لن تنهزم حماس في غزة, والسبب أن معايير ##الفوز## و##الهزيمة## غير واضحة, بل شديدة الاضطراب في الذهنية العربية. في المؤتمر الصحفي الذي أعقب اجتماع وزراء الخارجية العرب أجاب الأمير سعود الفيصل- وزير الخارجية السعودي- عن سؤال إحدي المراسلات الصحفيات حول انتصار حزب الله في الحرب علي لبنان عام 2006م, بالقول: ##إذا كان تدمير الكيان اللبناني يعد انتصارا فإنه لابد أن يكون هناك شيء خطأ##. نعم هناك أشياء كثيرة خطأ. لم تعد هناك حروب عربية-إسرائيلية يمكن أن يخرج فيها طرف فائز وطرف مهزوم. فقد غابت الجيوش النظامية عن الساحة, وحلت محلها المليشيات المسلحة, وهو ما يجعل من أمر الفوز والهزيمة نسبيا. تدمير الكيان اللبناني, وإعادة احتلال الجنوب اللبناني بواسطة قوات دولية متعددة الجنسيات عام 2006 يعد في رأي المحللين ##هزيمة## لحزب الله, ولكن في رأي الأصوات العربية والقومية في المنطقة ##انتصار## محقق, وعلامة الانتصار هو الصمود اللبناني. الحالة نفسها تتكرر في غزة. إسرائيل أظهرت وحشية عسكرية غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي, دمرت خلاله البنية الأساسية لقطاع غزة, الذي يفتقر إلي الموارد, ويعاني من كثافة سكانية, ويمزقه الفقر والحاجة. ورغم ذلك, فإن هناك من يطلع علينا بالقول بأن حماس انتصرت. والسبب هو الصمود أمام الضربات العسكرية, وبعض القتلي والجرحي من الجنود الإسرائيليين, والمظاهرات الحاشدة المنددة بالحرب من البرازيل والفلبين مرورا بأوربا وآسيا وانتهاء بالعواصم العربية, وتل أبيب نفسها. وأخيرا فإن علامة النصر المبين لحركة حماس يتمثل في أنها لا تزال طرفا في المعادلة السياسية. فهي قائمة, والجهود التي تبذل من أجل استعادة التهدئة أو الهدنة, تأخذ في اعتبارها الاتفاق مع حركة حماس, والفصائل الفلسطينية المسلحة الأخري.
العدوان الإسرائيلي الشرس- في التحليل الأخير- لم يفد سوي ##حماس## والقوي الرافضة للسلام في المنطقة لأسباب عديدة. أهمها أنه أظهر أن الحكومات العربية منقسمة, ضعيفة, غير قادرة علي الدفاع عن موقفها, تتصرف بمنطق رد الفعل لما تقوم به الحركات الإسلامية المسلحة, ولا تأخذها الأطراف الدولية الفاعلة علي محمل الجد, لأنها لا تستطيع أن تسيطر علي المشهد, وتقتنصه من الحركات المسلحة. هذا هو ما تراهن عليه حماس, حتي لو دمرت غزة عن آخرها, فستظل قائمة, تتفاوض علي أنقاضها, وخراب أهلها.