بعد 3 شهور من حادث بالسيارة
رحلة العلاج طويلة..والبداية رسم الأعصاب
في مكالمة تليفونية حكي لي القمص سدراك القمص بنيامين كاهن كنيسة القديس أثناسيوس الرسول بقرية الكفور مركز مطاي مأساة شاب من أبناء كنيسته تعرض لحادث مروع عندما انقلبت به سيارته ودهست يده وفشلت جراحات الأطباء في إعادتها وأصبح مشلول الذراع..الجميل في مكالمة الأب الكاهن إنها لم تكن فقط طلبا أو رجاء لانقاذ ابن من أبنائه ولكن تخللت كلماته الكثير من الدعوات..ومن كثرت ماغمرني به أحسست إنه رغم قسوة وصعوبة الحالة فالرب سيتمجد معنا لإنقاذ هذا الشاب..ورحبت به.
في الموعد وصل إسحق ورغم شدة الآلام وثقل الهموم التي تمزق قلبه..رأيته مبتهجا مملوءا بإيمان عميق,متحررا من نير الهموم..زاد اطمئناني وفرحت عندما سمعته لأنه كما بدا لي أنه عمل بدعوة الرب تعالوا إلي وأنا أريحكم..وأدعوكم لتسمعوا معي قصةإسحقالشاب الذي أتعبته الآلام ولكنه مضي واثقا في الرب فكان الرب معه.
** إسحق ذكي شحاتة شاب في الرابعة والثلاثين من عمره ورغم المحنة الدامية التي تعرض لها منذ شهور ثلاثة عاشها في عذاب ومعاناة إلا أنه كان متماسكا..لم أستغرق وقتا ولا جهدا في الوصول إلي سر تماسكه..فقد عرفت أنه كان عصاميا منذ صباه..عندما كان طالبا بالمدرسة الثانوية الصناعية بمطاي كان يخرج من المدرسة ليقطع مسافة6 كيلو مترات يوميا حتي يصل إلي بني مزار حيث يعمل في محل بقالة وفي نهاية اليوم يقطع 10 كيلو مترات ليعود إلي بلدته-الكفور-وفي الصباح يواصل رحلته مرة أخري من الكفور إلي مدرسته بمطاي -4 كيلو مترات-فإذا دق جرس الانصراف أخذ طريقه إلي بني مزار لتتكرر رحلة كل يوم من أجل قروش قليلة يساعد بها أسرته إذ كان والده سقط من فوق الحماروهو في طريقه إلي الحقل وكان إسحق وقتها طفلا لم يكمل الرابعة من عمره ومن يومها تقوس ظهر والده ولم يعد قادرا علي المشي بعد أن أصيبت فقراته.
** هذه أول محطة في حياةإسحقتوقفت عندها لأكتشف هذا المعدن الصلب لذلك الشاب..بعدها انتقلت إلي المحطة الثانية عندما تخرج من المدرسة الثانوية الصناعية..كان ذلك عام1995 وعمره سبعة عشر عاما..لم يفرح بالدبلوم فقد كان مهموما بأسرته, والده الذي لم يعد قادرا علي الخروج إلي الأرض حيث يمتلك 14 قيراطا ورثها عن أبيه ووالدته التي تفرغت لرعاية الأب وإخوته الأصغر-غالي وملاك ورضا-مسئولية كبيرة حملها إسحق منذ صغره,والأقسي أن حياتهم كانت صعبة في بيت من الطوب اللبن وبمجرد أن أنهي دراسته سافر إلي الأردن..هناك كانت الحياة أصعب وأقسي ولكنه احتمل الغربة في صبر..وبعد عامين عاد إلي قريته..استوقفتني كلمة جميلة خرجت من فمه لا أنكر فضل ربنا.
** من محطة إلي محطة ينتقل إسحق وأنا أصغي إلي حديثه..قال:كنت قد تعلمت السواقةفاستخرجت رخصة وأاخترت أن أعمل سائقا..واستقرت الأمور وأرشدني الرب إلي شريكة لحياتي..ورزقنا بالطفل توماس-3 سنوات-وكان الرب يظللنا..كنت أشعر به في كل خطوة.
** انتقل بي إسحق إلي المحطة الأصعب..يوم لا ولن ينساه-علي حد قوله-كان يوم الجمعة 20 أكتوبر..2011في فجر هذا اليوم خرج بالسيارة -دبابة 4/1 نقل-محملة بصناديق عصائر من مصنع ببني مزار لتوصيلها إلي سفاجا..الطريق ليس جديدا عليه والمسافة ليست ببعيدة-360 كيلو مترا-وبعد أن قطع 190 كيلوا متر في الطريق الصحراوي الشرقي وهو طريق ضيق تسير فيه السيارات في اتجاهين,وقبل أن يصل إلي رأس غارب فاجأته مقطورة قادمة في الاتجاه الآخر وبعرض الطريق.. اضطر أن ينحرف بسيارته يمينا فمالت في رمال الصحراء..تماسك محاولا أن يخرج بسيارته من وسط الرمال,ولكن العجلة اليمني الخلفية كانت قد انغمست في الرمال,ومع محاولته وثقل الحمولة خرجت السيارة ولكن بعد أن انقلبت علي الأسفلت واندفعت لنحو70 مترا ويده اليسري خارج السيارة علي الأسفلت الذي ارتوي بدمائه ومزق كل اللحم وعضل ذراعه وهو يصرخيارب..يارب.
** استجاب الرب لصراخه فتصادف مرور سيارة ميكروباص حمله سائقها إلي مستشفي رأس غارب حيث لا إمكانيات إلا الإسعافات الأولية..بعدها نقلوه إلي مستشفي المنيا الجامعي ولم يدخل حجرة العمليات إلا في السابعة مساء بعد أن ترك ينزف طوال النهار..أجريت له جراحة تنظيف وبعدها بأسبوع جراحة ترقيع وخرج بذراعه ملفوفة بلفافات الشاش بعد أن طمأنوه أن العظم والعصب سليم..ولكن عندما رفع الأربطة كانت الصدمة..ذراعه ارتخت… طاف علي العديد من الأطباء..واختلفت الآراء..وأنقذه كاهن كنيسة بلدته عندما اتصل بنا.
** إلي الدكتور عماد ظريف استشاري العظام اصطحبناه..الدكتور عماد بخبرته ومهارته وبالكشف الإكلينيكي قال إنه مصاب بجرح تهتكي بالعضد الأيسر- فوق الكوع حتي أسفل الكتف-وممتد إلي الساعد الأيسر-من الكوع حتي رسغ اليد-بطول حوالي 16سم وعرض 6سم ..لم يكتف الدكتور عماد بهذا التشخيص ولكنه قام باختبار لأصابعه واطمأن إنها تعمل, واختبار أيضا للعضلات واطمأن أنها تعمل,ولكن شلل يده وسقوط اليد والأصابع يؤكد وجود قطع بالعصب الكعوبري..ولهذا طلب الدكتور عماد عمل رسم أعصاب.
** في اليوم التالي اصطحبنا إسحق إلي الدكتورة آن علي عبد القادر أستاذة الفسيولوجيا الإكلينيكية للجهاز العصبي..وجاءت نتيجة الرسم مطابقة للفحص الإكلينيكي,فالعصب الأوسط سليم,إلا أن هناك قطعا في العصب الكعوبري.. وكما أوضح لنا الدكتور عماد ظريف أن رسم الأعصاب لايحدد مكان القطع,ولكنه تقريبا في التجويف الكعوبري بعظمة العضد الأيسر,ولهذا ليس أمامنا-والكلام مازال للدكتور عماد- إلا إجراء عملية جراحية لاستكشاف العصب الكعوبري لتحديد ما إذا كانت الإصابةقطعاأمتهتكا فإذا ما تبين من الاستكشاف أن هناك قطعا فسيتم مباشرة عمل توصيل, أما إذا كان هناكتهتكفسيستبدل العصب المتهتك بكابل يؤخذ من أعصاب الساق..وهذه جراحة كبري يجريها طبيب أعصاب.
** عاد إسحق إلي بلدته علي أن يعود بعد أيام لنواصل معه رحلة علاجه مع طبيب الأعصاب..أشفقت عليه والألم يحتويني فطريق الشفاء أمامه طويل وصعب..ولكن مع كل الألم الذي تصورت أنه يحتويه كما يحتويني رأيته يبتسم..رأيت في وجهه سلاما عجيبا.. وتلقيت من هذا الشاب البسيط درسا عظيما .. كانت عيناه تقولان لي: لاتقلق.. سأعود والرب الذي أرشدني إليكم لن يتركني..صمت أمام شاب يثق في الله ويشركه معه في كل أمل يرجوه.
فيكتور…