##ترك شركات إنتاج السيارات تنهار ليس خيارا قائما## كان هذا هو المبدأ الحاكم في المناقشات التي أجراها الكونجرس الأسبوع الماضي لبحث إمكانية مساعدة شركات السيارات المتعثرة , وإنقاذها من الانهيار , الأمر الذي يعني الكثير من الآثار السلبية للاقتصاد الذي لايزال يعيش حالة ركود كبيرة تهدد مستقبله.
فبعد أن قدمت ثلاثة من كبري شركات إنتاج السيارات في الولايات المتحدة – وهم شركة فورد وشركة جنرال موتورز وشركة كرايسلر – خططهم المقترحة لإعادة الهيكلة وإصلاح أوضاعها , شهدت لجان الكونجرس مناقشات حادة حول خطة الحوافز المقدمة لهذه الشركات , وقد كان المديرون التنفيذيون لهذه الشركات خضعوا للمجموعة من جلسات الاستماع داخل لجان الكونجرس المختصة لشرح وجهات نظرهم حول الأزمة التي تمر بها هذه الشركات التي يديرونها , وتوضيح النقاط التي احتوتها الخطط التي قدموها. وبات أمام أعضاء الكونجرس عدد من الأسئلة تدور حول مدي إمكانية تقديم هذا الدعم لهذه الشركات؟ وكيف ستستخدم هذه الشركات أموال دافعي الضرائب؟ وما الإجراءات التي ستتخذها هذه من أجل إعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه قبل الأزمة؟
لا دعم بدون شفافية ومحاسبة
ففي برنامج (واجه الأمة) الذي يقدمه بوب شيفر علي شبكة CBS تم إجراء مقابلة مع رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي والمستشار الاقتصادي للرئيس المنتخب باراك أوباما أوستن جوزبي , وعن إمكانية أن يسمح القائمون علي الاقتصاد الأمريكي بترك هذه الشركات _ التي تمثل أحد أهم الصناعات الحيوية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي _ تنهار بإعلان إفلاسها , أكد جوزبي أن السؤال لا يطرح بهذه الطريقة , وإنما ما وجهة النظر في التشريع المعروض للنقاش أمام الكونجرس حول خطة الدعم المقترح تقديمها لهذه الشركات؟ ولفت الانتباه إلي أن الشركات عندما تواجهها صعوبات أيا كان نوعها فإنها تعمل علي حلها من خلال إدخال مجموعة من الإصلاحات من قبيل إعادة الهيكلة واتباع خطط جديدة لتسيير العمل داخلها , ولكن عمليات إعادة الهيكلة والإصلاح هذه دائما ما تكون في حاجة إلي تمويل كبير , وبما أن الأسواق المالية الآن تمر بأزمة كبيرة فإن هناك خطرا أن تتحول عملية الهيكلة هذه إلي مجرد عملية تسييل لأصول هذه الشركات , وعملية التسييل هذه بدورها تمثل خطورة كبيرة علي الاقتصاد الأمريكي , ولا يمكن في ظل حالة الركود الكبيرة التي يمر بها الاقتصاد ترك هذه الشركات تنهار دون مد يد العون لها , فمثل هذا الإجراء سوف يؤدي إلي إبطال أي مفعول لأية خطة حوافز قد يقرها الكونجرس لإنقاذ الاقتصاد في الفترة القادمة , ومن ثم أكد جوزبي أن الحكومة لن تسمح بذلك أن يحدث فقط من أجل مصلحة الاقتصاد نفسه , ولكي تقوم الحكومة بهذا الدور, لابد لهذه الشركات من دور في هذه العملية , من خلال تقديم خططها لإعادة ترتيب أوضاعها والنهوض من عثرتها.
أما رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي فقد أكدت أن الكونجرس طلب من رؤساء شركات صناعة السيارات التي طالبت من الكونجرس التدخل لإنقاذها من الانهيار أن يقدموا خطط تفصيلية عن الكيفية التي سوف يستخدموا بها هذه الأموال التي سيخصصها الكونجرس لهم , وأشارت إلي أن مبدأ المحاسبة سيكون الأساس الذي يعتمد عليه الكونجرس في التعامل مع هذه الشركات , وإقرار ما إذا كانت تستحق الدعم أم لا؟
ولكن بيلوسي أكدت في نفس الوقت أن عدم مساعدة هذه الشركات ليس خيارا قائما , ولكن يهدف الكونجرس من هذا الإجراء ماذا ماذا سيحدث في المستقبل؟ وكيف سيتم توفيق أوضاع هذه الشركات حتي لا تنهار؟ وكيف ستنفق أموال دافعي الضرائب؟
من جانبه أشار شيفر إلي بعض الأرقام التي توضح حجم الدخول السنوية للمديرين التنفيذيين لكبري شركات صناعة السيارات في الولايات المتحدة , فمدير شركة تويوتا يمثل دخله السنوي حوالي مليون دولار , أما مدير شركة فورد يصل دخله السنوي 21.7 مليون دولار , هذا في الوقت التي خسرت فيه الشركة أكثر من سبعة مليارات دولار , أما المدير التنفيذي لشركة جنرال موتورز فيحصل علي 15.7 مليون دولار سنويا , في حين خسرت الشركة هذا العام 15.9 مليار دولار , وتعقيبا علي هذه البيانات لفتت بيلوسي الانتباه إلي أن الكونجرس يريد هذه الخطط ومعرفة أين ستذهب أموال دافعي الضرائب؟ ولماذا يحصل هؤلاء المديرين علي هذه المبالغ الطائلة بالرغم من عدم نجاحهم في إدارة شركاتهم وتحقيق هذه الشركات لخسائر كبيرة , ومن ثم يريد قادة وأعضاء الكونجرس أن يكون كل شئ يجري في مدينة ديترويت_ مركز صناعة السيارات في الولايات المتحدة – تحت السيطرة , وخاضع لكافة أنواع الرقابة , التي ستعمل علي منع أي إهدار أو استنزاف لهذه الأموال في غير الأهداف المبتغية منها.
خطط للخروج من الأزمة
أما شبكة راديو NPR فقد أعدت تقريرا عن الخطط التي قدمتها كل من شركة فورد وشركة جنرال موتورز وشركة كرايسلر حول الكيفية التي سوف يعتمدوا عليها في إعادة توفيق أوضاع شركاتهم , في محاولة منهم لإقناع الكونجرس بالتصويت لصالح حزمة من برامج الدعم التي ستقدم لهذه الشركات لتنفيذ خطط الإصلاح وإعادة الهيكلة. وأكد التقرير أن الكونجرس من خلال لجانه المختصة سوف يقوم بمراجعة وتقييم هذه الخطط المقدمة كل واحدة منها علي حدة , لإقرار ما إذا كانت أحدها أو كلها في حاجة فعلية إلي هذا الدعم وإلي أي مدي سوف تنجح في استغلاله من أجل عدم تعرضها للانهيار والإفلاس.
في تناوله لتفاصيل هذه الخطط لفت التقرير الانتباه إلي أن الخطط الثلاث وعدت دافعي الضرائب الأمريكيين بمزيد من المزايا والفوائد التي ستعود عليهم حال استطاعت هذه الشركات الخروج من أزمتها الحالية , وطرحت هذه الخطط أن مديريها سوف يعملون بأجر رمزي يصل إلي دولار واحد فقط سنويا. وأكدت الخطة التي قدمتها شركة فورد أنها سوف تقوم بإلغاء كافة الحوافز والزيادة المقدمة للعاملين فيها في عام 2009 فضلا عن إلغاء الزيادات التي كانت مقررة لمرتبات العاملين في مصانعها , كما أكد المدير التنفيذي للشركة أن شركته سوف تتعاون مع اتحاد العاملين في صناعة السيارات من أجل تقليل النفقات والتحول إلي إنتاج السيارات التي تعمل بالكهرباء.
بالرغم من هذه التنازلات التي قدمتها الشركات الثلاث , إلا أن الوضع في الكونجرس – كما يشير التقرير – ليس مطمئن بالنسبة لها , فبالرغم من إدراك المشرعين مدي الآثار الضارة التي يمكن أن تلحق بالاقتصاد إذا انهارت هذه الشركات الكبري , إلا أنه لاتزال هناك الكثير من المساومات والشد الجذب , وفي هذا السياق أكد السيناتور الديموقراطي كريس دود_ رئيس لجنة البنوك في مجلس الشيوخ- علي أن هذه الشركات يجب أن تقنع أعضاء الكونجرس بأنها قادرة علي الخروج من أزمتها الحالية من خلال تغيير طريقة العمل داخلها , الأمر الذي يضمن لها النجاح في نهاية الأمر.
صناعة السيارات: نحو إعادة الهيكلة وتوفيق الأوضاع
وعلي شبكة CNN قدم برنامج CNN NEWSROOM قدم ألي فيلشي المراسل الاقتصادي للشبكة – تقريرا تناول فيه عدد من النقاط أهمها كانت الحالة المالية المتدهورة التي هي عليها الشركات الثلاث , مما دفعها إلي طلب دعم إضافي من الكونجرس يقدر بحوالي 25 مليار دولار , فمن ناحية أولي أكد فيلشي أن شركة فورد هي أفضل الشركات حالا من الناحية المالية , وأكد مديرها التنفيذي أن المبلغ الذي طلبته الشركة – والذي يقدر بـ 9 مليارات دولار – لن تستخدمه الشركة في الوقت الحالي إلا إذا طرأت ظروف جديدة سيئة.
وأشار فيلشي إلي أن فورد وعدت بالقيام بالعديد من التطويرات والتحسينات في خطوط إنتاج السيارات التي تنفذها , منها علي سبيل المثال التركيز علي إنتاج السيارات صغيرة ومتوسطة الحجم في محاولة منها لوقف اعتمادها علي إنتاج الشاحنات الضخمة , أيضا ستعمل الشركة علي تحسين كفاءة الوقود المستخدم في سياراتها , وأنها في هذا الإطار سوف تخصص 14 مليار دولار من أجل تطوير هذه التكنولوجيا الجديدة , فضلا عن اتجاه إدارة الشركة إلي بيع الطائرات الخمس الخاصة التي تمتلكها.
أما بالنسبة لشركة جنرال موتورز فأكد فيلشي أنها من أكثر الشركات التي تعاني من مشاكل مالية , وبالنظر إلي الظروف الحالية من أزمة مالية تمر بها الشركة , إلي عدم قدرة الأفراد علي شراء سيارات جديدة , فضلا عن حالة الركود التي يعيشها الاقتصاد , مما يزيد من موقف الشركة سوءا , وبالتالي فهي مهددة بأن تفقد كل ما لديها من سيولة مالية خلال الأشهر القادمة , ومن ثم فهي أكثر مؤسسات صناعة السيارات في حاجة إلي الدعم حتي لا تنهار الشركة بإعلان إفلاسها.
أما شركة كرايسلر فمنذ أن أصبحت شركة خاصة بعد أن اشترتها شركة دايلمر ليس هناك الكثير المعروف عنها , ومن المعروف أن النشاط الأساسي للشركة يرتكز علي صناعة السيارات والشاحنات الكبيرة , وإنتاجها يقع في المرتبة الأولي في هذا المجال , إلا أن فيلشي أكد أن هذا النشاط لا يكفي وحده لاستمرار الشركة وحصولها علي الدعم الذي طلبته.
تقرير واشنطن