يحتل الكتاب والمعلقون والمحللون السياسيون الذين يمكن أيضا تسميتهم بالإعلاميين مكانة مؤثرة في تشكيل الرأي العام ولاسيما في الدول غير مكتملة النظام الديموقراطي حيث في الغالب يعزف نسبة كبيرة من مواطنيها عن الاشتراك في العمل السياسي والحزبي بالإضافة إلي ضعف مؤسسات مجتمعها المدني . وقد تعاظم تأثيرهم باشتراكهم في البرامج الإخبارية والحوارية في القنوات التليفزيونية التي ازدادت أعدادها سواء أرضيا أو فضائيا حيث أصبح لهم جمهور من المشاهدين يفوق كثيرا جمهور قرائهم الذين هم في الأصل محدودي العدد نتيجة لأمية القراءة والأمية الثقافية وعدم القدرة المالية لقطاع عريض من المواطنين علي اقتناء صحيفة كل يوم .
وفي تقديري أنه ما زالت الصحف في مصر لا تؤثر بشكل ملموس في تكوين الرأي العام حيث الغلبة في ذلك لدورالعبادة وبنسبة أقل للقنوات التليفزيونية التي نتيجة لازدياد القنوات الإخبارية وزيادة مساحة المواد الإخبارية في القنوات العامة الأخري زاد الاهتمام من هذه القنوات علي استضافة الكتاب والمعلقين والمحللين السياسيين الذين كانوا في بداية حياتهم المهنية كتابا .
وكنتيجة لعدم احتلال وسائل الإعلام سواء المقروءة أو المرئية المرتبة الأولي في تكوين الرأي العام تخلي عدد كبير من الكتاب/ الإعلاميين سواء رغبة منهم في مزيد من الشهرة والنجومية والتي تتيح لهم بدورها مزيدا من الحضور الإعلامي وسايروا اتجاه الرأي العام بدلا من التمسك بدورهم كموجهين له من المفترض أن تبني تحليلاتهم وتعليقاتهم علي أصول مهنية وعلمية وحقائق إن لم تكن متيسرة حتي تكون كاملة فعلي الأقل شبه مؤكدة , ويظهر هذا جليا عند تعرضهم لأزمة من الأزمات التي تمر بها الدولة أو المجتمع واذا أخذنا مثالا لتوضيح ذلك فلن نجد أوضح من الأحداث الطائفية التي تحدث في مصر من وقت لآخر لنري كيف يتناولها الكتاب/ الإعلاميون. وبمتابعة عدد كبير من التعليقات والتحليلات علي آخر ما حدث في مدينة إسنا يمكن تصنيفهم إلي أربع فئات:
الفئة الأولي : هي الفئة المنكرة حيث لا تصف ما حدث علي أنه طائفي وتحاول أن تثبت وتستشهد تاريخيا بالعلاقات المتينة والمودة والعيش المشترك , كما أنها تحاول تحميل التاريخ فوق ما يحتمل مقدمة تاريخا مصريا ناصع البياض ولكنه في حقيقته غير حقيقي.
وتتمادي مجموعة من هذه الفئة بوصف المسيحيين في مصر بأنهم أسعد أقلية دينية في العالم مع خلطها للأوراق وتصوير نجاح بعض المصريين المسيحيين اقتصاديا علي أن المصريين المسيحيين ينالون أكثر مما يستحقون وتمادي أحدهم فقال إن المسيحيين في مصر رفعوا رأسهم أكثر من اللازم.
الفئة الثانية : هي فئة المبرراتية, ورغم أنها لا تنكر حدوث الحدث الا أنها تحاول التهوين منه وتبسيطه وعرض أن هذا يحدث في كل دول العالم بل يحدث ما هو أشد قسوة منه , وهروبا منها من عرض الأسباب الحقيقية للحدث فإنها تحيل الموضوع إلي الضغوط الاقتصادية والبطالة ولا مانع من إلقاء السبب علي أمريكا وإسرائيل وأقباط المهجر ومنهم من يلقيها بالإضافة إلي السابقين علي قيادة الكنيسة.
الفئة الثالثة : هي الفئة الصامتة وكأن ما حدث لا يعنيها ولا تري أنه مؤثر علي الأوضاع واستقرار وأمن مصرفلا تتعرض له من قريب أو من بعيد.
الفئة الرابعة : وهي للأسف فئة قليلة العدد ولكنها هي التي تصف بصدق ما حدث وتحلله التحليل الكامل وترجعه لأسبابه الحقيقية وتقترح الحلول له سواء حلولا تشريعية أو قانونية أو مجتمعية تتعلق بأوجه نشاط مختلفة كالإعلام والتعليم… إلخ.
ومحاولة في تحليل تأثير كل فئة من هذه الفئات علي الرأي العام نجد أن الفئة الأولي هي فئة ذات أيديولوجية معينة صلب بناها الفكري ينكر الحقوق المتساوية والمواطنة الكاملة للمصريين المسيحيين وتخاطب من لهم نفس الأيديولوجية وتحاول تسويق أفكارها محليا وإقليميا وعالميا وإن كانت خطيرة إلا أن خطرها محدود لسهولة تصنيفها ووضوح موقفها.
ولذا فإن الفئة الثانية هي الأخطر حيث يمكن تسويق آرائها ليس فقط باقتناع قطاع بها ولكن لقيام هذا القطاع بالترويج لهذه الآراء وبالتالي إغفال الأسباب الحقيقية للحدث وعدم التعرض لها وبالتالي بقاء الحال علي ما هو عليه وهي بهذا تنال رضي الفئة الأولي ورضي السلطة أيضا.
أما الفئة الثالثة فهي إما لم تحسم موقفها بعد أو لدي معتنقيها تخوف شخصي من أن تأخذ موقف الفئة الرابعة.
وبذا تظل الفئة الرابعة رغم قلتها هي الشمعة المضيئة التي رغم محدوديتها تنير ظلمة التعتيم وأصحابها هم الجديرون بالتحية والاحترام.
فيا عزيزي القارئ لا أنصحك ولكني أرجوك عندما تقرأ أو تشاهد حاول أن تصنف الرأي الذي تتلقاه حتي تحدد مدي استجابتك له بالقبول أو الرفض.
لواء مهندس بالقوات المسلحة سابقا
[email protected]