ماحدث في كنيسة السيدة العذراء بإمبابة مساء ليلة الأحد 8مايو الماضي حرق الكنيسة وكان يمكن أن يحرق مصر كلها…ولكن السيدة العذراء الي تجلت فوق سماء إمبابة في ديسمبر 2009 أنقذت كنيستها التي ارتفعت فيها القداسات الإلهية يوميا علي امتداد اثنين وأربعين عاما…حتي عندما امتدت الأيدي الآثمة تشعل ألسنة اللهب في مذبح الرب وهيكله المقدس خمدت النيران وبعد ساعات معدودة أقيم فوق الرماد القداس الإلهي ولم تتوقف القداسات في الكنيسة التي تحمل اسم والدة الإله يوما واحدا إلي أن أعيد ترميمها ولبست ثوبها الجديد…هكذا قال لنا القمص صرابامون عبده كاهن الكنيسة وهو يحكي لنا قصة الكنيسة التي صارت مزارا شاهدا بوعد الربأبواب الجحيم لن تقوي عليها…الأكثر غرابة-ولاغرابة في تدابير الرب- أن اختيار أبونا صرابامون للكهنوت والخدمة في هذه الكنيسة له قصة ينسج خيوطها عمل الله, التقطناها وهو يحدثنا عن تاريخ الكنيسة التي أنقذتها يد الرب.
**البداية تعود إلي عام1955 كان قد مضي علي ثورة يوليو ثلاث سنوات فقط, وكانت الثورة قد أعدت تحقيقا للعدالة الاجتماعية ثلاثة مشروعات لبناء مساكن جديدة بإيجارات محدودة, ومن بين هذه المشروعات الثلاثة كانت مدينة التحرير بإمبابة…أقيمت المساكن برسومات خاصة أشبه إليفيلا من دورين في مساحات محدودة-100متر- استأجر إحداها المرحوم سعد إبراهيم ومجموعة من الخدام وأقاموا فيهاجمعية السيدة العذراء الخيرية القبطية الأرثوذكسية للخدمة الروحية والاجتماعية لإسكان المدينة الجديدة…ولم يكن يدور بفكرهم في ذاك الوقت أن تتحول الجمعية ذات يوم إلي كنيسة…ولكن تدبير الرب كان يسبق تدبيرهم.
**عندما أنشئت الجمعية عام1955 كان الصبيصرابامون عبده-12عاما-يشب في طاعة الرب بحصة مليج مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية, ويواظب علي القداسات بكنيسة قريته- كنيسة الأنبا صرابامون الأسقف والشهيد- ويتعلم الألحان واللغة القبطية علي يدمعلم الكنيسة يسطس مسيحة…وكان محبا للرب نشطا في خدمة الكنيسة, ولهذا صدر في سبتمبر 1965 قرار بنقله من مديرية القوي العاملة بالمنوفية إلي وزارة القوي العاملة بالقاهرة لنشاطه الديني…وكان الرب يعده لخدمة أكبر وهو لايدري…ففي القاهرة أقام في سكن متواضع بالقرب من المستشفي الإيطالي بالعباسية, وبدأ يتردد علي الكاتدرائية المرقسية بالأنبا رويس…ويواظب علي حضور اجتماعات البابا شنودة الثالث- أسقف التعليم وقتئذ -والمتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي, وتعمق في الروحانيات والتحق بالقسم المسائي بالكلية الإكليريكية…وخلال دراسته بالكلية الإكليريكية تعرف علي زملاء أفاضل بالكلية ومعهد الدراسات القبطية منهم الدكتور إبراهيم سدراك-نيافة الأنبا إبراهام مطران القدس حاليا- والذي كان أمينا للخدمة في أكثر من30 فرعا للتربية الكنسية بضواحي الجيزة, ودعاه إلي إلقاء عظات في النهضات الروحية والاجتماعات بجمعية السيدة العذراء بإمبابة..ومن يومها ارتبط بالجمعية..وفكر أعضاء الجمعية في إقامة كنيسة, وذهب معهم لنيافة الأنبا دوماديوس مطران الجيزة لعرض الأمر وتصادف أن كان أبونا صليب سوريال حاضرا-وكان أستاذه بالكلية الإكليريكية-وعندما طلب نيافة الأنبا دوماديوس اختيار كاهن قبل البدء في إنشاء الكنيسة أشار الأب صليب إليه…وخلال أيام اختار له الرب شريكة حياته, وكانت الرسامة في 9فبراير 1969, وكانت أول جمعة في الصوم المقدس…بعد أن قضي أربعين يوما بدير القديس أبي سيفين بطموه استلم الذبيحة المقدسة بكاتدرائية مارجرجس بالجيزة(المطرانية) بيد أبيه المتنيح أبونا صليب سوريال.
**مازال القمص صرابامون عبده يذكر هذا اليوم بتعاليمه الروحية ويقول: كان تكليفي بعدها للخدمة في هذا المكان المقدس- جمعية العذراء بإمبابة- بدون كنيسة قائمة..فكانت خدمتي قاصرة علي الاجتماعات وافتقاد العائلات, وكانوا في هذا الوقت حوالي 220أسرة تجاوزوا الآن أكثر من ألف أسرة…وبعد أيام معدودة طلبت من الأنبا دوماديوس أواني لإقامة قداس في حديقة الجمعية- كان ذلك يوم جمعة ختام الصوم 4أبريل 1969 ومن يومها بدأت يد الله تعمل لبناء الكنيسة.
**كانت أول خطوة شراء البيت في 3أغسطس 1969 وتم إدخال تعديلات لإقامة القداسات والخدمة الروحية إلي أن صدر القرار الجمهوري 1117لسنة 1973, ولضيق المساحة ألهم الرب الدكتور المهندس النابغة ميشيل باخوم بوضع تصميم غريب, ففي الدور الأول أقيممذبح مارجرجس والدور الثانيمذبح العذراء لكنيسة واحدة من ثلاثة أدوار في صورة مدرج…أما الدور الأخير فقد أقيم فيه مؤخرا- منذ3 سنوات-كنيسة السمائيين وهي التي لم تمتد إليها ألسنة النيران وحفظها الله لتقام فيها الصلوات يوما طوال فترة التجديد, وأقيم أول قداس بمذبح مارجرجس برئاسة نيافة الأنبا دوماديوس في66 فبراير 1977, ومضت الأيام واتسعت الخدمة وسيم للكنيسة القمص متياس إلياس في مارس 1981, والقس يعقوب سليمان, والقس دوماديوس القمص صرابامون الذي يخدم حاليا في أمريكا, والقس زخارياس عريان.
**ينتقل بنا القمص صرابامون عبده في حديثه عن الخدمة والأيام التي قضاها في التحفظ ومابعدها…فيقول: أراد الأنبا دومادويوس بحكمته أن يحتفل بعودتي من التحفظ إلي الخدمة بحفل روحي فقام بتدشين الكنيسة في4فبراير 1984..وعن هذا اليوم قال لنا أبونا صرابامون. كانت ليلة روحانية ارتفعت بنا كلنا إلي الحياة السماوية وشركة وحضور القديسين.
**يصل بنا القمص صرابامون في حديثه إلي يوم الاعتداء علي الكنيسة فقال إنه كان في هذا اليوم بالكنيسة من الخامسة صباحا, أقام صلاة باكر والقداس الإلهي, وعاد في الثالثة بعد الظهر إلي ما بعد التاسعة مساء في اجتماعات روحية, ودرس للكتاب المقدس واعترافات ومقابلات, وبعدها انصرف إلي بيته وبعد ساعتين هاجموا الكنيسة…الأكثر أنهم حاصروا منزله الذي يبعد عن الكنيسة بنحو 200 متر, وظل حتي خيوط الصباح في حماية جيرانه المسلمين, وبعد أن سيطرت القوات المسلحة علي الموقف استطاع في الخامسة صباحا أن يذهب إلي الكنيسة.
**يقول القمص صرابامون: كنت واثقا من عمل الرب وعندما وصلت إلي الكنيسة كان كل شئ مدمرا, وأعانني الرب أن اقف وسط أولادي وبناتي نبحث عن الأواني والكتب وملابس الكهنة والخدمة…وأخرجنا من وسط الرماد ما استطعنا, وأحضرت ترابيزة ووضعت عليهاالحمل وبدأنا القداس الإلهي في الحادية عشرة صباحا واستمر حتي الثالثة بعد الظهر واختبرنا قوله معه أنا في الضيق أنقذه وأمجده وأريه خلاصي كان قداسا معزيا…كانت قلوبنا جميعا مرفوعة إلي رب المجد ورائحة البخور مخلوطة برائحة الرماد…وعندما وصلنا إلي ختام صلاة الساعة التاسعة كانت صورة السيدة العذراء أمام عيوننا جميعا والكلمات تنطق عندما نظرت الوالدة الحمل والراعي مخلص العالم علي الصليب معلقا قالت وهي باكية, أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص وأنا أحشائي فتلتهب عند نظري إلي صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي..ولم أخش علي بقايا الكنيسة وهي تهتز من هدير صوت المصلين يرددون بقوة قلوبهم (كيرياليسون) يارب ارحم…يارب ارحم..بعدما تمجد الرب وأعلن كرامة اسمه في بيته المقدس الذي له, وبدأ المسئولون تحركاتهم لترميم الكنيسة واحتفل بعد 28 يوما من حرقها بإعادة افتتاحها..الأعظم أن الصلاة لم تتوقف يوما واحدا..والقداسات كانت ترتفع للسماء, وحضور المسيح فينا وفي كنيسته يمسح دموعنا ويشفي جراحنا ويفرح قلوبنالايقدر أحد أن ينزع فرحكم منكم.