يستطيع الإنسان أن يكون مطمئنا ومتأكدا من صواب ما يقول عندما يؤسس حكمه علي شخص أو جماعة أو شعب أو ثقافة أو حضارة علي أساس أو علي ضوء موقف أي من هؤلاء من المرأة أو من النساء. فالعلم والتقدم والعقل المتمدن المستنير يؤكدون أن المرأة (علي الأقل) مساوية مساواة مطلقة للرجل; وإن كانت تفوقه أهمية,لكونها فوق أنها نصف المجتمعات فإنها التي تربي النصف الآخر. ويستطيع الإنسان أن يدمغ بالتخلف والدونية والتعصب والجهل (بل والإجرام) كل من يقول إن المرأة لا تصلح لأي أمر أو منصب أو موقع أو مسئولية.
ومن فضائحنا الحضارية والثقافية أن يوجد من يؤمنون بأن المرأة يجب أن تعيش وفق ما يقول به رجال مثل رجال الدين في مجتمعات العالم الثالث ; وجلهم أجهل من الجهل … ودائما ما يضحكني تصور رجل دين في مجتمعاتنا البائسة أنه يصلح لإصدار الأحكام التي ينبغي علي امرأة مثل مدام كوري (العالمة التي حصلت علي جائزة نوبل في العلوم مرة أولي سنة 1903 ومرة ثانية سنة 1911 ) أن تخضع لها … وليتخيل القراء معي أن مدام كوري تأتمر بفتاوي رجل خارج من الكهف (كهف البداوة والقرون الوسطي وندرة العلم والتحضر والتمدن) مثل مفتي مملكة التراب الحالي أو سلفه الظلامي الأكبر (ابن باظ !!) …
العالم يحتفل الآن بيوم المرأة بينما نغرق نحن في مستنقع وضع الأحكام العطنة التي (ينبغي) أن تسير عليها المرأة ; بل ونترك هذه المهمة لبشر (من بينهم رجال الدين والفتوي) لا يملكون واحدا في المائة من المحصول المعرفي لأي مثقف معاصر كبير … والأدهي أن نظم الحكم في مجتمعاتنا تسمح بحدوث تلك المهزلة … العالم كله بات يعرف أن التقدم والنهضة واللحاق بركب ومسيرة التمدن والازدهار تبقي كلها مستحيلة التحقق في ظل أي أوضاع يكون فيها نصف المجتمع (ومربي النصف الآخر) خاضعا لأحكام ونظم متخلفة وضعها رجال معقدون ومهوسون بالتحكم في المرأة ويحلمون بعالم أسود متخلف يقرر فيه الرجل للمرأة ماذا تفعل وماذا لا تفعل ; بما في ذلك قيادة السيارات ونوع الثياب وماهية العمل والأنشطة المناسبة وغير المناسبة لها … إن كل من يقول إن المرأة غير مساوية للرجل (مساواة مطلقة) وأنها لا تصلح لبعض الوظائف أو المواقع أو المهام … وأنها خلقت لخدمة الزوج والأولاد هو ثمرة عطنة لشجرة خبيثة بذرتها التخلف وتربتها الثقافة الذكورية التي تجاوزها العلم والتمدن والتحضر وداستها بأقدامها حركة حقوق الإنسان التي تجسد أسمي إنجازات العقل والضمير الإنسانيين.
إن كاتب هذه السطور يعتقد أن المجتمعات الناطقة بالعربية هي ليست علي مستوي الصفر بين مجتمعات العالم المعاصرة ; وإنما هي دون الصفر بالكثير من المسافات . وأننا لن نصعد لمستويات التقدم والتمدن والتحضر التي بلغتها شعوب ومجتمعات أخري إلا إذا استأصلنا من مناخنا الثقافي والاجتماعي الأفكار الآسنة التي لا تضع المرأة في مكانتها التي تستحقها كشريك كامل للرجل في المواطنة والإنسانية دون أي تحفظات أو استثناءات, ولا يمكن بلوغ ذلك ما لم يحجم الدور المستفحل لرجال الدين والفتاوي وإيقاف توغلهم وتغولهم السرطاني والذي يجعلهم (وهم البسطاء عقلا ومعرفة) المرجع فيما كان (ولا يزال) المنطق والعلم يحتمان ألا يكونوا المرجع فيه … وهم الذين وصفهم علي عبد الرازق في رسالة بعث بها للعميد طه حسين منذ أقل قليلا من تسعة عقود بأن واحدا فقط منهم يكفي لإظلام مدينة عظيمة مثل باريس (عاصمة النور) …
جل الحكام وكبار المسؤلين في المجتمعات العربية شركاء(بنسبة لا يستهان بها) للمتعصبين والظلاميين والماضويين وأبناء ثقافة التراب والخيمة والراعي في معاداة المرأة,ولو قالوا بخلاف ذلك.فإذا كانت العبرة بالأفعال لا بالأقوال,فما الذي يمنع الحكام العرب من تكليف سيدة برئاسة الحكومة (كما حدث في أكثر من أربع دول إسلامية كبري غير عربية)؟…وما الذي يجعل هؤلاء الحكام يكتفون بتمثيل نسائي شكلي ومظهري في حكوماتها (وهم في مجتمعاتهم الآمرون الناهون)؟…ولماذا لا يتم تعيين نساء علي نطاق واسع كمحافظين ورؤساء مدن ورؤساء جامعات وعمداء كليات ورؤساء هيئات تشريعية وقضائية؟…السبب الأوحد هو أن عددا غير قليل من هؤلاء الحكام إما أنهم ليسوا بقادة رأي حقيقيين,وإما أنهم شركاء للمتعصبين والظلاميين وأبناء ثقافة التراب والخيمة في معاداة المرأة.
إن المتشدقين بالدفاع عن حقوق الإنسان وأهمها حقوق المرأة لا يتعدون دوائر الكلام (الصادق أو غير ذلك) عندما لا ينادن بحتمية المبادرة يتنصيب نساء كثيرات في جل المواقع القيادية وكذا عندما لا ينادون بإعادة النظر في المنظومة القيمية الآسنة التي تؤدي لتراجع مكانة المرأة عن مكانة الرجل في المجتمع وهي منظومة قيمية يروج لها (بوعي وإدراك أو بدونهما) من خلال المؤسسات التعليمية(وهي تحت سيطرة الحكام الذين يدعون مناصرتهم لحقوق المرأة) وبنفس القدر من خلال المؤسسات الإعلامية والثقافية والدينية (كالأزهر في مصر والمؤسسة الدينية الديناصورية في السعودية). كما أن المرأة ذاتها في مجتمعاتنا بحاجة لإعادة التأهيل بعد أن صيرتها الثقافة الذكورية الآسنة المعروبة في مجتمعاتنا من أهم مروجي هذا الثقافة الظلامية والرجعية والمضادة للتقدم والمعادية للتمدن والإنسانية.فما أكثر ما نجد نساء في واقعنا يدافعن عن أوضاعهن الراهنة والتي هي أدني لوضعية الإماء والجواري في العصور الوسطي ويتحدثن عن التكريم (!!!) الذي يحظين به في ظل المنظومة الحالية والتي تقع فيها مكانة النساء في نقطة وسط بين مكانة الرجل العربي ومكانة ممتلكاتة الأخري من جماد وحيوان.
يقول نزار قباني في ديوانه العبقري##يوميات امرأة لا مبالية##: (ثوري…أحبك أن تثوري…ثوري علي شرق التكايا والبغايا والبخور…ثوري علي شرق يراك وليمة فوق السرير!!!)…وهذا البعد من الوضع الراهن للمرأة العربية والذي يشبه وضع الأقنان الذين يدافعون عن مزايا وسجايا نظام الرق هو نتيجة طبيعية لعربدة الثقافة الذكورية التي أوصلت المرأة المصلوبة علي صليب تلك الثقافة للتغني بمزاياها والحديث عن مكرماتها…