فى إطار التواصل الفكرى بين مصر ودول المغرب العربى، وتعميق العلاقات بين المثقفين فى البلدين.. شهدت القاهرة حضوراً ثقافياً للأدب المغربى، حيث تم تنظيم لقاءات أدبية لاتحاد كتاب المغرب- فرع القنيطرة، امتدت إلى الإسكندرية والإسماعيلية والفيوم، ناقشت هذه اللقاءات عدة قضايا:
الحضور الصوفى المصرى فى المغرب، تجربة الستينيات والسبعينيات فى القصة القصيرة المصرية والمغربية، خطوات مغربية على شاطئ النيل، مصر فى الرواية المغربية، السينما المغربية.. البداية والتأسيس، أيضاً قيام معرض لكتاب الطفل المغربى، والذى قدم شرحاً لآليات الكتابة للطفل فى مصر والمغرب، وقراءات قصصية للأطفال بالنوادى والمدارس .
وفى القاهرة كان لنا هذا الحوار مع ادريس الصغير القاص والروائى والمسرحى وعضو اتحاد كتاب المغرب
●● سيطول الحديث عن الأدب المغربى، وإذا كان لابد من الاختصار، أقول بتركيز شديد إن الأدب المغربى -والإبداع منه على وجه الخصوص- موغل فى القدم، والمكتوب منه باللغة العربية يرجع إلى فترة الفتح الإسلامى بالمغرب، وهكذا فالثقافة المغربية على وجه العموم ساهممت فى كل الحقول الفكرية بالخصوص بعد إنشاء جامعة “القرويون” التى تعتبر من أقدم جامعات العالم، فاهتم المغاربة بالأمور الدينية واللغوية، وظن خطأ إنهم أهملوا الجانب الإبداعى، غير أن ذلك لم يكن صحيحاً، إذ ألف الأستاذ “عبدالله كنون” كتاباً مهماً أسماه “النبوغ المغربى” فى الأدب العربى، يثبت فيه أن المغاربة أهتموا كذلك بالجانب الإبداعى من شعر وخطب ومقامات.. إلخ، وحين تعرض المغرب عام 1912 إلى فرض الحماية عليه من طرف الاستعمار الفرنسى أنشأ المستعمرون المدارس يلقنوا فيها اللغة الفرنسية لأبناء البلد، فظهر جيل من الكتاب يكتبون بالفرنسية غير أن معظهم، وبواسطة هذه اللغة نفسها، عبَّروا عن معاناة الشعب المغربى، وما قاساه من ويلات المستعمر. فى نفس الوقت أنشأت الحركة الوطنية مدارس معرَّبة، مما ساعد على خلق جيلاً أخر من الكتاب المغربيين الذين لم يكن لهم من خيار إلا الارتباط بمصر، فكانوا يقرأون كل المجلات التى تصدر فى مصر مثل “الرسالة” للأستاذ أحمد حسن الزيات، وغيرها من المطبوعات التى كانت تحملها السفن من الإسكندرية إلى المغرب فيتلقفها أصحاب المكتبات ويوزعونها فى كل أرجاء المغرب، وهكذا يمكن اعتبار أن ميلاد الأدب المغربى الحديث والمعاصر خارج من جعبة الأدب المصرى، وبحكم الموقع الجغرافى للمغرب كان هذا الأدب ملقحاً بتجربة الأدب العالمى، خصوصاً أن معظم الكتَّاب المغاربة يتقنون على الأقل لغتين: إما العربية والفرنسية أو العربية والإسبانية أو العربية والإنجليزية.
● ما الاتجاهات التى يمثلها الأدب المغربى الحديث والمعاصر؟
●● إذا أردنا أن نتحدث عن الاتجاهات التى يمثلها الأدب المغربى الحديث والمعاصر، فإنه قبل استقلال المغرب عام 1956 كان شغله الشاغل هو الحديث عن قضايا تاريخية وأخلاقية ومكافحة المستعمر الدخيل على البلاد، غير أنه بعد الاستقلال بدأت تظهر فى الأدب المغربى هموم الذات، فلقد رحل المستعمر وبدأت الدولة الوطنية تعانى من مشاكلها مع الفرد الذى انسحق بالواقع السياسى للبلد، هذه التجارب كانت تسير بموازاة مع الأدب المصرى، فالهموم مشتركة والآفاق والطموحات والآمال موحدة، إلى أن وقعت الهزة العنيفة التى عرفناها فى الخامس من يونية عام 1967، هنا تغير كل شئ وأصبح الأديب المغربى كالأديب المصرى يضيق بالأشكال الفنية التقليدية التى لم تعد قادرة على التعبير عن هول ما وقع، فظهر جيل جديد من الكتَّاب أصبح فيه نصه الأدبى غير متفرج على الحدث بل مشاركاً فى صنع الحدث ويحترق بناره، فتلاقحت التجارب حتى أصبحنا لا نميز بين نص مغربى ونص مصرى إلا بأسماء كتَّاب النصوص، فرب حدث يحدث فى إحدى حوارى القاهرة نجد له مماثلاًفى حى من أحياء الرباط، وهكذا يكون كل من الأدب المغربى والأدب المصرى عاشا معاً مسيرة التجريب فى الأشكال الفنية، والظاهر أنهما معاً استوعبا ما يجرى فى العالم فى الحقل الأدبى، وأصبحوا ينتجون إبداعات تجاوزت ما هو قومى إلى ما هو عالمى، وهكذا ترجمت كثير من الأعمال المصرية والمغربية إلى كل لغات العالم الحية.
● كيف يكون هناك توصيف لما يحدث فى الساحة الثقافية بالمغرب اليوم؟
●● إذا أردنا أن نقوم حالياً بعملية توصيف لما يحدث فى الساحة الثقافية نجد أن السمة البارزة هى التراكم الإبداعى، فالمطابع الآن أصبحت تلفظ مئات الكتب فى كل حقول المعرفة والإبداع، مما يجعل متابعتها أمراً صعباً، لهذا يحتاج الحكم عليها إلى المزيد من الوقت لنميز بين الحين والآخر بين الجيد منها والردئ، ولكن على العموم يبقى النص الأدبى أفضل معبر عن واقع الشعوب، ونحن فى اتحاد كتَّاب المغرب –فرع القنيطرة- نزور مصر الحبيبة لنعرف بجزء من أدبنا، ونتعرف على تجارب جديدة فى الأدب المصرى، متخطين كل المسافات وكل ما يمكن أن يفصلنا عن بعضنا، وقد لمسنا فى هذه الزيارة مدى ما تشهده مصر كعادتها من نهضة أدبية سعدنا كثيراً بقراءة نصوص جيدة يكتبها أدباء شباب بطموح كبير للوصول بأدبنا العربى إلى العالمية.
● وماذا عن حركة النشر فى المغرب؟
●● فى البداية لم تكن المطابع المغربية تصدر أعمالاً كثيرة، وكانت حركة النشر بطيئة وضعيفة، فلا يصدر فى السنة إلا العدد القليل من المطبوعات، لأن تكلفة النشر آنذاك كانت عالية، وليست فى مستوى الكتَّاب الذين كانوا فى الأغلب ينتمون إلى الطبقات الدنيا من الشعب المغربى، لكن حركة الطبع ازدادت مع توالى السنوات، وشهدت فى السبعينيات من القرن الماضى على الخصوص ازدهاراً تجلى فى صدور الكثير من الأعمال على نفقة أصحابها، وهى تمثل فى الحقيقة أجود ما نشر فى الأدب المغربى، وقد لجأنا فى تلك الفترة إلى ما يسمى “بالبيع النضالى”، حيث لم نكن نسلم أعمالنا للموزع، لأنه يتقاضى 50% من ثمن الغلاف، وفضلنا التوزيع الشخصى فى المدارس والجامعات والأكشاك والمكتبات، وازدادت الوتيرة فى الثمانينيات والتسعينيات وشيئاً فشيئاً ستصبح عملية الطبع يسيرة، وهو ما نشهده الآن من تطور فى آلات الطباعة، فأصبح بإمكان أى شاب أن يهيئ أعماله فى بيته على قرص مدمج ويسحب كتابه من المطبعة ليوزعه دون عناء، وهو ما خلق هذا التراكم الإبداعى الهام من حيث الكم، ويبقى على الحركة النقدية أن تشتغل عليه لتفرز جيده من رديئه، وتكشف عن متعة النص، وهى التى يبحث عنها القارئ، غير أننى متفائل فى المستقبل، لأن الساحة الثقافية بمفردها كفيلة بأن تفرز الجيد من الردئ، وتعطينا خلاصة لتجربة الأدب المغربى، ومدى مساهمته فى تطوير الحركة الأدبية العربية.
إدريس الصغير
(1948 – 0000)
● قاص وروائى ومسرحى مغربى، عضو اتحاد كتَّاf المغرب.
● وُلد بمدينة القنيطرة فى 21 – مايو– 1948.
● بدأ النشر عام 1966، وبرز اسمه فى المنابر العربية التالية:
المغرب: العَلَم، البيان، المحرر، الميثاق الوطنى، الاتحاد الأشتراكى، أنوال، الاختيار، آفاق، أقلام، الثقافة الجديدة، المدينة، أشكال، خطوة، أوراق، السفير، القَنطرة، المنبر الليبرالى، الموجة.
ليبيا: الفصول الأربعة، الثقافة العربية.
مصر: إبداع.
لبنان: الآداب، المسير الديموقراطى.
سورية: المعرفة، الثورة.
الأردن: أفكار، الرأى، الدستور.
السعودية: الشرق الأوسط، التوباد، اليمامة.
الإمارات: المنتدى.
العراق: الأقلام، آفاق عربية، الطليعة الأدبية، فنون، ألف باء.
فرنسا: المسيرة، الوحدة، النهار العربى والدولى.
بريطانيا: الناقد.
اليونان: الحضارة.
● يعمل حالياً رئيس تحرير جريدة “الغرب” والمقصود بالعنوان: المنطقة الغربية بالمغرب.
الجدير بالذكر أن الأديب إدريس الصغير ساهم فى أنشطة ثقافية داخل المغرب وخارجه، وتحمَّل مسئولية رئاسة فرع اتحاد كتَّاب المغرب بمدينته.
المؤلفات:
1-الكلمات الزرقاء: قصص- دار الخليف- الدار البيضاء- المغرب- عام 1976.
2- الزمن المقيت: رواية- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- لبنان- عام 1983.
3- عن الأطفال والوطن: قصص- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- عام 1985.
4- وجوه مفزعة فى شارع مرعب: قصص- المنشأة العامة للنشر والتوزيع- طرابلس- ليبيا- عام 1985.
5- كونشيرتو النهر العظيم: رواية- دار الشئون الثقافية- بغداد- العراق- عام 1990.
6- أحلام الفراشات الجميلة: مسرحية- المغرب- عام 1995.
7- ميناء الحظ الأخير: رواية- دار الثقافة- المغرب- عام 1995.
8- معالى الوزير: قصص- سلسلة شراع المغرب- عام 1999.
==
س.س
27 نوفمبر 2010