كتب الأستاذ مجدي خليل مؤخرا مقالة بعنوان : (( هل تتحقق نبوءات صامويل هنتنجتون بعد رحيله؟)), شخصيا أحرص باستمرار علي قراءة مقالات الأستاذ مجدي, والأستاذ العفيف الاخضر لما تحويه كتاباتهما من وعي نقدي تنويري رائع, وفي مناقشتي هذه أرجو ألا ينظر لي أنني انطلق باعتباري مسلما يدافع عن دينه, وإنما هي مناقشة معرفية محضة, فأنا تجاوزت في قناعاتي الدينية الانتماء إلي المسميات وتوجهت مباشرة إلي الله تعالي وحده بعيدا عن سجن المسميات الدينية والطائفية.
أتفق تماما بنسبة 99% مع أطروحات هنتنجتون التي عرضها الأستاذ مجدي, بل عندي من المشاكل والاعتراضات والنقد لسلوك المسلمين و الفكر الديني من فقه وتفسير وعقائد… أكثر بكثير من هذه الأطروحات, ولكني أتساءل :
هل الإسلام هو عنصر مؤسس للعنف والإرهاب ورفض الآخر والتعايش مع الحضارات الأخري وفق مبدأ الأخوة الإنسانية بين البشر.. أم أن السبب هو التخلف النفسي والعقلي ؟
اللجوء إلي المقارنة هنا مفيد لتوضيح الأمور, فلو قارنا الواقع الحضاري للشعوب الأفريقية غير المسلمة, وشعوب قارة أمريكا اللاتينية غير المسلمة, وايضا الحضارة البوذية وحتي قسم من أوربا… سنجد انها هي الأخري أفرزت العنف والإرهاب والقتل.
- فالحضارة البوذية المسالمة الوديعة, خرج منها المجرم الوحشي هولاكو الذي فتك بالبشرية, وكذلك خرجت منها اليابان بنزوعها العسكري الاستعماري لغاية الحرب العالمية الثانية.
- والشعوب الأفريقية غير المسلمة.. يوجد فيها عنف وجرائم وبشاعات لدرجة أن بعض القبائل تلجأ الي أكل لحوم البشر.
- ونفس الكلام بالنسبة لدول أمريكا اللاتينية غير المسلمة التي تعاني من مختلف أنواع العنف وجرائم المافيات والمخدرات وتجارة الرقيق الأبيض.
- وفي قسم كبير من أوربا خرجت الأحزاب الشيوعية وعاشت قرابة 70 عاما بكل ماتحمله من عنف وتسلط وديكتاتورية وهمجية.
- وفي ألمانيا وإيطاليا معقل التنوير وموطن الحداثة خرجت النازية والفاشية.
أما في المجتمعات العربية الإسلامية فلم يكن العنف والإرهاب ومشاعر الكراهية للحضارة الغربية محصورا لدي المسلمين المتدينين فقط, وإنما شاركت أيضا قطاعات كبيرة من أبناء هذه المجتمعات من الشيوعيين الملحدين والقوميين العلمانيين, مما يعني أن العنصر المؤسس والمحرض علي العنف والكراهية والإرهاب ومعادات الحضارة الغربية ليس الإسلام, وإنما التخلف النفسي والعقلي الذي يتعامل مع الدين والأفكار والأيديولوجيات والآخر المختلف والحضارات الأخري… فالمسلم المتوازن نفسيا والمتنور فكريا حينما يتعامل مع النص الديني بإمكانه أن يحاكمه نقديا وفق معيارالعقل والمنطق ومباديء العدالة وحقوق الإنسان وغيرها.
والمسلم المتنور بإمكانه أن يكون مؤمنا وفي نفس الوقت يلجأ إلي تحييد الآيات القرآنية التي تتكلم عن السيف والقتل, وملك اليمن وسبي النساء… ويعتبرها آيات نزلت في ظرف تاريخي محدد وانتهي أمرها.
طبعا لاينكر إن من يريد أن يوظف الإسلام في التحريض علي الإرهاب والقتل وتدمير الحضارة الغربية, بل وتدمير المسلم لنفسه ولمجتمعه مثلما يحصل الآن في : إيران وأفغانستان والعراق والسودان ولبنان وفلسطين وغيرها, فمن يريد التوظيف والنهل والاقتباس والاستناد… سيجد ما يرمي إليه للممارسة الإرهاب والإجرام في النص الديني والفكر الديني البشري الذي أنتجه رجال الدين, فالمشكلة أساسا تتعلق بالجانب النفسي والعقلي للمسلم وكيفية نظرته وفهمه وإدراكه للدين ولمجمل شئون الوجود, شخصيا أري أن سبب تخلف المجتمعات الشرقية عموما المسلمة وغير المسلمة يعود إلي خلل بنيوي متأصل فيها ليس له علاقة بنقص التعليم والثقافة والاحتكاك بالمجتمعات المتحضرة, وما علينا سوي انتظار تقدم علم الجينات لعله يقدم لنا علاجا لهذه المعضلة.
كاتب عراقي مقيم بأمريكا
[email protected]