مش ممكن أخلع اللبس الأسود أبدا دي الناس تاكل وشي… أتجوز تاني ياخبر,طاب وكلام الناس؟هذا حكم بعض المجتمعات الشرقية بعاداتها وتقاليدها الصارمة علي المرأة التي قدر لها أن تفقد زوجها عائلها وسندها في الحياة لتجد نفسها وحيدة أمام مأساتها ومسئولياتها الجديدة دون أن يرحمها المجتمع بل يحسب عليها تصرفاتها وحركاتها!!
يقول دكتور غريب عبد السميع-أستاذ علم الاجتماع جامعة حلوان بأنه لاشك أن المرأة الأرملة ذاتها هي التي تسهم بشكل كبير في نظرة المجتمع إليها إما بالسلب أو بالإيجاب فإذا كانت الأرملة محتفظة باللون الأسود رافضة الزواج من آخر بعد وفاة زوجها ينظر لها المجتمع بنظرة التعاطف والتراحم باعتبارها ذات ظروف صعبة تحتاج إلي مساعدة ومساندة لتدعيم رحلة كفاحها واستكمال رسالتها في تربية أبنائها ورعايتهم.وهذا النوع بالطبع يجد التأييد والمساعدة من قبل الآخرين.
وعلي النقيض تماما نجد النظرة تختلف كثيرا إذا ما أقبلت الأرملة علي التفكير في الزواج مرة أخري بحيث يعتبرها البعض جاحدة وغير وفية لزوجها أو غير حريصة علي تربية أبنائها وبالرغم من أن الزواج ليس عيبا خاصة إذا كانت في مقتبل العمر ولديها أطفال بحاجة إلي رعاية أب,كما أن لها الحق في أن تتزوج وأن تكمل حياتها الطبيعية في ظل أسرة سعيدة.
ويضيف د. عبد السميع قائلا:إن تلك القيود الاجتماعية الصارمة التي يفرضها مجتمعنا الشرقي علي الأرملة ترجع إلي عاداته وتقاليده المتوارثة ومدلولاته الثقافية المتدنية تجاه الأرملة وفكرة الوفاء للزوج المتوفي.
ويؤكد دكتور نصيف فهمي-أستاذ خدمة الجماعة والإرشاد الأسري بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان ماسبق قوله, فلا يقتصر تجاهل المجتمع لدعم الأرامل وجدانيا واجتماعيا لانتشالهن من أحزانهن ولكنه يصدر حكما بالإعدام الاجتماعي فلا يراعي ما للأرملة من حاجات نفسية وجسدية,خاصة إذا كانت في مقتبل العمر حيث تنهشها الوحدة والفراغ القاتل.فإذا ما فكرت في الزواج مرة أخري فلا يتردد المجتمع باتهامها بنكران الجميل للزوج الراحل وعدم مراعاتها مشاعر أهله ومستقبل أبنائها بل السعي وراء مصالحها الشخصية علي حساب الآخرين!!
لذا فنحن نجد في كثير من الأحيان أن الأرامل يرفضن الزواج مما يجعلهن يعيشن في صراع داخلي بين حاجتهن وخوفهن علي الأبناء إلي أن يتغلب حب الأبناء والخوف عليهم علي رغبتهن في الزواج ليبدأ تطور الصراع من قلق وإحباط إلي اكتئاب ينعكس بعد ذلك علي الأبناء والمحيطين.
وعن الحالة النفسية التي تتعرض لها الأرملة يقول دكتور سمير عبد الفتاح أستاذ علم النفس جامعة عين شمس: إن المرأة حينما تفقد زوجها يحدث لها نوع من أنواع عدم الاتزان لفترة ما وعليه إما أن تتماسك أو تنهار بصورة كبيرة نتيجة للصدمة المدمرة بموت الزوج-خاصة إذا كان مفاجئا-بعد الإحساس بالأمان والدفء والحنان الذي عمر حياتها لسنوات طويلة لتستيقظ منه علي كابوس مرعب يزعزع أمنها ويهدم سقف حياتها ,فتبدأ في الشعور بأن عقلها قد شل وتكاد أن تفقد صوابها لهول الصدمة التي غيرت مجري حياتها رأسا علي عقب وقد يستمر هذا الوضع عدة شهور إلي أن تحاول أن تستعيد كيانها من جديد.
ويذكر أن استعادة التوازن النفسي لدي الأرملة يختلف من امرأة لأخري فنسبة 85% يعدن للحياة الطبيعية دون مساعدة الطب النفسي ويكون ذلك خلال ثلاث سنوات أما 15% منهن يحتاجن إلي مساعدة طبيب نفساني لانتشالهن من الحزن الذي اجتاح حياتهن حتي لا يصابن بأمراض جسدية ونفسية مؤلمة كالاكتـئاب والأرق.
وفي النهاية ينصح علماء النفس والاجتماع الأرملة بضرورة التكيف مع وضعها الجديد,وأن تخرج من العباءة السوداوية حتي لاتصاب بالأمراض النفسية التي قد تؤثر عليها وعلي المحيطين بها وأن تعود للحياة مرة أخري والاستمتاع بها بكل بهجة وسعادة ,فالحياة بلا استمتاع لاتعد حياة علي الإطلاق.
كما أن عليهن التحلي بالإيمان والصبر.
وعلي المؤسسات الدينية والمدنية أن تمد يد العون لمساندة الأرامل بشكل فعال مع تفعيل دور الإعلام بجميع أشكاله سواء كان مسموعا أو مقروء أو مرئيا لتصحيح نظرة مجتمعنا المغلوطة ومحاولة إصلاحها من جديد.