يبدو أن الانتقال السلس إلي الحياة الديموقراطية في العديد من دول القارة السوداء أمر صعب المنال كما يردد المراقبون,وهو ما برهنت عليه انتخابات كينيا الرئاسية التي انعقدت في السابع والعشرين من ديسمبر2007,وفي غضون ثلاثة أيام فقط أعلنت لجنة الانتخابات فوز الرئيس مواي كيباكي لفترة رئاسية ثانية وهزيمة زعيم المعارضة رايلا أودينجا.هنا اشتعل الصراع القبلي بين أنصار الرئيس من قبيلة كيكويو وأتباع المعارضة من قبيلة ليو.ووسط أجواء يفلت فيها المجرمون من العقاب ازدادت حدة العنف والعنف المضاد حتي بلغت الأوضاع حدا يخشي معه وقوع كينيا الآمنة لسنوات طويلة بمنطقة وسط القارة الأفريقية تحت نير حرب أهلية طاحنة تقتلع الأخضر واليابس إن وقعت.
باسم الديموقراطية دعا الرئيس مواي كيباكي لإجراء الانتخابات الرئاسية…وباسم الديموقراطية وقع التزوير الذي ينفيه الرئيس ويؤكده زعيم المعارضة!
من جانب يري كيباكي ومن خلفه أنصار قبيلته التي تشكل نسبة22%من تعداد الشعب الكيني أحقيته في المنصب الرئاسي لفترة ثانية مدتها خمس سنوات وهو صاحب المنجزات الاقتصادية ومفجر مجانية التعليم الأساسي…ومن جانب آخر يشكك زعيم المعارضة أودينجا ومن خلفه أنصار قبيلته التي تشكل نسبة13%من السكان في نزاهة الانتخابات بتزوير ما لا يقل عن 300ألف صوت في حين أن الفارق المعلن بين المرشحين هو 232ألف صوت فقط,فضلا عن ذلك تثق المعارضة في انحياز أغلبية الشارع الكيني لصفها بدليل اكتساحها للانتخابات البرلمانية الأخيرة.
حتي الآن دخلت الاضطرابات العرقية أسبوعها الخامس فدخلت كينيا نفق أبشع جرائم ضد الديموقراطية والإنسانية معا حيث تنفجر أعمال عنف بالغة وصلت لحد التطهير العرقي في عدة مناطق من البلاد…المشهد يصور المئات من أبناء القبيلتين ممن قطعت أعناقهم بالأسلحة البيضاء أو حرقوا أحياء…صورة طبق الأصل مما جري في رواندة من تطهير عرقي سنة1994بين قبيلتي الهوتو والتوتسي وراح ضحيته في غفلة من العالم المتحفز أكثر من800 ألف شخص في غضون أسابيع قليلة!
في ظل الديموقراطية شهدت كينيا نموا اقتصاديا ملحوظا بينما ظل معظم الكينيين كما يقول المحللون علي حالهم من الفقر والبطالة واستشري الفساد بصورة تجعل من الحياة الديموقراطية شكلا بلا مضمون أو معني حقيقي!
شخصيات عديدة من قادة أفريقيا ومنظمات إغاثة دولية هرعت إلي العاصمة الكينية نيروبي لرأب الصدع الديموقراطي بين فصيلي الصراع كيباكي وأودينجا…لكن الحل يكمن علي حد قول الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان في قدرة طرفي الصراع علي تحقيق السلام والرغبة في انتشال منجزات كينيا وإلا فالكارثة محققة ولتتحمل المعارضة النتائج بثورتها البرتغالية كما تروج لنفسها وأيضا الرئيس صاحب السلطة والقرار.
ولد مواي في15نوفمبر1931بقرية جاتوياني بمنطقة أوثاريا التابعة لإقليم نيري وهو الابن الأصغر لوالده المزارع كيباكي جيثنجي لكنه كان الأوفر حظأ والأكثر ذكاء بين أخوته منذ سني حياته الأولي ومن ثم انطلق في مراحل تعليمه بصورة تنبئ عن نبوغ وحسن طالع.
حصل الفتي مواي علي أعلي الدرجات في شهادة الدراسة الثانوية خلال الأعوام من1947-1950ومن بعدها هادرس الاقتصاد والتاريخ والعلوم السياسية بجامعة ماكرير في كمبالا بأوغندة,ولشخصيته القيادية شغل منصب رئيس اتحاد طلاب الجامعة.
في عام1955حظي علي لقب أفضل طالب ومن ثم حصل علي منحة دراسية بالمملكة المتحدة حيث نال بكالوريوس العلوم.
في عام1960توقف عن التدريس بجامعة ماكرير ليتقليد منصب المدير التنفيذي للاتحاد القومي الكيني,وبذات الفترة ساهم في صياغة دستور كينيا.
شهد عام1963دخول موابي البرلمان وبداية حياته السياسية الطويلة ومن بعدها شغل العديد من الحقائب الوزارية حتي عام1966.
في عام 1974 اختارته مجلة تايم الأمريكية لنبوغه وسطوع نجمه ضمن مائة شخصية عالمية مرشحة لتقلد مناصب رئاسية في بلدانهم.
عمل كيباكي نائبا للرئيس دانيال أراب موي منذ عام1978لكنه في عام1991أسس الحزب الديموقراطي الكيني وجاء ترتيبه الثالث في الانتخابات الرئاسية لعام1992 وبمقدم سنة1998 أصبح الزعيم الرسمي للمعارضة.
ثم جاءت انتخابات عام2002حيث اندمج حزبه مع أحزاب أخري لتشكل ما سمي بحزب الاتحاد القومي,بعدئذ اندمج مع الحزب الديموقراطي الليبرالي ليتشكل ائتلافا قوميا أكبر…وهو ما جعل فوزه محققا في الانتخابات الرئاسية لسنة2002.
منح كيباكي صلاحيات كبيرة لمسئولي المقاطعات في حين اتسمت الحياة في كينيا بحالة من التسبب والفساد…أما إيجابيات حكمه فتمثلت في إطلاق مجانية التعليم الأساسي وفي تحقيق معدل نمو بلغ7% في إجمالي الناتج المحلي.
جاءت كبوته مع استفتاء2005حيث رفض 58%من أعضاء البرلمان مسودة تعديل للدستور تمنح صلاحيات إضافية للرئيس الأمر الذي دفعه لحل مجلس الوزراء وتشكيل مجلس جديد.
والسؤال ماذا لو أصر كيباكي علي قسمه الرئاسي لفترة ثانية,وأطلق أودينجا العنان لعناده حيث يصر علي إعلان فوزه علي الملأ وبعدها يذعن لنداءات تقاسم السلطة…وماذا لو اشتعل الشارع الكيني ودخلت 42قبيلة هي جملة قبائل الشعب الكيني حلبة الصراع علي السلطة في لعبة الديموقراطية المثيرة جدا للجدل…في كل الأحوال يضع السياسيون أياديهم علي قلوبهم خوفا من تكرار مأساة رواندة…فالديموقراطية الوليدة أو قل المترنحة في بلدان أفريقية عديدة مثل ساحل العاج وأفريقيا الوسطي وتشاد وسيراليون والكونغو الديموقراطية وحاليا في كينيا تمثل جرائم حقيقية ضد الديموقراطية والإنسانية علي حد سواء.