نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية تحليلا لرد الفعل العربى والمصرى تجاه الإضطرابات التى وقعت فى إيران عقب الإعلان عن نتائج الإنتخابات الرئاسية هناك، والتى اعترض خلالها الإصلاحيون والشباب على فوز الرئيس أحمد نجاد بالمنصب على حساب منافسه الإصلاحى مير حسين موسوى، وأشارت الجريدة إلى أن العرب – شعوبا وحكومات – تفاعلوا مع الأزمة الإيرانية بمشاعر متباينة، فمنهم من أعجب بالعرض الذى أظهره الإيرانيون فى هز عرش النظام هناك، وبعضهم يخشى ازدواجية المعايير الغربية فى التعامل والتدخل بهذه القضية، لكن رغم كل ذلك فالجميع يتأملون ويدرسون تداعيات الصدامات التى تحدث الآن فى إيران.
أوضحت “الجارديان” أن العرب وهم يشاهدون الموجة الخضراء للإصلاحيين الإيرانيين عقدوا المقارنات بين وضعهم فى الداخل مع حكوماتهم وأنظمتهم وبين ما يحدث فى إيران، وذكرت الصحيفة البريطانية أنه بالرغم من أن إيران تعد دولة “ثيوقراطية” تعتمد على الحكم الدينى إلا أنها تظل أكثر ديموقراطية من أى دولة عربية – بإستثناء لبنان والكويت – وقالت إن مصر على سبيل المثال على الرغم مما تمثله من ثقل وتأثير فى المنطقة إلا أن الوضع بها أصعب فأصوات المعارضين للإنتخابات البرلمانية والرئاسية الماضية سرعان مع تم اسكاتها على أيدى قوات الأمن، كما أن هذه الأصوات لم تلق اهتماما كبيرا من وسائل الإعلام الغربية.
وتقول سارة خورشيد – صحفية – إن تقارير وسائل الإعلام الدولية عن أى صدامات تحدث فى مصر تعد خفيفة ومحدودة، وتكون فقط عبارة عن قصاصة صغيرة تكون متداولة فى القسم الخاص بتغطية أنباء الشرق الأوسط على موقعى “بى بى سى” و ” سى إن إن”.
ووفقا لتقرير “الجارديان” فإن الأمر الأساسى الذى يحدد علاقة معظم الحكومات العربية – وكذلك إسرائيل- بإيران هو البرنامج النووى الذى تنفذه طهران، وتأثير الأزمة الدائرة حاليا على تبعات هذا الملف، فبقراءة تحليلية لما يحدث على أرض الواقع يتضح أن الموقف المتشدد للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية أية الله على خامنئى يأتى كإنعكاس لعدم الإستجابة لليد الممدودة من الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وحذرت الجريدة من إمكانية خطورة استخدام ورقة الملف النووى فى الأزمة الدائرة الآن، واشارت إلى أن الأنظمة الإستبدادية تكون أكثر خطورة ومغامرة عندما يتهدد بقاؤها على قيد الحياة، ويعلم قادتها أنه لا يوجد لديهم ما يخسرونه.
وعرضت الصحيفة البريطانية المواقف الرسمية لتعامل بعض الدول والأنظمة العربية بشكل حذر مع هذه الأزمة وذكرت أنه فى دولة الإمارات العربية المتحدة قامت السلطات هناك بالتحرك السريع وأغلقت صحيفة نشرت مقالا عن القمع فى إيران، وفى إمارة دبى التى تضم جالية إيرانية ضخمة تم منع المظاهرات هناك حول تداعيات ما يحدث فى إيران.
وفى البحرين – التى تحكمها عائلة ملكية سنية وتضم غالبية شيعية من السكان – هناك خشية من هيمنة أو اختراق إيرانى محتمل، لذلك لقى فوز الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد إشادة حارة هناك، وبحسب ما ذكره الكاتب قاسم حسين فى جريدة الوسط البحرينية، فإن نجاد إذا تم ترشيحه فى مواجهة رئيس أى دولة عربية فإن نتيجة التصويت ستكون لصالحه!
وفى المملكة العربية السعودية – التى تقود المعسكر المحافظ فى العالم العربى – فبدا هناك صمت غريب تجاه التطورات التى تحدث فى إيران، كما توجد خشية من إن تقع إضطرابات فى المنطقة الشرقية للمملكة والتى توجد بها نسبة كبيرة من الشيعة وتنتج النفط كما أن لها تاريخ طويل من النفوذ الإيرانى.
على الجانب الآخر ذكرت “الجارديان” أن هناك من يؤيد النظام الإيرانى وتحديدا فى سوريا التى يتزعمها الرئيس بشار الأسد – الفائز فى استفتاء للرئاسة جرى منذ عامين وحقق 97%- وأيضا من حزب الله الذى وصف زعيمه حسن نصر الله انتصار نجاد بأنه يمثل أملا كبيرا لكل المجاهدين والحركات المقاومة التى تحارب ضد قوى القمع والإحتلال.
وحول هذه النقطة تحديدا تقول الصحيفة البريطانية أن هناك انقسام أيديولوجى واضح فى طهران بسبب سياسات النظام الإيرانى وحلفائه فى المنطقة، فالإيرانيون اصبحوا يتحدثون الىن بشجاعة عن إهدار المال العام للبلاد فى دعم حزب الله فى لبنان وحركة حماس فى قطاع غزة، وخاصة أن الأخيرة تنفق الأموال الإيرانية فى محاربة حركة فتح الفلسطينية!!
وفى نهاية تقريرها أشارت ” الجارديان” إلى أن كثيرين فى المنطقة العربية يعتقدون أن هناك دروسا من الثورة الإيرانية الخضراء يمكن أن تكون مفيدة للحركات المعارضة الأخرى فى المنطقة خاصة فى ظل إستخدام وسائل تكنولوجية وإعلامية جديدة مثل مواقع “يوتيوب” و “فيس بوك” و”تويتر” والرسائل القصيرة “SMS “. وأوضحت الصحيفة أن الأزمة الإيرانية – وحتى وإن كانت نتائجها تبدو غير مقنعة إلى الأن – قد بدأت تغذى الأفكار فى المنطقة، وأصبح العرب لايشعرون بالإرتياح من رؤية الإيرانيين يواجهون نظامهم الديكتاتورى مرتين خلال 30 عاما، فى الوقت الذى يبدون هم صامتين وأكثر وداعة مع أنظمة سياسية غير ديموقراطية تعامل مواطنيها كما لو كانوا غافلين، وتستخدم كافة أشكال التعسف من أجل الإحكام بالسلطة.