استطاع ببراعته وإبداعه أن يجول أخشاب الأشجار إليبالتة ألوانمعبرا بها عن مشاعر وأحاسيس ومواقف درامية خلقت من أعماله مدرسة متفردة وصل بها إلي مرتبة الدكتواره,وجاء معرضه الخامس بعنوانرؤية خشبية للجدارية القبطيةوموضوعه آلام السيد المسيحالذي يعتبر أحد المراحل لنيل درجة الأستاذية.إنه الدكتور إلهامي صباح أمين,خريج كلية التربية الفنية سنة1990 بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف,وتم تعيينه في الكلية,وحصل علي الماجستير سنة1996 وعلي الدكتوراه سنة2000 وترقي إلي أستاذ مساعد سنة2006.
التقتوطنيمعه أثناء معرضه الذي أقيم بكلية التربية الفنية بالزمالك ودار الحوار علي النحو التالي:
*ما الجذور التاريخية التي ينتمي إليها اتجاهك الفني؟
**تركيزي في استخدام الخشب هو الاتجاه التعبيري في مفهومه وليس كمدرسة تعبيرية أي التعبير عن موقف درامي أو إحساس معين أو وجود مضمون ما حول موضوع العمل يصل إلي المتلقي من خلال أدوات هذه المدرسة,والأخشاب البلدية هي في الأصل أخشاب فرعونية,فهم أول من استخدموها,كخشب التوت والزيتون,وكانوا يتباركوا بها,قمت بالعمل من خلال هذه الأخشاب فيما يسمي بشغل التطعيم في مرحلة الماجستير والدكتوراه واستشعرت أن بها قيمة تعبيرية عالية لما بها مجموعة من ألوان ثرية جدا, فالأشجار عموما الموجودة في وجه بحري تختلف في درجاتها اللونية عن الموجودة في وجه قبلي,فكلما كان المناخ حارا كان اللون أغمق وكلما كانت التربة جيدة كانت الألياف أكثر,مما ممكنني من تحويل هذه الأخشاب إلي بالتة ألوان طبيعية,واستطعت إبراز جماليات الخامة من خلال التشكيل والموضوع والدراما.
*هل تأثر اتجاهك الجديد بأسلوب الفن القبطي؟
**تأثر أسلوبي بالفن الفرعوني وبالتحديد في أسلوب تجميع الخشب,فالفنان المصري القديم كان يستخدم قطع العاج والخامات النفيسة. والمدرسة الفنية التي أتبناها هي كيفية توظيف الخشب كي ما يعطيني قيم تعبيرية,وهو ما كان ليس موجودا من قبل,فكان الخشب في الحقبة القبطية والإسلامية هو البعد عن التمثيل,وتحول لأسهل شئ وهو الشغل الهندسي,مثل حشوات ظهر فيها رموز الصليب وعناقيد العنب والرموز الإسلامية,ولكنني حولت الخشب بقيمه الجمالية إلي أنبوبة لون,يمكن الرسم والتعبير من خلاله بالأسلوب القبطي أو الفرعوني أو التجريدي الحديث أو ما بعد الحداثة…إلخ,وملامح التلاقي بين أسلوبي وبين الفن القبطي هو ارتباطه بالدراما نفسها أو موضوع العملآلام السيد المسيحكاتجاه تعبيري يعرض درامة تشكيلية بعيدا عن الرمزية المستخدمة في الفن القبطي,أو التفاصيل الدينية فيصل الموضوع القبطي للمتلقي بشكل جمالي غير مباشر.
*هل ينتمي أسلوبك إلي فن النحت؟وكيف تنعكس القيم الجمالية في أعمالك؟
**أسلوبي ينتمي إلي فن أشغال الخشب,وهناك فرق كبير بين فن النحت وأعمال الخشب,فأعمال النحت يتم صنعها ككتلة واحدة وألياف الخشب تكون في اتجاه واحد وهذا الفرق بينالنحتوأشغال الخشبلأن النحت عبارة عن قطعة خشب ونقوم بنحتها أو عرض قيمة تشكيلية من خلال النحت,أما ما أقوم به فهو عرض قيمة تشكيلية تعبيرية من خلال الخامة بغض النظر عن الموضوع,وتنعكس القيم الجمالية للخامة من خلال استخدام أدوات النجارة المختلفة مثل المبرد وحجر الجلخ وأدوات الحفر,لتتجمع الكتل التشكيلية معبرة عن الموضوع,وهذا فضلا عن الالتزام بفنيات النجارة لإعطاء العمل المتانة والصلابة المطلوبة.
*كيف قمت بإعداد خامات هذا المعرض؟
**تم اختيار موضوع المعرض عندراما آلام المسيحوهي عبارة عن لقطات جدارية من رحلة الآلام من أول المحاكمة حتي مرحلة الصعود,وتم التعامل مع كتل الأخشاب بعد عملية التجهيز المبدئية وتحويلها إلي شرائح سمك الشريحة1.5سم,ثم عولجت بمواد كيميائية شفافة حتي تقاوم التشقق,ثم مرحلة التحليل المدروسة من خلال كتب تشريح الجسم,وتقسيم التصميم إلي أجزاء وتحديد اتجاهات كل جزء,ثم تجميع قطع الخشب من خلال اختيار الخامات المناسبة من حيث اللون واتجاه الألياف الذي يمثل القلم المشير لاتجاه الحركة داخل العمل كحركة الشعر والجلباب وثنياته,ولا يتم التدخل لونيا ولا جماليا في الخشب,بل يتم توظيف جماليات وألوان الخشب الطبيعية في العمل الفني.
*ما أكثر المعوقات التي واجهتها أثناء عمل هذا المعرض؟
**واجهتني معوقات في مجموعة لوحات بهذا المعرض وتعتبرجدارية دق المسمارعلي يد السيد المسيح من أصعب اللوحات في تحليلها,لأني كنت أريد استمرارية عنصر الدراما فاخترت وجه الجندي الروماني الذي يدق المسمار من خشب الليمون,به عرق مسود,وقمت بتشكيل ملامح الشخص الذي لديه الإحساس بالقوة والعنف والقسوة وعدم الرحمة فانعكست جماليات الخامة وتشكيلها علي وجهه,واختيار الرداء كان من خشب الكافور الفاتح باعتباره شخصية مختلفة عن الشخصية الرئيسية في العمل ككل,أما شخصية الجندي الروماني الأخري فتم اختيار الخشب الداكن والوجه الشاحب لإعطاء الإحساس بالقوة والتمكن من قدم المسيح حتي يقدر دق المسمار بدون أي حركة منه.
والأقوي من هذا هو تحليل شخصية المسيح في هذه الجدارية وكيف تحولت من الخامات المستخدمة إلي عضلات وضلوع وبطن مشدودة ومقاومة مع الألم مع ارتخاء العضلات بشكل إرادي وغير إرادي فتظهر كل التضادات,وهذا كان محير جدا مما دفعني للاستعانة بكتب التشريح لدراسة مجموعة تقسيمة عضلات البطن وشكل القفص الصدري تشريحيا….فالاعتماد الأساسي هنا علي عنصر التحليل حتي في الأصابع,فنجد أن كل إصبع مكون من جزء والأظافر مشكل بأدوات حفر رفيعة جدا…فالتحليل بشكل مدروس عنصر مهم من عناصر نجاح العمل ومساعد في عملية التشكيل,والقيمة التعبيرية هنا كانت في الخامة التي قمت بتوظيفها,فالمعطيات الجمالية في الخامة هي التي أبرزت لي القيمة التعبيرية في الموضوع.
وفيجدارية المحاكمة وكيفية إظهار الدراما في الموقف وهو مسحوب من الجنود في حالة وهن وخلفه مكان المحاكمة والشدة والقسوة في ألوان السديري الذي يرتديه الجند من خشب الفيكس ذو التعاريق المسودة,ورداء السيد المسيح الأرجواني المميز من خشب الكافور بدرجاته اللونية المختلفة باعتباره الشخصية الرئيسية في الموضوع والجلباب من أخشاب الصنت ذات اللون الفاتح,وتاج الشوك علي الرأس فيجدارية الصلبوالذي صمم علي أجزاء تظهر التاج وأجزاء أخري تظهر الرأس فقمت بعمله بشكل تجريدي من خلال ثلاث طبقات مختلفة ما بين اللون الفاتح والغامق كقيمة فكانت تعبيرية,نجد طبقة تظهر الشوك وأخري تظهر الشعر,أما تعبيرات الوجوه فكانت بسيطة,واكتفيت بالمبالغة في التشكيل,حتي الخلفيات كانت من القشرة البسيطة,حتي لا تحدث تشويش,بحيث تقوم بتجميع الأنظار,نحو العمل وموضوعه للتأمل فيه.
فيجدارية السيد المسيحوهو يحمل خشبة الصليب ويسقط به نجد إحساس الثقل في الدراما,فنجد شخص يقع والآخر يحاول أن يسنده,إنه إحساس الحركة الظاهر بتشابك الأيادي,وهنا نلمس التنوع والمبالغة من خلال تنويع ألوان الخشب وتوزيع الكسرات فجميع الأشخاص ما عدا السيد المسيح يرتدون جلبات مصنع من خشب الصنت بدرجاته اللونية المختلفة,والرداء الذي يعلو الجلباب من خشب التوت فنجد في الجزء الواحد من العمل به أكثر من قطعة خشبية تجسد خطوط مختلفة مع اتجاهات الألياف المختلفة طولية وعرضية كما نجد هذا في رداء يوسف الرامي,وهو يسند السيد المسيح وقد احتاجت هذه الجدارية نحو600قطعة من الخشب المجمع.
استوقفتني كثيراجدارية الدفنلما بها من كمية تعاريج كثيرة التي تبرز مرحلة الدفن واستخدام لون مختلف لرداء الكفن لأنه لم يستخدم إلا مرة واحدة مع مستويات مختلفة من الإيحاء بالحركة.فنجد شخص يحمل الجسد وآخر يرفع من جهة أخري لوضعه في القبر بما في ذلك إحساس بالاستسلام من جهة الميت ومقاومة من جهة الذين يحملونه ذلك من أحاسيس الألم والحزن وشدة التعب والإرهاق علي الوجوه ويوظف تنوع اللون وامتداد الألياف والمبالغة في ثنايا الملابس تعبيرا عن الموقف.وهنا نجد المعطيات الجمالية للأخشاب تظهر القيمة التعبيرية في الموضوع.