يزداد النقاش حدة بشأن المهمة العسكرية الأمريكية المتسعة في أفغانستان النائية, ولكن قبل أن تزداد المشاكل هناك أكثر مما هي عليه الآن, ربما حان الوقت لاستخراج مبدأ باول السياسي القديم, والإجابة علي الأسئلة الثمانية التي يحملها في طياته.
ذكر الجنرال كولن باول, الذي كان رئيسا لهيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية حينئذ, أنه تتعين الإجابة عن هذه الأسئلة كلها بالإيجاب وبصوت مدو, قبل إن تقوم الولايات المتحدة بأي عمل عسكري. وقد أدرج أسئلته في خطته لإدارة معركة حرب الخليج عام 1990, معتمدا بقوة علي مبدأ واينبرغر السياسي, الذي وضعه وزير الدفاع الأمريكي الأسبق كاسبر واينبرجر, خلال النقاش الذي جري حول انسحاب القوات الأمريكية من لبنان والسبل الكفيلة بذلك.
لنستعرض هذه الأسئلة في البداية:
ـ هل ثمة مصلحة مهمة متعلقة بالأمن القومي الأمريكي تتعرض للتهديد؟
ـ هل لدي واشنطن هدف واضح قابل للتحقيق؟
ـ هل تم تحليل المخاطر والتكاليف بالكامل وبصورة صريحة؟
ـ هل تم استنفاد جميع وسائل سياسة اللاعنف؟
ـ هل هناك استراتيجية انسحاب مقبولة لتجنب المأزق المستمر؟
ـ هل تمت دراسة جميع العواقب للتصرف الأمريكي بالكامل؟
ـ هل يؤيد الشعب الأمريكي هذا التصرف؟
ـ هل لدي واشنطن دعم دولي واسع؟
هذه الأسئلة لم يتم طرحها والإجابة عنها قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان في أواخر عام 2001, وحين تم غزو العراق في مطلع عام 2003 أعلن وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت دونالد رامسفيلد, أن مبدأ باول السياسي أصبح عتيق الطراز, فيما كان يحاول إحراز نصر سابق لأوانه ويحقق نجاحا سريع الزوال في أفغانستان.
ولت إدارة بوش إلي غير رجعة, لكن واشنطن لا تزال متورطة حتي النخاع في العراق وأفغانستان, علي حد سواء. والآن فإن رئيسا جديدا يشرف علي انسحاب بطيء من العراق وتصعيد بطيء في أفغانستان. ويمكن التأكيد علي أنه لم تتم الإجابة بصورة حاسمة علي أي من أسئلة الجنرال باول الثمانية, المتعلقة بالإجراءات المزمع أو الجاري اتخاذها في أفغانستان. وقد يسأل سائل: هل تم طرح هذه الأسئلة لدي غزو العراق؟
لم يتم إعطاء إجابة واحدة مؤكدة عن ذلك. في البداية كانت هناك مصلحة مهمة متعلقة بالأمن القومي الأمريكي في أفغانستان, تتمثل في خلع حكومة طالبان وقتل أو أسر ضيفها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. لقد تمكنت واشنطن من خلع طالبان, لكنها تركت بن لادن يفر إلي باكستان متسللا عبر الحدود ذات الجبال الشاهقة والتضاريس الوعرة.
وحتي قبل ذلك, بدأت واشنطن تعرض أفغانستان لشح الطاقة البشرية والمال الأمريكي, مركزة أنظارها علي العراق, حيث قدر رامسفيلد أن النصر آت لا محالة, وأن الجنود الأمريكيين سيعودون إلي الديار في غضون ستة أشهر أو نحو ذلك!
لم تعد لدي واشنطن مصالح مهمة متعلقة بالأمن القومي, أو هدف واضح قابلا للتحقيق في أفغانستان. والهدف المعلن هو حرمان القاعدة من أي ملاذ أمني مستقبلي هناك, غير أن التنظيم لا يرتكز في أفغانستان, ولم يتواجد هناك منذ سنوات عدة.
أمريكا غيرت الرؤساء والقادة العسكريين والسفراء والتكتيكات العسكرية, كما زادت عدد معسكرات التدريب الأرضية في عملية تدريجية, بحيث يتوقع أن يصل عدد الجنود الأمريكيين فيها إلي ما يزيد علي 70 ألف جندي, بحلول نهاية العام الجاري.
ويطالب القائد الأمريكي في كابول الجنرال ستانلي ماكريستال, بزيادة حجم القوات الأمريكية في الوقت الحالي علي الأقل, بحيث يتراوح عددها ما بين 14 ألفا و45 ألف جندي, وذلك لمواجهة مقاتلي طالبان الجدد الذين يتحكمون جيدا في أكثر من نصف البلاد, غير أنه جري إبلاغه أنه يتعين عليه عدم المطالبة بهم في وقت قريب.
ومع معاناة أمريكا من الكساد الاقتصادي, وقفز العجز في الميزانية الأمريكية إلي تريليونات الدولارات, ووصول الخسائر الأمريكية في أفغانستان إلي مستويات قياسية, وتهاوي تأييد الرأي العام للرئيس أوبأما والحرب في أفغانستان بصورة صارخة.. فإن البيت الأبيض يرغب علي نحو يائس, في التقاط الأنفاس.
تلك هي السياسة, وهي تتضارب مع نتيجة مهمة في مبدأ باول السياسي, وهي: إذا كنت مصمما علي خوض حرب, فعليك باختيار قائد عسكري تثق به واستراتيجية تدعم تلك الحرب, ثم امنح قادتك العسكريين كافة الموارد التي يقولون إنهم بحاجة إليها, لكي تحقق هدفك. وإذا لم تستطع القيام بذلك ولم يكن هدفك واضحا ولم يكن الشعب والمجتمع الدولي إلي جانبك, فعليك حينئذ أن تأمر بالانسحاب وتبرر ذلك. لا تزد العدد بصورة بطيئة وتقايض الزمن بجثث وجرحي الجنود الأمريكيين, وأنت تحاول بيع حرب خاطئة للشعب الأمريكي, في المكان الخطأ ضد العدو الخطأ.
لثماني سنوات متتالية, ظللنا نسمع الرئيس الأمريكي والسياسيين الآخرين يتحدثون عن إرساء الأوضاع لحكومة ديموقراطية مركزية, في بلد يحتوي علي حفنة من القبائل والعشائر. وهذا لم يحدث خلال ألفي عام, ويبدو أنه لن يحدث الآن.
الثروة الوطنية التي استثمرناها في هذا الإطار, قد أدت إلي نشوء حكم غير فعال في كابول, ينخره الفساد. واقتصر النجاح الاقتصادي الذي تم إحرازه, علي استعادة تجارة الأفيون. فأفغانستان اليوم هي المنتج الرئيسي في العالم للأفيون والهيروين, في حين كانت هذه الممارسة في عهد طالبان, تعتبر جنحة كبيرة عقوبتها الإعدام.
لقد حان الوقت لاتخاذ قرار حاسم, ويؤمل أن يتخذ الرئيس الأمريكي, من أجله ومن أجل شعبه, القرار الصحيح. فأفغانستان لا تستحق حياة جندي أمريكي آخر, وليس مئات بل وآلاف الضحايا الذين سيسقطون.. في التزام ليس له نهاية, بحرب لا يمكن الفوز بها.
عن البيان الإماراتية