أمريكا علي وشك طي صفحة الأزمة الاقتصادية الحالية. ورغم أن كثيرا من الأميركيين لا يزالون بدون عمل, ويواجهون مصاعب مالية, فإننا اجتزنا الربع الثالث علي التوالي من النمو الإيجابي, الذي يحمل معه بشائر خلق وظائف جديدة. ومع تحسن الاقتصاد تدريجيا سوف نقوم بتصفية ##برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة##, كما سيتحرك الكونجرس نحو تفعيل أقوي إصلاحات اقتصادية تشهدها أميركا منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.
والحقيقة أننا نقوم بإصلاح نظامنا الاقتصادي بتكاليف أقل كثيرا مما كان متوقعا, كما سنعيد مليارات الدولارات التي كانت مخصصة للاستخدام في تمويل ##برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة## للشعب الأميركي, وهو إنجاز نادر الحدوث في واشنطن.
وعموما يمكن القول إن التكاليف الإجمالية لتلك الأزمة سوف تكون مجرد جزء صغير من التكاليف التي كانت مقدرة في الأصل, والتي كنا نخشي ألا نتمكن من توفيرها, بل هي أقل كثيرا من الأموال التي احتجناها من أجل حل أزمة الادخار والقروض في ثمانينيات القرن الماضي.
غير أن التكلفة الحقيقية للأزمة الحالية سوف تقدر بملايين الوظائف المفقودة وتريليونات المدخرات الضائعة, وآلاف المشاريع الفاشلة, وهي تكاليف يقع عبء سدادها للأسف علي كواهل أجيالنا اللاحقة.
ولا يمكن الخروج من الركود الحالي دون إصلاح الأخطاء الأساسية في النظام التي ساعدت أصلا علي خلق ذلك الركود.
ومن حسن الحظ, أن هناك علامات جديدة علي تعاون بين الحزبين الكبيرين في واشنطن حول العديد من الموضوعات الاقتصادية والمالية, بما في ذلك إنشاء وكالة مستقلة للحماية المالية للمستهلك. والواقع أن هذه أنباء مرحب بها, لأن أفضل طريقة لحماية الأسر الأميركية التي تشتري منزلا بنظام الرهن العقاري, أو تحصل علي قرض لشراء سيارة, أو تدخر أموالا لتتمكن من إرسال أبنائها إلي الجامعة عندما يكبرون… هي من خلال إنشاء وكالة مستقلة وقابلة للمساءلة ولديها القدرة علي وضع قواعد وأنظمة واضحة وتفعيلها, ورسم معالم الطريق الذي يمكن انتهاجه في غابة الأسواق المالية.
ومع أن حماية المستهلك والمستثمر أمر حيوي للإصلاح, فإنه يمثل جانبا واحدا فحسب. فعندما يتم طرح مشروع قانون مجلس الشيوخ للتصويت علي الأعضاء لمناقشته, يجب علينا جميعا أن نعمل علي سد الثغرات التي يمكن أن تضعف هذا المشروع, وأن نعمل علي التيقن من أن الحكومة سوف تكون لديها قدرة وسلطة حقيقتان علي المساعدة في إنهاء مشكلة ##أكبر من أن يسقط## (Too Big to Fail).
ولمنع المؤسسات المالية الكبري من تشكيل تهديد للاقتصاد, يمنح مشروع قانون مجلس الشيوخ الحكومة سلطة فرض متطلبات أقوي علي استخدام وتداول رأس المال والسيولة, وذلك عبر الحد من قدرة تلك البنوك علي امتلاك, واستثمار, وضمان صناديق التحوط, وصناديق الاستثمار في الأسهم الخاصة, والحيلولة دون مضاربة المؤسسات المالية التي تتلقي ودائع الجمهور في الأسواق المالية.
ذلك كله يعني أن المؤسسات المالية الكبري, سواء كانت مماثلة لــ##جولدمان ساكس##, و##سيتي جروب##, أو ## آيه آي. جيه##, سوف يكون مطلوبا منها العمل بقدر أقل من الروافع, ومن تحمل المخاطر.
والمسألة المهمة في مشروع قانون مجلس الشيوخ المشار إليه, أنه في الحالات التي تسيء فيها مؤسسة مالية ما إدارة شؤونها, بطريقة قد تؤدي بها إلي الفشل, يمنح ذلك المشروع الحكومة الأميركية سلطة تصفية المشروع دون تعريض دافع الضرائب لمخاطر تحمل تكاليف الخسائر التي قد تنشأ عن ذلك. والمشروع المذكور يتضمن أيضا بنودا تفيد أنه لن يكون هناك مزيد من حالات الإنقاذ المالي وإنما سيكون لدينا نظام أشبه بنظام إعلان الإفلاس والذي يتم بموجبه بيع الأصول المملوكة للشركة المفلسة مع اتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة علي حقوق الدائنين.
هذه الخطوات مهمة, لكنها ليست كافية… فإنهاء وضع ##أكبر من أن يسقط##, يتطلب إلي جانب تلك الخطوات, العمل أيضا علي بناء ماصات للصدمات أكثر صلابة, ثم نشرها عبر كافة أجزاء النظام المالي, بحيث تكون قادرة علي تحمل أي عاصفة قادمة مهما كانت قوتها. لتحقيق ذلك يجب علي مشروع قانون مجلس الشيوخ أن يعمل علي سد كافة الثغرات التي يمكن أن تؤدي إلي انخراط البنوك في أنشطة مشبوهة, والتي تكشف عما يدور في بعض الأسواق الرئيسية مثل سوق المشتقات المالية ووضعه تحت الضوء.
فالشفافية وحدها هي التي يمكن أن تخفض التكاليف التي قد يتكبدها حملة المشتقات المالية; مثل الشركات الصناعية والزراعية, بما يسمح لهذه الشركات بإدارة مخاطرها بدرجة أعلي من الكفاءة.
ومن الدروس الواضحة التي يمكن لنا الخروج بها من الأزمة الحالية, أن أي استراتيجية تراهن علي انضباط السوق وحده, وعلي قدرته علي تعويض القوانين واللوائح الضعيفة, ثم ترك الأمر للحكومة بعد ذلك لتحمل عناء تنظيف المخلفات التي ستنجم عن معاملات أسواق مثل هذه… تمثل وصفة مؤكدة للكارثة.
إن اللحظة الحالية هي لحظة حاسمة للإصلاح المالي المنشود, وهو ما يتطلب منا أن نكون في غاية الحرص علي عمل الأشياء بالطريقة الصحيحة. فنحن لم نعد نستطيع الاعتماد علي حكمة وحسن تقدير المنظمين فقط, ذلك لأنه حتي أذكي الشخصيات المزودة بأحدث الأدوات وأكثرها تقدما, لن تكون قادرة علي كشف كل ضعف, واستباق أي كارثة.
والواقع أن أفضل استراتيجية للاستقرار هي تلك المتمثلة في إلزام النظام المالي بالعمل وفق قواعد واضحة, تضع حدودا غير ملتبسة علي شيئين محددين هما: الروافع والمخاطر.
ونحن بحاجة لأن يحدث ذلك ليس هنا في الولايات المتحدة وإنما في باقي دول العالم أيضا.
وزير الخزانة الأميركي
واشنطن بوست