في ندوة عقدت مؤخرا ذكر الدكتور عمرو الشوبكي,الباحث الاجتماعي المتميز,أنه في لقاء له مع بعض الأعضاء البارزين في الإ خوان المسلمين حول ما عرف ببرنامج حزب الإخوان والذي ثار حوله كثير من الجدل,أن أمين عام الجماعة ذكر أن رئيس الدولة يجب أن يكون مسلما,ليس فقط بسبب تكليف ديني عليه القيام بهإمامة المسلمين في الصلاة مثلاولكن لأنه يتعين عليه أن يدعو كل رئيس دولة يزوره إلي الإسلام.بالطبع لف الاستغراب المشاركين في النقاش ,ولم يعد ممكنا سوي تبادل الردود الجادة الرافضة لمثل هذه الأطروحات.
القضية شائكة كيف يمكن لجماعة سياسية أن تعيد فهم العلاقات الدولية وفق نموذج الدولة الإسلامية الأولي والدولة البيزنطية, فقد عفا الزمن عن مفاهيم من قبيل دار الإسلام,ودار الحرب.لم تعد هناك دول خالصة للمسلمين,وأخري لأعدائهم .المجتمعات اليوم تشهد ظواهر بشرية معقدة,أحد أهم ملامحهاالتعدديةفي أوربا نفسها معقل المسيحية تاريخيا-أصبح الإسلام هو الدين الثاني بعدالمسيحية وهناك أتباع له بالملايين في مختلف العواصم الأوربية.وعندما اندلعت مشكلة البوسنة والهرسك ,التي تقطنها أغلبية ساحقة من المسلمين كانت قوات حلف شمال الأطلنطيالناتوتهاجم بضراوة نظام الرئيس سلوبودان مليسوفيتش في بلجراد,رغم أن صربيا تنتمي إلي العالم المسيحي الأرثوذكسي .وفي الصومال ثم في دارفور يتقاتل البشر حول السلطة والثروة رغم أنهم جميعا من المسلمين ,وينتمون إلي المذهب السني وتاريخيا فإن الحربين العالميتين الأولي والثانية لم تقما بسبب الدين,ولكنهما اندلعتا بين أحلاف لم يكن للدين أي دور في تشكيلهما أو تحديد هويتها.
العالم لاينقسم دينيا,لكنه ينقسم سياسيا,واقتصاديا,وثقافيا هناك دول شمال تزداد غني,ودول جنوب تزداد فقرا وبين هؤلاء وأولئك يختفي تأثير الاختلاف الديني.بالتأكيد لايوجد مايجمع ماليزيا والصومال,رغم أن كلتيهما دولتان مسلمتان,ولكن الهوة الاقتصادية الكبيرة بينهما تجعل اللقاء والتشارك في المصالح يكاد يكون معدوما مصالح ماليزيا الحقيقية مع الغرب ,وليست مع الصومال ,وبالمنطق ذاته فإ ن الصين التي تصدر سلعا تجارية ذات طبيعة دينية توزع في المناسبات ,إسلامية ومسيحية,لا يؤمن غالبية سكانها بأي من الديانتين وبالنسبة لدولة مثل السودان أصبحت الصين حليفا قويا,ربما أكثر قوة من تركيا أو أندونيسيا رغم أن الغالبية العظمي من سكان الدولتين من المسلمين.
المصالح حاضرة في حياة المجتمعات ,والعلاقات الدولية تحكمها المصلحة أكثر من أي اعتبار آخر.من هنا فإن الحديث عن إسلامية المناصبلا معني له في دولة حديثة وقد تنبه عدد من المفكرين الإسلاميين إلي ذلك-منذ فترة مبكرة-من بينهم الدكتور محمد سليم العوا والمستشار طارق البشري ,حين ذهبا
إلي أن المناصب في الدولة الحديثة لادين لها,أي شخص كفء يتولي المنصب طالما أنه سوف يحقق الصالح العام للمجتمع,ويلتزم بالمصالح العليا للبلاد .لم يعد موجودا في المجتمع الحديث ظاهرةالدولة صاحبة الرسالة الدينيةولكن الدولة التي تسعي وراء مصالح شعوبها .ورغم ذلك ستظل المشكلة في من يسعي إلي ممارسة كل شيء تحت لافتة دينية.