أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تقريرا حديثا بعنوان العنف الطائفي في عامين… ماذا حدث ومن أين نبدأ, رصد جرائم العنف الطائفي في الفترة من يناير 2008 وحتي يناير 2010, معتمدا علي تحليل الحوادث الطائفية التي شهدتها مصر خلال هذه الفترة بناء علي المعلومات المتوفرة وشهادات الضحايا والشهود وتقارير لجان تقصي الحقائق التي قامت بها المبادرة خلال الفترة الماضية.
53 حادث عنف طائفي
قال حسام بهجت مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن التقرير لا يقتصر علي تجميع تقارير حرية المعتقد التي تصدرها المبادرة بشكل ربع سنوي, وإنما هو محاولة لاستخلاص الدروس واستكشاف بعض الأنماط فيما يتعلق بأحداث العنف الطائفي, ومن ثم يعتمد بشكل أساسي علي الأوضاع في المناطق التي شهدت توترا طائفيا ويكاد بخرج عن السيطرة, ويلخص 53 حادث عنف طائفي في 17 محافظة, مع الوضع في الاعتبار عدم احتساب ما شهدته مرسي مطروح الشهر الماضي.
أوضح بهجت أن التقرير يدق ناقوس الخطر ويحذر من فداحة الاحتقان الموجود في المجتمع الآن, حتي لا يأتي من يتبرأ من الكارثة بشأن عدم وجود معلومات كافية, فهذه شهادة للتاريخ
ضد الدولة المدنية
من جانبه أكد عادل رمضان المحامي بالمبادرة أن جرائم العنف الطائفي وصلت لمرحلة شديدة الخطورة وينبغي التعامل معها بشكل حاسم حتي لا تنفلت الأوضاع, خاصة وأن دولة القانون لم تعد موجودة, ويتم الآن إجبار الضحايا والمجني عليهم علي قبول التنازل والصلح والتوقيع علي إقرارات تفيد بعدم رفع دعاوي تعويض, وهي كلها أمور ضد الدولة المدنية ودولة القانون.
محافظات الصعيد الأكثر خطرا
وكشف التقرير أن النسبة الأكبر من أحداث العنف الطائفي وقعت في صعيد مصر, وتحديدا في محافظات بني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر, بالإضافة إلي الفيوم. وهذه المجموعة هي التي يشكل فيها العنف الطائفي الدرجة الأكثر خطورة, سواء من حيث عدد الحوادث (33 حادثا), أو مدي جسامتها, مثل حادث مقتل ستة مسيحيين ومسلم كان برفقتهم وإصابة تسعة مسيحيين آخرين في نجع حمادي بمحافظة قنا في ليلة السادس من يناير الماضي.
يشكل الصعيد مشكلة أيضا من حيث التواتر الزمني لوقوع الأحداث وتنوع وانتشار أماكن حدوثها; فالمنيا علي سبيل المثال وقع فيها حادث عنف طائفي واحد كل خمسة وثلاثين يوما, وذلك في 17 قرية تتبع سبعة مراكز بالمحافظة من أصل تسعة مراكز تتشكل منها محافظة المنيا, وتأتي في المرتبة الثانية مجموعة محافظات منطقة الدلتا والوجه البحري, حيث وقع في هذه المجموعة 20 حادثا. وكانت أكثر المحافظات عنفا في تلك المجموعة محافظة الدقهلية, حيث وقعت بها ثلاث حوادث متفرقة خلال شهور فبراير ويونية وأغسطس من عام 2009, واشتبك فيها المئات وترتب عليها خسائر مادية جسيمة. تليها محافظة المنوفية التي وقعت بها حادثة واحدة جسيمة هي حاثة ذبح مسيحي والشروع في قتل اثنين آخرين علي يد مسلم في 17 سبتمبر .2009
أشار التقرير إلي أن المجموعة الثالثة وهي المحافظات التي لم تقع بها أي حوادث عنف أو توتر طائفي وتضم المحافظات المتبقية وعددها .12
الانتقام الجماعي
رصد التقرير أن القري والعزب والنجوع تعتبر أكثر الأماكن التي شهدت أحداث عنف طائفي, تليها المدن الفرعية بالمحافظة, ثم مدن عواصم المحافظات. وكان ليوم الجمعة ـ وتحديدا عقب صلاة الجمعة ـ نسبة غير قليلة من الأحداث, وكذلك أيام الآحاد. والنسبة الأكبر من المتورطين في الأحداث هي للذكور من الشباب والمراهقين.
ممثلو الدولة يشجعون!
لاحظ التقرير أن الاعتراض علي إقامة المسيحيين للصلاة لم يكن من المسلمين فحسب; بل إن ممثلي الدولة في أكثر من حالة هم من يرفضون تجمع المسيحيين للصلاة في أحد المنازل, أو يقومون بإلقاء القبض علي المصلين والتحقيق معهم. وفي كثير من الحالات كان رفض ممثلي الدولة هو العامل المشجع للمسلمين علي إعلان رفضهم لإقامة المسيحيين لصلواتهم.
ورصد حالات تورط فيها ضباط الشرطة في عمليات التحريض ضد وجود مبني لصلاة المسيحيين في مكان ما. وفي كل الحالات التي رصدناها كانت أجهزة الأمن تقوم بإغلاق المبني الذي أقيمت فيه الصلوات ##دون تصريح## ووضع حراسة دائمة أمامه أو أمام المنزل الذي أجريت فيه الصلاة الجماعية لضمان عدم تكرار الصلاة, كما تم في حالات عديدة منع مسيحيين من بناء أو استكمال بناء منازل أو عقارات علي أراضيهم لتشكك أجهزة الأمن في نية القائمين علي البناء تحويله إلي كنيسة أو بيعة للمطرانية. وفي بعض الحالات كان يتم منع المسيحيين من ترميم كنائس قائمة ومرخصة من قبل مسئولين في الدولة, أو حتي طلب إزالة صلبان من عليها.
ونوه التقرير لنقطة مهمة تتلخص في أنه بالرغم من أن القانون المصري يعتبر حرق المنازل والممتلكات جناية تصل عقوبتها إلي السجن المؤبد, إلا أن حرق المنازل في خضم أحداث العنف الطائفي أصبح أمرا معتادا ومكررا إلي درجة الروتينية, يقوم به المعتدون دون أدني مبالاة بالقانون وأحكامه الرادعة, كما يتبع تخريب المنقولات والأراضي الزراعية والمنشآت التجارية والصناعية. ومن فرط تكرار مثل هذه الحوادث وتشابهها, فإن الكثير من الضحايا المسيحيين الذين تحدث إليهم باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أصبحوا يعتقدون أنهم مستهدفون اقتصاديا بغرض إفقارهم أو دفعهم لمغادرة البلاد.
واعتبر التقرير أن الحكومة لا تملك خطة لمواجهة العنف الطائفي المتزايد في البلاد أو لمعالجة الاحتقان الطائفي.
ووصف التقرير طريقة تدخل وزارة الداخلية باختصار بأنها عنيفة, وقصيرة النظر, وفي أغلب الأحوال غير قانونية, وتهدف دائما إلي فرض التهدئة عنوة: فإما التصالح والتهدئة أو مواجهة الاعتقال وأحيانا العقاب الجماعي للضحايا, وفي حالات قليلة للغاية تدخل المسئولون التنفيذيون غير الأمنيين كالمحافظين في معالجة حوادث العنف الطائفي في محافظاتهم, ودائما ما تكون تدخلاتهم ضعيفة وغير فعالة. أما باقي وزارات الدولة فإنها تحافظ في الأغلب علي مسافة تبعدها عن العنف أو الاحتقان الطائفي وكأنه شأن لا يخصها, وتترك الساحة لوجهة النظر الأمنية في التعامل مع أطراف كل حادث من الضحايا والجناة وأقاربهم وأعيان المنطقة. وأحيانا يتدخل أعضاء مجلس الشعب أو المجالس المحلية, ولكنهم دائما ما يتدخلون لمساعدة الأجهزة الأمنية في فرض التهدئة وليس تفعيل القانون عبر تقديم الجناة إلي العدالة.
جلسات استماع علنية
طالبت المبادرة بدعوة مجلس الشعب إلي تشكيل لجنة خاصة لدراسة مشكلة العنف الطائفي, وعقد جلسات استماع علنية لمناقشة هذا الملف, بمشاركة الضحايا والخبراء ومنظمات المجتمع المدني المستقلة, وفي حضور ممثلين رفيعي المستوي من الحكومة, ووقف انتهاكات الأجهزة الأمنية للدستور والقانون, والتي تؤدي إلي وقوع أو تفاقم التوتر الطائفي أو تقع في أعقابه, ومحاسبة المسئولين عن تلك الانتهاكات, وضمان حياد أجهزة الأمن في أداء دورها في إنفاذ القوانين وحفظ الأمن لجميع المصريين, والعمل علي رفع كفاءة رجال النيابة العامة في التحقيق في الجرائم المرتبطة بالعنف الطائفي للوصول إلي الجناة الحقيقيين, وإصدار تعليمات واضحة بعدم قبول التصالح في الجرائم التي لا يجوز فيها ذلك واستمرار التحقيق في الوقائع التي يحق للنيابة العامة الاستمرار فيها رغم التصالح, والعمل علي إحالة المتهمين مع الأدلة الكافية إلي المحكمة المختصة في أسرع وقت ممكن.
كما دعت المبادرة إلي إنهاء سياسات التمييز غير المعلن ضد المسيحيين في كافة الوظائف العامة, ووضع معايير التوظيف علي أساس الكفاءة وحدها, وإصدار قانون منع التمييز وضمان تكافؤ الفرص وفقا لاقتراح المجلس القومي لحقوق الإنسان, ومراجعة كافة التشريعات المصرية لضمان تنقيتها من كافة أشكال التمييز.