مهرجان القاهرة السينمائي الدولي هو النافذة التي نطل منها علي بعض ما تنتجه أستديوهات العالم من أفلام. وكالعادة هناك أخطاء التنظيم المتكررة, وفقدان المهرجان لـرونقه الأمر الذي أصبح ملموسا لكل مريديه وذلك لوجود العديد من قنوات الأفلام ومواقع الإنترنت التي تعرض الأفلام الحديثة مما أفقده الكثير من جماهيره – المضحك أن هناك أفلام عرضت في هذه الدورة تم عرضها في دورات سابقة!! منها: الفيلمان المكسيكيان بداية ونهاية وزقاق المدق. والفيلم الهولندي الجنة الآن وغيرهم الكثير!! الأمر الذي يجعلنا ندق ناقوس الخطر حول مستقبل المهرجان ونؤكد أهمية وضع خطة لإنقاذه لكي يستعيد رواده ودوره التثقيفي المهم, وإلا سوف يتحول إلي مجرد مناسبة احتفالية تمر مرور الكرام.
كانت هذه مقدمة لابد منها, قبل أن نتعرض لبعض أفلام الدورة الـ34 التي اختتمت فعالياتها مساء الخميس الماضي, وقد تم إهداء هذه الدورة إلي أمينة رزق ومحمود المليجي بمناسبة الذكري المئوية لميلادهما.
وافتتح المهرجان بالفيلم الإنجليزي عام آخر للمخرج مايك لي, ويرصد الفيلم في إطار إنساني العديد من متناقضات الحياة من حب ودفء وفرح وحزن وأمل ويأس وفي النهاية يمر الزمن.
الأب والغريب
أما عن أهم الأفلام الشائكة بهذه الدورة, فهناك الفيلم الإيطالي الأب والغريب من إخراج ريكي توجنازي ويكشف هذا الفيلم عن حالة القلق الأوربي لفهم شخصية الإنسان العربي المعاصر من خلال شخصية وليد العلمي السوري الأصل, المقيم في إيطاليا الذي يقوم بدوره الفنان المصري عمرو واكد, الذي يلتقي مع دييجو ماريني – الممثل الإيطالي أليساندروا جاسمان الموظف في الحكومة الإيطالية الذي ولد له طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة مما يستدعي أن يذهب لعلاجه في إحدي المصحات وهناك يلتقي وليد الذي يرعي طفله هو الآخر في نفس المستشفي. دييجو كان ينفر من ابنه ويتعامل معه علي أنه خطأ بيولوجي ولكن وليد يستطيع من خلال مخزونه الروحي الشرقي أن يغير نظرة ومعاملة دييجو لابنه وتنشأ بينهما صداقة.. هذا هو الجانب الواضح في شخصية ذلك العربي ولكن باقي جوانب شخصيته تعمد السيناريو أن تكون غامضة, فلا نعرف ما علاقته بالإرهاب, ولماذا تقوم المخابرات الإيطالية بمحاولة تجنيد دييجو لكي يكون جاسوسا علي وليد.. إن الفيلم يتعمد حالة الغموض التي تشير إلي تصورات الأوربيون عن العرب والإرهاب وتجارة السلاح والمخدرات.. كما يتعمد طرح أسئلة كثيرة بلا إجابات: مثل هل العربي هو اللغز الذي تجري وراؤه المخابرات الأوربية لمعرفة ما الذي يفكر فيه, وما الذي يحلم به, وما الذي يسعده ويشقيه؟, وما أساس علاقته بالحضارة الغربية وهويته الضائعة؟ لقد سد وليد الكثير من الثغرات في شخصية صديقه الإيطالي.. ولكنه صنع الكثير من الثغرات علي المستوي العام!
قدم عمرو واكد دوره بإجادة تثبت أنه يسير بخطي واثقة نحو العالمية.
اسأل قلبك
يقودنا الفيلم التركي اسأل قلبك إخراج يوسف كورسينلي إلي تذكر بعض مشاهد فيلم حسن ومرقس فنحن أمام حالة حب لمختلفي الأديان. تدور أحداث فيلم اسأل قلبك في إحدي القري التي تقع علي البحر الأسود في القرن التاسع عشر حيث لا يتمكن المسيحيون من التمسك بدياناتهم ولا دفع الجزية, لذلك يعتنقون الإسلام في الظاهر في حين أنهم يقدمون كنائس تحت المنازل, ومن هذه الخلفية نجد شخصية مصطفي الذي يقع في حب جارته.. وتكشف الأحداث أن مصطفي مسيحي أرثوذكسي والفتاة مسلمة فلا يمكن أن يتزوجا, وعندما يصر علي الزواج تهدد أمه أن تحرق نفسها إن فعل ذلك حتي لا تقوم القرية عليهما, لكن ينتهي الفيلم بمأساة حيث تحرق الفتاة نفسها, الفيلم جرئ, والمهرجان يستحق التحية لعرضه في مسابقته الرسمية.
لم أكن هناك
فيلم وكأنني لم أكن هناك إنتاج أيرلندي – مقدوني – سويدي مشترك ومن إخراج جوانيتا ويلسون, يسرد الفيلم قصة امرأة شابة من سراييفو تحطمت حياتها في اليوم الذي دخل فيه جندي شاب منزلها حيث يقودها إلي معسكر يقع علي حدود البوسنة لتدخل في صراع كبير بين احترامها لنفسها وإذلالها النفسي والجسدي من الجنود, ورغم المأساة تنتصر لنفسها وتخرج من هذا المعسكر في حالة أفضل.
الشوق
هو الفيلم الذي يمثل مصر في المسابقة الرسمية للمهرجان, ومشاهدته تؤكد مشكلة كل دورة وهي البحث عن أي فيلم يمثل مصر والسلام!. الشوق من إخراج خالد الحجر الذي يدخل إلي عالم العشوائيات في رصد سوداوي لمنطقة عشوائية بالإسكندرية من خلال أسرة شوق لنجد مآسي الفقر والكبت والقهر بكل معانيه من خلال سيناريو مفكك أنقذته الممثلة المبدعة سوسن بدر التي تتعذب كثيرا لإصابة طفلها بالفشل الكلوي الذي يموت لعدم توفر مستشفيات للغسيل الكلوي الذي يحتاجه ولفقرها وعدم قدرتها علي إلحاقه بمستشفي خاص. وهكذا تتراوح الأشواق بين الأحلام الشرسة والهشة في نفس الوقت – كالجار الذي يحلم بتليفزيون ألوان بدلا من التليفزيون أبيض وأسود – هذا الفيلم يحسب بالكامل لـسوسن بدر حيث جاء أداء روبي وأختها كوكي فاترا.
الباب
الباب فيلم يمثل مصر في مسابقة الأفلام الديجيتال, وهو فيلم عجيب من كل النواحي, فالمخرج د. محمد عبدالحافظ أخصائي الجهاز الهضمي بالقصر العيني وهو يمسك كاميرا لأول مرة في حياته, وتكلفة الفيلم لم تتجاوز الـ500 جنيه مصري فقط لاغير, والممثلون هم أيضا يمثلون لأول مرة, وهذه التجربة الغريبة والجديرة بالاهتمام والتقدير تحمل رسالة مهمة لكل مبدع يحاول أن يقدم فكرا وتقف الإمكانيات المادية عائقا أمامه, فالفيلم يؤكد أنه يمكن وبأبسط الإمكانيات تقديم عمل فني جيد. قصة الفيلم مستوحاة من النظرة الفلسفية لطرد آدم من الجنة, من خلال قصة شريف الشاب الذي يعاني من زوجة أبيه, وينقذه ابن عمه المهندس حسام حيث يعرض عليه العيش معه في شقته, وفي هذه الشقة يوجد باب غامض يطلب حسام من ابن عمه عدم الاقتراب منه أو فتحه, وهذا الباب يسيطر علي عقل وقلب ووجدان وأحلام وكوابيس شريف الأمر الذي يقوده إلي الطرد من الشقة. ثم قتله لـحسام وتدمير نفسه, وقد ظهرت إمكانيات المخرج في مشاهد الأحلام والكوابيس التي قدمها ببراعة. وطبعا لا يمكن محاسبة ممثلين يقفون أمام الكاميرا لأول مرة, ولكن يؤخذ علي السيناريو وجود مقدمة إنشائية للفيلم تحرق كل أحداثه بلغة الوعظ والخطابة مثل القول إن الفضول هو الخطيئة الأولي للإنسان, وكذلك وجود صوت الراوي بين المشاهد وكأنه يشرح الصورة بكلمات لا لزوم لها, مما يعيق اللغة السينمائية والحالة الجميلة التي يقدمها الفيلم.
ميكرفون
فيلم ميكرفون للمخرج أحمد عبدالله يمثل مصر في مسابقة الأفلام العربية, وفكرته عن الخروج من الذات إلي اكتشاف الآخرين من خلال شخصية خالد – الممثل خالد أبوالنجا – الذي يعود إلي الإسكندرية بعد غياب طويل يحاول العثور علي حبيبته – يسرا اللوزي – التي يجدها تستعد للهجرة خارج مصر, كما تتصدع علاقته مع والده فيجوب شوارع الإسكندرية ليتعرف علي مطرب يغني علي الأرصفة يدخله إلي عالم آخر حيث يجد فتيات يعزفن موسيقي الروك فوق أسطح العمارات وفنانين تشكيليين, ليندمج خالد معهم وتتبدل حياته.
مبدعينا في الخارج
من أهم برامج المهرجان هذه الدورة تكريم مبدعينا في الخارج, حيث تم تكريم المخترع والمنتج فؤاد سعيد الرئيس المشارك لشركة استثمارات عائلة سعيد وهي مجموعة عمرها 60 عاما, في الاستثمار الفني, وقد صنع فؤاد ثورة بفكرة ميني موبايل أو السينما المتنقلة ونال عنها جائزة أكاديمية هوليود السينمائية. كما تم تكريم المنتج والمخرج السينمائي والتليفزيوني الكبير ميلاد بسادة الذي قام بإنتاج وإخراج العديد من العروض التليفزيونية لمدة 20 عاما في أمريكا وكندا وأوربا والشرق الأوسط, وقام بتدريب المخرجين والفنيين في تليفزيونات هذه البلاد, ومن أفلامه البحث عن ديانا الذي نال جوائز من مهرجان مونتريال السينمائي الدولي ودورة مهرجان القاهرة عام 1992, وهو حاليا يقوم بإنتاج وإخراج العديد من البرامج في واشنطن وميرلاند.
كما تم تكريم الممثل المصري العالمي خالد عبدالله الذي قام بدور البطولة في فيلم المتحدة من إخراج بول جرين, كذلك قدم عددا من الأدوار في أفلام اللاعب بالطائرة الورقية والمنطقة الخضراء.
em: [email protected]