مع فجر عام جديد تتفتح آمال وأحلام يسعي المرء إلي تحقيقها لتكون له بمثابة فاتحة لمستقبل مجيد في العام الجديد.فيا تري كيف كان استقبال الزمن الجميل للعام الجديد علي الرغم مما حمله من أتعاب أثقلته في بعض الأحيان.فمن خلال أرشيف الزمن الجميل اتضح لنا أنه كان مخلصا لماضيه متواصلا معه لاستقبال عامه الجديد بكل الفرح والتفاؤل بإقامة الحفلات وإطلاق الأمنيات.
*نجيب الريحاني سنة 2000
مع بداية عام 1947تصور نجيب الريحاني الدنيا سنة 2000وذلك علي الرغم من كونه ليس من أهل الذكر أو سيد العارفين وأنه يسير في حياته سواء كانت الدنيا ”ماشية للأمام أو بالمقلوب”,إلا أنه تصور الدنيا بعد خمسين سنة من وقته وقد تطورت سرعتها في المشي إلي جريان ”فطيران في طيران”,إذ يطير كل شئ:العمارات,وابورات السكة الحديد وإلي جانب الطيارة الفخمة الخاصة بالعظماء والأثرياء.
وستكون هناك طيارات شعبية علي قد الحال للخدم والحشم والفقراء,وبما أنه سيكون هناك طيران عام لابد أن تتبعه ”حالة شقلبة” فتصبح النساء هن القوامات علي الرجال ويتحكم العمال في أصحاب رؤوس الأموال.
سيكون كل شئ أوتوكاتيكيا,فإلي جانب الآلات الكاتبة ستوجد آلات مفكرة مدبرة تتولي القيام بكل شئ حتي نظم الشعر وكتابة المقالات,بل أن الحب نفسه سوف يتم بواسطة آلات تتولي إرسال الخطابات وتبادل النظرات والقبلات!!!
كما تصور الريحاني ”القنبلة الذرية” وهي متجردة من ”نون النسوة” لتصبح قبلة لطيفة تسعد الناس,هكذا كان تصور الريحاني لسنة 2000ومعها تصور الناس واشتدت بينهم المنافسات فتقوم الخناقات حتي تكبر وتشمل جميع المخلوقات فتنقلب الأرض إلي جحيم.
*محظوظون جدا
محظوظ من يولد في رأس السنة فإنه يحتفل بالعيدين معا ومنهم الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس فكان يحتفل بالعيدين معا وعلي الرغم من تجمهر الأصدقاء حوله إلا أن إحسان بطبيعته المفكرة كان دائما يتذكر مقدار النجاح والفشل الذي لحق به سعيا إلي تحقيق الأفضل دائما.
فصرح عام 1947بأنه نجح في كل شئ,في الشهادة الابتدائية والتوجيهية وليسانس الحقوق,ونجح أن يكون صحفيا لامعا اسمه يتردد علي صفحات الجرائد,وعلي الرغم من كل ذلك النجاح إلا أنه -علي حد قوله- فشل في كل شئ ومع كل فشل كان يحاول الانتحار حتي وصلت محاولات انتحاره إلي أربع مرات,مرة لأن ترتيبه كان الثاني في السنة الثالثة الابتدائية وكان مصمما علي أن يكون الأول,ومرة عندما منعه أحد أفراد أسرته من كتابة الشعر للالتفات إلي دروسه,ومرة عندما رفض زواجه من حبيبته,ومرة عندما رفض أحد القضاة الاستماع إلي دفاعه في أول قضية حضرها بحجة أن كلامه كان فارغا!!!
*كما ولدت السيدة زينب صدقي في بداية العام ولهذه المناسبة كانت تقيم حفلة باهرة حتي الصباح في منزلها وتدعو كل من تعرفهم الأهل والأصدقاء والجيران…ليشاركوها فرحتها وفي منتصف الحفل كانت تتركهم وتنزل في شوارع القاهرة تلف وتدور تهنئ الناس وتشارك الشعب المصري فرحته حتي تتذكر الضيوف الموجودين في منزلها فتعود إليهم مسرعة لتستأنف نشاطها.
*السينما وأحلامها
أما عن السينما المصرية فقد تمني محمود تيمور سنة 1945أن تصبح القاهرة مثل هوليوود وتتحرر الرواية السينمائية من النقل والترجمة والاقتباس,ويراعي المخرج الطبيعة المصرية فلا يخرج عن حدود الواقع وبذلك تصطبغ السينما بالصبغة القومية في الإنتاج والتأليف والإخراج ويمكننا عرض أفلامنا في أوربا ونطالع العالم الغربي بأعمالنا الفنية الباهرة.
*حفلات وسهرات
ليس جميع الناس يتذكرون مساوئ العام السابق,فمنهم من كان يقيم الاحتفالات الباهرة الأنيقة مستعدا لاستقبال عامه الجديد بكل الفرح والتفاؤل,فاحتفل نادي مصر الجديدة برأس السنة وأقام العديد من الفقرات أهمها فقرة الأزياء التنكرية التي لاقت قبولا لدي الجميع وشارك فيها البريطانيون المصريين فرحتهم بالعام الجديد.أما النبيل عباس حليم فبدأ العام الجديد في نادي السيارات الملكي الذي ضم العديد من النخبة وأبناء الطبقة الراقية.
*وداع مع عدم الرجوع
حمل الزمن الجميل بين طياته الكثير من المتاعب أثقلت كاهله فتنفس عنها بتأليف شعر يعرض مساوئ العام السابق فودع عام 1938قائلا:
”في ألف داهية يا منحوسة يا كركوبة…يا راحلة عنا وسايبة الدنيا مقلوبة
الله لا يسمح بأيامك ولا يعيدها…آلامه دي كان نهار موتك نهار عيدها”
هكذا كان وداع عام 1938,فكيف سنودع عام 2007!!!
إعداد: مريم مسعد صادق
المراجع:مجلة الشعلة 1939
مجلة المصور 1942
مجلة الاثنين والدنيا 1944, 1945, 1947.