الحوار مع د. عمرو حمزاوي أشبه بمحاضرة سياسية تلمس الواقع بمنحنياته من متغيرات وردود أفعال ومؤثرات خاصة بعد مرور ستة أشهر علي ثورة 25 يناير.. ولا عجب فضيف الحوار كبير الباحثين بمعهد كارينجي للسلام بالشرق الأوسط وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وعضو مؤسس بحزب مصر الحرية تحت التأسيس ومؤخرا يشغل منصب عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في تشكيلته الجديدة.
انطلق الحوار من ميدان التحرير عابرا بمراحل نضال الثوار من وحدة الصف فالاعتصامات حتي جمعة الإرادة الشعبية يوم 29 يوليو الماضي وما شابها من سيطرة فصيل دون غيره علي الميدان مرورا بموقعة الجمل الثانية بالعباسية.
أيضا تطرق لمفهوم الدولة المدنية والدولة ذات المرجعية الدينية والفرق بين الأخيرة والدولة الإسلامية وتواصل الأحزاب بالشارع والوثيقة الحاكمة للدستور المقبل وما يدور حولها من لغط سياسي فضلا عن قانون مجلسي الشعب والشوري ومحاور أخري.. فإلي الحوار:
* جمعة لم الشمل أصبحت تفريق الشمل.. كيف نلم الشمل مرة أخري؟
** جمعة الإرادة الشعبية أو لم الشمل جاءت بعد محاولات حقيقية للقوي السياسية والوطنية والائتلافات بأطيافها المختلفة من ليبرالية ويسارية مع التيارات الإسلامية لتحويل الجمعة من جمعة رفع مطالب خلافية إلي جمعة رفع مطالب توافقية بالأساس.
وصدرت مجموعة من البيانات: بيان صدر عن دار الشروق وبيان عن حزب الوسط وكان جوهر البيانين هو أننا ندعو إلي منصات ترفع شعارات موحدة فنتحدث عن المطالب التوافقية وهي استكمال مسار الثورة, ولا للمحاكمات العسكرية, وحقوق أسر الشهداء, والعدالة الاجتماعية, ومحاكمة الرئيس السابق وأعوانه, وهذه هي المطالب التي كانت تسمع في ميدان التحرير, وهذه البيانات وقعت عليها الحرية والعدالة والجماعة الإسلامية وتحفظ البعض الآخر.
ولكن كان عندنا استعداد لجمعة توافقية جمعة الإرادة الشعبية ووحدة الثورة, ونحن نرفض الوصاية علي الإرادة الشعبية.
كانت هناك مداولات كثيرة وتوقعنا أن تخرج الجمعة بصورة توافقية لكن حدث أن تحولت إلي جمعة الدعوة للدولة الإسلامية, وبغض النظر عن تقييمي لهذه الدعوة فالثابت أن هذا المطلب خلافي لا توافق عليه من القوي السياسية والوطنية المصرية.
لم يكن هذا فحسب بل تحول ميدان التحرير إلي ميدان يطرد ويقصي ويستبعد أصحاب الرأي المخالف بعض زملائنا في التيارات المدنية منعوا من الدخول للميدان, كما أن هناك تصرفات منها أن بعض السيدات غير المحجبات تم التعرض لهن في الميدان.
* هل الميدان هو المعبر عن جموع الشعب المصري أي يمثل إرادة الشعب؟
** لا.. ميدان التحرير ومسألة التظاهر والاحتجاج والاعتصام حتي أيام الثورة دائما تعبر عن إرادة وقناعات وأهداف ورغبات قطاعات معينة من الشعب المصري.
واحتكار الحديث عن كل الشعب المصري مرفوض, وباسم الثورة مرفوض وهو خطأ وقع فيه بعض المعتصمين الفترة الماضية.
أيضا لا توجد مشكلة في التعبير الحر عن الرأي الجماعي لكن المشكلة في التعبير المرتبط بظاهرتين سلبيتين هما تكفير وتخوين المخالف في الرأي وده فيه عدم احترام لقواعد الديموقراطية لأن الديموقراطية تقول عبر عن رأيك ولكن احترام آراء الآخرين.
المشكلة الثانية هي أن التعبير في جمعة الإرادة الشعبية ارتبط بمحاولة تحرير الميدان ومحاولة لإقصاء واستبعاد العناصر المخالفة بصورة اتسمت ببعض العنف اللفظي علي الأقل عندما منع الليبرالي من دخول الميدان أو طردوا لأن شكله لا يتناسب مع الشكل الذي يريدونه!
* ماذا بعد أن أعلنت القوي الدينية دون مواربة الدولة الإسلامية؟
** الهتاف والشعار واللافتات بميدان التحرير في جمعة الإرادة الشعبية عبرت كلها عن رغبة قطاع واضح وهو ليس بالقطاع الصغير في مصر في قيام دولة إسلامية.
المسألة الثانية إذا كان هناك طرح من قطاع واسع من المصريين يذهب باتجاه الدولة الإسلامية: هناك أيضا طرح موازي من قطاع واسع من المصريين يدعو إلي الدولة المدنية, والدولة المدنية للتأكيد لا تعادي الدين هي دولة ممارسة الحقوق المتساوية, الدولة المدنية مرجعيتها النهائية هي الدستور هي دولة للدستور يستلهم بها المرجعية الدينية ومن يدعو إلي تطبيق شرع الله في مصر عليه أن يشير إلي قانون واحد يخالف شرع الله.
إعادة طرح سؤال الإسلام علي المصريين كأننا نعيش في الجاهلية أو مجتمع كافر أو مجتمع غير مسلم المسألة دي فيها تضليل.
مصر لا يوجد بها تشريع واحد يخالف شرع الله, الدستور يقول مبادئ الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع وهذه المادة محل توافق من الجميع كل المقترح إضافة رمزية في الأساس وهي أن غير المسلمين لهم الاحتكام إلي شرائعهم في معاملاتهم وهي مسألة مهمة لأن مصر ليست وطن المسلمين فقط ولكن وطن المصريين جميعا.
* هل هناك دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية؟ وما الفرق بينها وبين الدولة الإسلامية؟
** أحترم التيارات التي تقول دولة مدنية بمرجعية دينية ولكن مرة أخري لا أفهم المقصود تحديدا, الدولة ذات الطبيعة المدنية دولة لا تدار من جانب مؤسسة عسكرية, ليست ضد الدولة الدينية, معني الدولة المدنية تدار بها شئون البلاد والمجتمع والعباد من جانب سلطات مدنية منتخبة وليست مؤسسات عسكرية, والدولة المدنية تخضع بها المؤسسات العسكرية والأمنية لرقابة السلطات المدنية المنتخبة, وهذا التنظيم يحدد في الدستور, وكل الدول المتحضرة مرجعيتها الدستور.
هنا المرجعية النهائية للدولة المدنية هي الدستور الذي يحدد المدنية ويخضع السلطات العسكرية والأمنية لرقابتها, دولة ذات الطبيعة المدنية تدار من جانب سلطات مدنية منتخبة لا يقترن باسم الدين في السياسة أو الشأن العام.
* ما الفرق بين الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية والدولة الإسلامية؟
** أعتقد أن هناك اختلافا بين الاثنين لأن عددا من الأحزاب التي تطرح الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية ملتزمة وفقا لطرحها بعدم التمييز بين المواطنين.
كما أنه يوجد تمييز بين الدولة الدينية التي تدار من جانب رجال الدين أو مؤسسات دينية أو حركات تدعي أنها تعمل باسم الدين وبين دولة مدنية تديرها سلطات مدنية لها مرجعية إسلامية أو مرجعية دينية.
ولكن المهم أنه علي هذه القوي التي تتحدث عن دولة مدنية ذات مرجعية دينية أن تشرح للمواطنين ما المقصود.
نحن نقول إن الدولة المدنية لها مرجعية واحدة هي الدستور يمكن أن يستلهم المرجعية الدينية بصورة لا تتناقض مع مبادئ المواطنة, بالمسئولية هنا علي من يدفع بهذا الطرح إلي الواجهة أن يقول ما المقصود.
* الأحزاب المدنية تحتاج إلي وقت حتي تتواصل مع الشارع وهذا غير منطقي في ظل ظروف البلد, كيف التوفيق بين الوضعين؟
** وصول الأحزاب المدنية للشارع يوجد فيه بعض الوهم وبعض الحقيقة, الوهم أن التيارات المدنية لم تصل للشارع مثل التيارات الإسلامية لأن التيارات الإسلامية تتعامل مع الشارع منذ سنين.
لكن المهم أن التيارات المدنية تعرف كيف تنافس وكيف تخرج للشارع بصورة انتقالية يعني تعرف هي رايحة فين في الشارع, وأنا أري أن فيه أغلبية حقيقية في مصر مع الدولة المدنية.
الأغلبية دي يجب أن تخاطب بحركة جماهيرية وحركة إعلامية ويتم تشجيعهم علي المشاركة.
المسئولية ليست مسئوليتنا نحن فقط ولكنها مسئولية الأغلبية الصامتة.
الوهم أن التيارات المدنية لم تصل للشارع ولكن جزء الحقيقة أن وصولنا للشارع لا يقارن بقدارات التيارات الدينية لأنها تعمل من 30 عاما في مقابل شهور للتيارات المدنية ولكن يتم التعويض بالخروج للشارع.
* كيف تقيم حجم التيار الإسلامي.. وهل يحصل علي أغلبية بالبرلمان المقبل؟
** لا صعب, أنا شايف إن هناك بناء للوهم زي إللي حضر العفريت, أنا لا أري مؤشرات حقيقية لقدرة الجماعات الإسلامية, إخوانية, وسلفية في الماضي جهادية الآن غير جهادية زي الجماعة الإسلامية, لا أري مؤشرات علي أن هذه التيارات قادرة علي أنها تكتسح الانتخابات البرلمانية أو تصبح لها أغلبية كاسحة داخل البرلمان, أعتقد أن فيه مبالغة كبيرة, أحيانا المبالغة تكون مقصودة لتخويف وترويع القوي السياسية الأخري بمعني أنهم سيخسروا فلا داع لعمل شيء.
ولكن هذا لا يعني أنهم ليس لهم وجود بالعكس لهم وجود منظم ولكن إللي بيفرق في الانتخابات ليس المتعاطفين بل كحزب أو حركة سياسية بيخرج قد إيه, ولكن هما لديهم القواعد القواعد الناخبة المنظة ولديهم رأس مال اجتماعي من شغلهم الخيري يمكنهم تفعيله سياسيا وليهم وجود كبير وهيكون ليهم وجود في البرلمان.
الأقباط والتيارات الأخري لابد أن تحسم دورها في كثير من إدارة المرحلة الانتقالية في مصر, أيضا نحتاج إلي توافق بين الإسلاميين والليبراليين والتيارات المدنية وغيره.
* لماذا الإصرار علي أن يصيغ الدستور المقبل لجنة تشكل من البرلمان أي من الأغلبية وهذا غير وارد في صياغة الدساتير عالميا؟
** قبل الاستفتاء كنت أقول إننا نريد الدستور أولا يكون من خلال لجنة لها علاقة بالبرلمان لجنة منتخبة بصورة مباشرة, حتي جاءت نتيجة الاستفتاء.
ومنذ أول يوم بعد الاستفتاء وأنا أحترم نسبة الـ78% التي قالت نعم, لأننا لابد أن نحترم قواعد لعبة الديموقراطية, والديموقراطية آلية منقدرش نفرض عليها أحكام قيمية.
ولكن إللي أنا عايزه إن إحنا نقلل مساحات الحظر إللي ممكن المسار يعرضنا لها كمجتمع عايز نبني ديموقراطية, والتغيير يتم علي مستويين أولا: بعمل حوار توافقي حول المبادئ الحاكمة للدستور وإذا تم الاتفاق عليه من قبل القوي السياسية والوطنية يعرض علي المواطنين في استفتاء إذا تمت الموافقة عليه يخرج في إعلان دستوري يكون مبادئ حاكمة للدستور تضمن أن الجمعية التأسيسية لا تخرج علي سياق محدد.
ثانيا: نضع معايير رشيدة وعادلة لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لتمثيل كل أطياف المجتمع المصري ودي المساحتين إللي ممكن أقلل فيهم الخطر.
* التحدي الحقيقي الماثل أمام الأحزاب الليبرالية هو جلوسها معا للتنسيق بشأن البرامج والاستقرار علي مرشحيها المشتركين في الانتخابات حتي لا تتبعثر أصوات الناخبين.. متي يتم ذلك؟
** يوجد تنسيق وعمل مشترك بين الأحزاب والتيارات المدنية وهناك محاولات لدفع التنسيق أو التحالف هذا إلي مستوي انتخابي بمعني أن نكون أمام قيادة انتخابية موحدة تحدد المرشحين وتقوم بعمل قائمة انتخابية موحدة للأحزاب المدنية وتعمل حملات انتخابية.
أيضا هناك توافق بين الأحزاب المدنية علي ألا نسلك بمنافسات بينية أي لا يكون مرشح مدني ضد مرشح مدني آخر ده مش هيحصل في الانتخابات البرلمانية وده الوقت إللي يتحط فيه الكلام بورقة وقلم عشان يكون فيه تعهد والتزام واضح, بالإضافة للخروج المشترك للشارع, أعتقد الأيام المقبلة ستكون بها مفاجآت في الصدد إحنا بنفكر وبنحاول أن نخرج مع بعض في حملات انتخابية ولقاءات توعية ولقاءات مشتركة عشان الناس يشوفونا مع بعض.
* في ظل الإقبال علي تأسيس الأحزاب الجديدة كيف تري مستقبل الانتخابات المقبلة؟
** المسئولية الوطنية للأحزاب السياسية الآن هي أن تجتهد لضبط الاختلالات المحتملة في تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد, وأفضل السبل لها هو تحديد معايير اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية من خارج البرلمان المنتخب علي نحو يضمن تمثيل القوي السياسية التي ستغيب عن البرلمان وحضور متوازن للمواطنين المصريين المسيحيين والمرأة والنقابات العمالية والمهنية والمجتمع المدني.
* الكثير من الأحزاب رفضت قانوني مجلسي الشعب والشوري فما سلبيات القانون؟
** القانون مخالف لما أجمعت عليه الأحزاب والقوي السياسية فمن ضمن عيوبه إجراء الانتخابات بنظام القوائم النسبية المغلقة والفردي معا بما ينعكس عليه عدم قيام معادلة متوازنة في التوزيع والتقسيم, بالإضافة إلي ضرورةإلغاء نسبة الـ50% عمال وفلاحين فهذا في رأيي يمثل تهديدا خطيرا للعملية الديموقراطية ويعد التفافا علي الإرادة الشعبية, حيث يفتح الباب لتأثير المال والعصبيات والبلطجية وعودة فلول النظام السابق للحياة البرلمانية, وهي المؤثرات التي أفسدت الحياة السياسية وقامت الثورة لأجل تغييرها.
* بقي سؤال: خرجت عن الإجماع بالمجلس القومي لحقوق الإنسان معتبرا أن المطالبة بالدستور أولا التفاف علي الإرادة الشعبية؟
** الأغلبية التي صوتت بنعم في استفتاء التعديلات الدستورية حددت بإرادتها الحرة المسار السياسي لمصر خلال الأشهر المقبلة, وبه ستنظم الانتخابات البرلمانية أولا متبوعة بتشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد والانتخابات الرئاسية وعلي الرغم من دعوتي للناخبين قبل الاستفتاء علي التعديلات الدستورية بالتصويت بـلا كي تتجه البلاد نحو وضع دستور جديد قبل الانتخابات, فإنني دوما شددت علي أن قواعد اللعبة الديموقراطية تستدعي احترام إرادة الأغليبة وأن مسار الانتخابات ثم الدستور بات ملزما لنا جميعا وعلينا الاجتهاد لإدارته بصورة تحمي التحول الديموقراطي.