من الأغاني القريبة إلي قلبي أغنية نجاة: ”وبعتنا مع الطير المسافر جواب وعتاب” من ألحان أخي بليغ حمدي إنها أغنية من القلب موجهة إلي أبناء مصر وبناتها الذين هاجروا واستقروا في بلاد غير مصر. تذكرت هذه الأغنية التي أجد نفسي أرددها دائما وأنا أقرأ كتابا صدر أخيرا للدكتورة ليلي فريد بعنوان: ”الروح مصرية,لمحات لمصرية مهاجرة”,والمؤلفة تعيش في بريطانيا منذ سنوات عديدة حيث تعمل في تخصص فحص الخلايا للكشف المبكر عن السرطان
ويحتوي هذا الكتاب علي مقالات نشرت في جرائد وطني الدولي والقاهرة والعديد من الجرائد الإلكترونية في الفترة بين عامي2001 إلي.2007 عنوان الكتاب يعكس مدي ارتباط الكاتبة ـ ولاشك غيرها من المهاجرين ـ بمصر, فمهما طالت الإقامة في الخارج,فالروح ستبقي دائما مصرية. يحتوي الكتاب علي اثنين وخمسين مقالا, وتقول الكاتبة في الإهداء: ”إلي الأحباء في مصر, الباقين والراحلين, وإلي الأصدقاء الذين جمعت بيننا وحشة الغربة وهموم الوطن”.
إن كل مقال في الكتاب يعكس فعلا وحشة الغربة وفي نفس الوقت يبين أنه مهما بعدت المسافات وطالت الغيبة فإن المصري المهاجر يشارك في هموم مصر, في أفراحها وأحزانها. وقد استطاعت الدكتورة ليلي فريد أن تعبر عن هذه الأحاسيس بأسلوب يجمع بين دقة العلم وجمال الأدب.
يبدأ الكتاب بمقالات ستة عن نجيب محفوظ,بدءا بتهنئته بعيد ميلاده التسعين,ثم الواحد والتسعين والثاني بعد التسعين,وتصل بنا في النهاية بمقال بعنوان: ” لست وحدك” وفيه وداع لكاتبنا الكبير فتقول: ”برحيل هذا الإنسان النادر المثال, وبما يمثله من معان تسربت وضاعت, شعرنا أن نهايات الخطوط التي كانت تصلنا بمصر كما عرفناها واحببناها قد تهتكت. مع كل زيارة لأرض الوطن يزداد شعورنا بالاغتراب. لم يعد الوطن هو الوطن ولا الناس هم الناس… ولكن كما أن وجود الأهرامات كان يشعرنا بشئ من الأمان… بأننا لم نخطئ المكان.. بأننا لانزال في أرض أجدادنا العظام, كذلك فإن وجود محفوظ كان يطمئننا علي أن شخصية المصري الأصيل ـ عصارة الحضارات وخلاصتها ـ لم تنطمر وتندثر تماما. برحيل محفوظ فقدت دنيانا رمزا من أجمل رموزها”.
وتخصص الكاتبة قسما بعنوان: ”وداعا للراحلين” يسترجع عطر الأحباب, بتعبير يحيي حقي, الذين خلفوا برحيلهم عالما أقل جمالا وثراء. ومن بين هؤلاء كتبت د. ليلي عن الأخ والصديق الراحل حسني جندي بعنوان: ”حسني جندي… برحيله تتكشف عوالم انسانية رائعة”, وكما يقول جورج بهجوري في الرسم الذي يبدأ به المقال : ”برحيلك يفقد العالم رجلا يصلح لكل العصور”. إن د. ليلي تكتب عنه وكأنها عاشت معنا في الأهرام ويكلي التي أنشأها ورأس تحريرها حسني جندي. كم كنت أود أن أنشر مقالها بأكمله ولكن أختار بعض ما جاء فيه:” رحل إنسان اسمه حسني جندي, فانسكبت عند موته مشاعر جارفة لاشك في صدقها وأصالتها, فتحت أعيننا علي نقاط مضيئة في الحياة حسبنا أنها قد ذهبت بلا رجعة… فروض ومسلمات كثيرة ارتضيناها كقدر لا مفر منه, فهي السائدة ولها الغلبة, وفجأة تكتشف أن بذرة الخير والقيم الإنسانية الرفيعة مازالت هناك.. مطمورة في مكان ما وزمان ما”.
وتخصص الكاتبة بعد ذلك اقساما تعالج موضوعات مختلفة, مثل عودة الشباب الغربي إلي الدين وثورة المسيحية في بريطانيا علي الغبن, وعطاء الاغنياء لأعمال البر, ثم تعالج هموم الوطن, وأخيرا استعراض لبعض الكتب والأعمال الفنية المثيرة للجدل, مثل ”رحلة المسيحية من جبل آثوس في اليونان الي الواحات الخارجة في مصر”, وعن أعمال الفنان التشكيلي جورج البهجوري وغيرها, مما يعكس الثقافة الواسعة والعميقة للمؤلفة التي تجمع بين أرفع ما في العلم وأجمل ما في الأدب.
الأهرام 15 ديسمبر 2007