البرية,والرقم أربعين,والمواجهة بين يسوع والشيطان.كل هذا وقد وضع في إطار يذكرنا بسفر الخروج.والاستشهادات الكتابية التي أوردها يسوع قد أخذت من سفر تثنية الأشتراع لموسي النبي الذي هو إعادة تفسير لسفر الخروج.إذن,نستطيع أن نعتبر أن يسوع يظهر هنا كإسرائيل الجديد,هذا الابن الذي اختاره الله من بين كل الشعوب.وأعلنه في العماد ابنه الحبيب.
إسرائيل فشل.ويسوع,كيف سيوصل العهد إلي كماله؟فالتجربة تتوجه إلي كل إنسان.فيسوع قام بخيارات تتحدي كل واحد منا في حياته اليومية الملوسة تجاه الله,تجاه الذات تجاه الآخرين.فالتجارب الثلاث تغطي عالم الإنسان:من النظام الاقتصادي,من ناحية أخري النظام السياسي,ثم النظام الديني.فكل تجربة تحدثنا عن الخيار الذي قام به يسوع في بداية رسالته.
أن يجوع الإنسان بعد أربعين يوما من الصوم,ليس بالأمر المدهش ولا الغريب.لقد أبرز لوقا هذا النقص الكبير الذي جعل فيه يسوع نفسه,وقدمه لنا كرجل وإنسان بمعني الكلمة.وساعة بدت الحاجة إلي الطعام ملحة,أخر إشباع هذه الحاجةلماذا؟لأنه رفض أن يحدد موقعه خارج الوضع البشري:إنه هنا كإنسان.إنه ككل إنسان يخضع لمتطلبات الطبيعة الإنسانية.ولكنه في الوقت نفسه شاهد لجوع آخر:إنه,إنسان رغبة مقدسة يريد أن يحيا من كلمة الله.أورد يسوع الكتب وسار بمقتضاها.
والنظر إلي ممالك الأرض كما تصوره التجربة الثانية,يرمز إلي انغماس كل رغبات الإنسان في السلطة السياسية.فالسجود أمام الشيطان يعني التخلي عن العهد الذي قدمه إله الخروج.هنا,يحل إله السلطة السياسية مع كل ما فيه من سحر وفتة,محل الإله السامي.ويعود يسوع إلي سفر التثنية فيؤكد علي تسامي الله.فالكتاب المقدس هو في نظره المنارة التي تشير إلي الله وإلي حريته التي لا يتوقعها إنسان.والتجربة الثالثة تحمل تعبيرا مهما لكل يهودي,وسحرا ليسوع نفسه.ما يعرض عليه هو حق من حقوقه.إنه الكلمة الأخيرة التي يرسلها الله إلي شبعه.وفي هذا المعني,ظهوره علي قمة الهيكل هو ذروة الوحي.فالله قد أسكن اسمه في أورشليم وفي الهكيل.وهناك ينتظر الاعتراف به ويسوع هو في المكان الذي يحق له.ومع ذلك فهو يرفض التجربة.
يريد يسوع أن يكون إنسانا,ولهذا فهو يسجل كرازته في الزمن.وأورشليم وهيكلها سيكونان موضع المواجهة الحاسمة:سيدخل يسوع إلي أورشليم دخولا ظاهرا ويطرد الباعة من الهيكل.في النهاية,الآب وحده هو الذي يحدد الزمن المؤاتي والمناسب.
هذا المشهد يحدد من هو الله,ومن هو يسوع ومن هو الإنسان.الله هو موضوع الصراع بين المجرب ويسوع.أراد الشيطان أن يجعله الله حاضرا بشكل مباشر وشفاف,بناء علي طلب الإنسان.أما يسوع فأعلن أنه رجل الله,وامتنع أنيستغلالله,فأكد علي حضوره في السماع والطاعة له.
وهكذا بدا يسوع كالابن الحقيقي.ذلك الذي يصغي إلي الآب بكمال يجعله ذاك الذي يرضي عنه الله.والإنسان مدعو لكي يري في نفسه ذاك الكائن العظيم,كائن الرغبات,ذاك الذي يعمل في طاعة تامة.هذا ما يعلمنا إياه الابن,ونحن مدعوون للسماع له.إن كنت ابن الله فمر هذا الحجر بأن يتحول إلي خبز.ويسوع عبر هو أيضا عن هذا الحاجة الأولي لدي الإنسان:حاجته إلي الخبز ليعيش جوع حيوي سيصبح حالا حاجة إلي الامتلاك,حاجة إلي تأمين المستقبل.وحينئذ تبرز التجربة والفخ:أن تكدس الخيارات والغني,وأن نكتفي بإشباع جوعنا الأرضي,وطمأنينتنا المباشرة.مثل هذه التجربة تخنق كل روح مجانية ومقاسمة.تختق كل انفتاح علي غني القلب والعلاقات البشرية وعطايا الله.
فيسوع يعرف أن الله المتسامي وحده يستطيع أن يشبع جوعنا إلي المطلقلا يحيا الإنسان بالخبز وحده بل بكلمة الحياة الآتية من عند الله.
إن كنت ابن الله,ألق بنفسك من أعلي الهيكل,فيدهش الناس ويؤمنوا بك.هي رغبة(أو حاجة)شرعية بأن ننجح ويعرف الناس فضلنا وحينئذ تبرز تجربة أخري:أن نحسب نفوسنا المحور المطلق.وقلب العالم.هذه هي عبادة الذات التي تحل محل الله المطلق كان باستطاعة يسوع أن يستعمل سلطته ومواهبه,لا من أجل نفسه,بل لينجح في رسالته فيسحر الناس بهالة المعلم القدير.وقد تكون هذه التجربة لامسته في ساعات الفشل المرير!
ولكن يسوع الذي يحترم حرية الإنسان قد رفض هذه التجربةالشيطانيةالتي تجعلهيستخدمكلمة الله,ويحصر الديانة في الأمور المدهشة.مثل هذا التصرف هو تحد لله:لا تجرب الرب إلهك.
إن النجاح في الرسالة لا يكون نتيجةدعايةمنظمة تستغل الحاجة الدينية عند الناس,ولا نتيجة كنيسة تتمتع بقوة زمنية,بل ثمرة حب يعطي ذاته ولا يفرض نفسه علي أحد…