ولد جاستون ماسبيرو في 23 يونية عام 1846م في باريس لأبوين إيطاليين هاجرا إلي فرنسا.. وقد أظهر ماسبيرو اهتماما خاصا بالتاريخ عندما كان في المدرسة وفي سن الرابعة عشر من عمره كان مهتما باللغة الهيروغليفية.
فاز ماسبيرو في المسابقة العامة للأدب وهو في الثالثة عشر من عمره والتحق بمدرسة الأساتذة العليا والتي قابل بها عالم الآثار أوجوست مارييت الذي أعطاه نصين هيروغليفيين اكتشفا حديثا بواسطة مارييت, وكان النصان صعب دراستهما وفهمهما ولكن ماسبيرو استطاع ترجمته في ثمانية أيام فقط مما أثار إعجاب مارييت به,وقد قام ماسبيرو بدراسة المصريات وحده باطلاعه علي الآثار المصرية المحفوظة في متحف اللوفر ونقوش المسلة المصرية بميدان الكونكورد, وبدأ اسمه يعرف في الأوساط العلمية بعد ترجمته لنصوص مارييت.
أعجب به علماء الكوليج دي فرانس وفكروا في شغله لكرسي علم المصريات بها,ولكن لصغر سنه آنذاك قرروا منحه لقب أستاذ مساعد لمدة يومين شغل بعدها الكرسي وكان ذلك في عام 1874م.
الزيارة الخالدة
كان ماسبيرو يجيد اللغة العربية ولم يكن بعد قد زار مصر حتي جاءته الفرصة عندما مرض مارييت مدير مصلحة الآثار المصرية التي قام بتأسيسها.
جاء ماسبيرو إلي مصر في 5 يناير من عام 1881م وكان ذلك قبل وفاة مارييت بثلاثة عشر يوما وتولي منصب مدير مصلحة الآثار المصرية وأمين المتحف المصري للآثار ببولاق وكان عمره حينها الرابعة والثلاثين.
أكمل ماسبيرو الحفريات التي كان يقوم بهامارييتفي سقارة ووسع من نطاق البحث وكان مهتما بشكل خاص بالمقابر التي تحتوي علي نصوص فرعونية مهمة تثري اللغة الهيروغليفية وقد عثر علي 4000 شطر قام بتصويرها وطباعتها.
قام ماسبيرو بإنشاء المعهد الفرنسي للآثار في القاهرة وكان أول مدير لهذا المعهد الذي لم يقتصر علي الآثار الفرعونية بل امتد لدراسة جميع الآثار المصرية سواء الإسلامية أو القبطية, واصل ماسبيرو حفائر مارييت في معبدي إدفو وأبيدوس كما استكمل أعمال مارييت في إزالة الرمال عن أبو الهول بالجيزة حيث أزال عنه أكثر من 20 مترا من الرمال محاولا إيجاد مقابر تحتها ولكن لم يجد, ولكن حديثا عثر علي عدد من المقابر في أماكن الحفر التي كان ينقب فيها ماسبيرو وقام بإعادة ترتيب المتحف المصري ببولاق ونقل محتوياته إلي متحف القاهرة الحالي كما اكتشفت في عهده خبيئة بالكرنك تحتوي علي مئات التماثيل المنتمية لعصور مختلفة ونشر دراسات أثرية عديدة.
ماسبيرو..الرمز والمواجهة
قامماسبيروبنشاط كبير لمواجهة السرقات التي كانت تحدث للآثار المصرية القديمة وقام بمساعدة العالم المصري أحمد كمال بك بنقل المئات من المومياوات والآثار المنهوبة إلي المتحف المصري بالقاهرة واستطاع أن يسن قانونا جديدا صدر عام 1912م ينص علي أن لايسمح للأشخاص بالتنقيب, ويقتصر التنقيب فقط علي البعثات العلمية بعد الموافقة علي مشروعها, ولم يصبح من حق الحفارين الحصول علي نصف ما يعثرون عليه لكنهم يحصلون فقط علي القطع التي لها مثيل مكرر بمتحف القاهرة,ولايمنح القائم علي الحفائر تأشيرة خروج من مصر إلا في حالة تركه الموقع الأثري في صورة مرضية, مما أثار عليه غيظ وحقد المهربين الأجانب وتجار الآثار كما فرض مقابلا لمشاهدة المناطق الأثرية لمواجهة النفقات التي يحتاجها للتنقيب وأعمال الصيانة.
في عام 1881م قبض ماسبيرو علي عائلة عبد الرسول وهم من أشهر تجار الآثار واستطاع إجبارهم بعد التعذيب علي الاعتراف بالسرقات وحصل منهم علي معلومات عن أحد أهم اكتشافات ماسبيرو وهي خبيئة في الدير البحري عثر فيها علي مومياوات الملوك سقنن رع وأحمس الأول وتحتمس الثالث وسيتي الأول ورمسيس الثاني وغيرهم.
كانت هناك احتكاكات ومنافسات بين الإنجليز الذين كانوا يحتلون مصر وبين الفرنسيين الذين كانوا يهيمنون علي إدارة الآثار المصرية فكانت نتيجة هذه الاحتكاكات الإنجليزية أن قدم ماسبيرو استقالته عام 1892م ولكن ممثل فرنسا في مصر طالب بعودته وعاد فعلا إلي مصر في عام 1899م,وفي نفس عام عودته قام ماسبيرو بتعيين هوارد كارتر كبير مفتشي الآثار في مصر العليا وكان هو أيضا الذي عرفه إلي اللورد كارنافون عام 1905م.
عاد ماسبيرو إلي باريس عام 1914م وعين في منصب المستشار الدائم لأكاديمية الفنون والآداب .
توفي جاستون ماسبيرو في 30 يونية عام 1916م ودفن في فرنسا وقد أطلق اسم ماسبيرو في مصر علي مبني الإذاعة والتليفزيون بالقاهرة تكريما لأعماله الجليلة ومساهماته في البحث والمحافظة علي الآثار المصرية القديمة.وسجل وجوده في السينما المصرية في الفيلم الروائي الطويل الرائع المومياء للمخرج العبقري شادي عبد السلام.
ولم يطلق اسم ماسبيرو علي المبني الضخم علي ضفة نيل القاهرة وهو مقر للتليفزيون المصري أقدم التليفزيونات الحكومية في الشرق الأوسط وأفريقيا بل إن ماسبيرو أيضا هو اسم الشارع الذي يطل عليه هذا المبني.