وشاسع, ومع ذلك لا يشعر به قطاع كبير في المجتمع, ولذلك لابد من تغيير هذه الصورة من العقول نهائيا.
الأحزاب تخشي
* ولماذا لم نر ترشيحا من الحزب الوطني أو أحزاب المعارضة لعدد مناسب من المرأة والأقباط في قائمتهم بالشوري؟
** أحزاب المعارضة تخشي ترشيح سيدات لعدم خسارة هذه المقاعد, وهو نفس ما يسير عليه الحزب الوطني, وما ينطبق علي المرأة ينطبق علي الأقباط!
* هل تري أن هذه الأحزاب تبحث عن إرضاء الشارع؟
** إرضاء الشارع يعني إرضاء العقول المتخلفة القائمة علي التمييز علي أساس الدين أو الجنس, ولو حاولت الأحزاب مواجهة التمييز دون إرادة ستصطدم بالواقع الذي يفضل التمييز!
* من يسير وراء من؟
** الأحزاب إذا سارت خلف الجماهير دون برنامج واضح تنتحر, وإذا خالفت هذه المبادئ للنجاح في الانتخابات تخون الناخبين, ومن ثم لابد من برامج واضحة يختار منها الناخبون.
* ماذا تتمني في الفترة المقبلة؟
** نشر المساواة ومنع التمييز, وحل مشكلات المجتمع بنظرة مستقبلية بدلا من النظرة الضيقة, والتعامل مع القضايا المختلفة في ظل حق الأجيال القادمة في الموارد.