مشروع القانون الجديد بشأن حظر التظاهر في دور العبادة مهم, يعالج شقا في الموضوع, ويتجاهل شقا آخر. بالتأكيد أماكن العبادة ليست للتظاهر, فهي لها قدسية وحرمة خاصة يجب مراعاتها والحفاظ عليها.لامعني أن يذهب شخص للصلاة ثم يحول مكان العبادة إلي ساحة للتظاهر لا يحدث هذا في أعتي الدول الديموقراطية.لكن السؤال الأساسي هو : أين يذهب المتظاهرون؟
في الدول الديموقراطية لا يتظاهر الناس في دور العبادة لأنهم يجدون أماكن أخري يتظاهرون فيها ,يعبرون عن آرائهم, ولا يشعرون بأن حقهم في التظاهر مقيد .الحالة في مصر مختلفة الأحزاب والقوي السياسية ــ دون استثناء ــ لا تجد سبيلا للتظاهر إلا في أضيق الحدود.وعندما أراد الحزب الوطني أن ينظم مظاهرة ضد الحرب الأنجلو أمريكية في العراق عام 2003 لم يجد مكانا متاحا سوي إستاد القاهرة .بالطبع تغير الوضع في الأعوام الثلاثة الأخيرة مع نشوء العديد من الحركات الاحتجاجية ,ونموذجها الأشهر كفاية التي اختارت النزول إلي الشارع مباشرة للتعبير عن موقفها وآرائها.وعلي إثر ذلك بدأت العديد من القوي الاجتماعية والجماعات المهنية تلجأ إلي التظاهر والاعتصام دفاعا عن مصالحها,من أشهرها إضراب عمال المحلة الكبري واعتصام موظفي الضرائب العقارية .ولم يجد أصحاب محلات بيع الدواجن أفضل من التظاهر للتعبير عن غضبهم إزاء إغلاق محلاتهم في أعقاب شيوع مرض أنفلونزا الطيور.
في أحيان كثيرة لم تلجأ الدولة إلي سياسة العصي الغليظة أي عساكر الأمن المركزي لفض التظاهرات والاعتصامات بل علي العكس كان هناك نوع من التفهم لمطالب المتظاهرين واحتياجهم للتعبير عنها.ربما لأن هذه القوي المهنية لم تطرح قضايا سياسية مجردة بل كانت مطالبهم اجتماعية اقتصادية محددة واضحة ,يمكن التفاوض بشأنها والوصول إلي مساحة اتفاق.لم يكن الحال كذلك في كل الأحيان بل كان هناك نوع من التصادم بالحركات السياسية التي تطرح شعارات عريضة تمس شكل النظام وجوهره.
هناك من يقول إن الإفراط في التظاهر في بلد مزدحم يتأثر إيقاعه بسهولة إذا ارتبكت حركة المرور فيه يؤدي إلي تعطيل مصالح المواطنين هذه بالطبع معضلة .لكن ما المانع في تنفيذ الاقتراح الذي قدمه ــ من قبل ــ الكاتب صلاح عيسي بشأن إنشاء هايد بارك مصرية تعادل تلك الحديقة الإنجليزية الشهيرة يذهب إليها كل متظاهر في أي وقت يريد يعبر فيها عما يشاء دون الحاجة إلي ترخيص أو موافقة من أية جهة بالتأكيد هذا ليس حلا للموضوع لكنه يظل أحد وسائل تفريغ شحنة الغضب عن كثيرين ممن يرغبون في التظاهر.
نعود إلي المشكلة الأصلية وهي تنظيم حق التظاهر, الذي تنص عليه كل الاتفاقات والمواثيق الدولية التي وقعتها مصر, ومن قبلها الدستور المصري.مشروع القانون المقترح يحظر التظاهر في دور العبادة, لكنه لا ينظم ممارسة هذا الحق في أماكن أخري.ما تحتاج إليه مصر في هذه اللحظة من تطورها السياسي هو قانون ينظم حق التظاهر عموما, يحدد شروطه ومساراته ويحظر ممارسته في أماكن معينة من بينها دور العبادة. هنا ستبطل كل حجة ولن يشعر المعارضون بأن مشروع القانون الجديد يستهدفهم بصورة مباشرة.