في وحدة قسطرة القلب والأوعية
إنقاذ حياة أم بتركيب دعامتين في شرايين الكلي
اعتدنا علي امتداد سنوات أن نصحبكم معنا كل أحد مع صديق جديد في رحلة جديدة علي طريق الخير لشفاء مريض وراحة متألم.. ولأننا نري أن التواصل بين أصدقائنا المرضي وبينكم هو الطريق إلي القلوب والإحساس بمتاعب المتألمين والأهم بعمل الله معنا ومعهم, فقد كنا حرصين في لقائنا المتجدد أن نبدأ بالحديث عن الصديق الجديد الذي نرافقه في رحلة الأسبوع.. نحكي حياته ربما من بدء ميلاده إلي لحظة شفائه مرورا بأيام الآلام الصعبة وهجوم المرض الشرس.. فصديقنا في رحلاتنا هو دائما البطل الذي نقترب منه وننسج من بطولته في تحمل الألم قصة نختتمها بعمل الله معه ليتجدد مع كل رحلة قول الكتاب: والمحتاجون إلي الشفاء شفاهم (لو9:11).
* * اليوم استأذنكم ألا أتحدث عن صديقتنا التي اصطحبناها في رحلتنا هذا الأسبوع.. ليس لأن تحملها للآلام وقسوة أيام حياتها لا تصنع منها بطلة, بل علي العكس, فصديقتنا في رحلة هذا الأسبوع عاشت منذ صباها تشقي وتتعب وعندما رحل زوجها منذ عشرين عاما ترك لها خمس بنات أصغرهن كانت في السادسة من عمرها, ولكم أن تتخيلوا كم بذلت وأعطت إلي أن تزوجن جميعا.. ورأيت في دموعهن عندما دخلت الأم حجرة العمليات قصة أمومة متكاملة.. أري أنني لست في حاجة لأن أسرد تفاصيلها.. فالبطل عندي في رحلة هذا الأسبوع هو الطبيب الماهر الشاب النابغة ماجد رمسيس فهيم, استشاري القلب والباطنة بمعهد القلب ومستشفيات بنسلفانيا بأمريكا وعضو جمعية القلب الأوربية وزميل الجمعية الأمريكية.. وعندما دخلت وحدة قسطرة القلب والأوعية الدموية- لأقترب من البطل.. رأيت فريقا متكاملا.. ورأيت عمل الله من أجل تخفيف آلام الناس.. أجهزة تملأ المكان تعمل كلها باللمس وشاشات بلازما في ركن تشاهد عليها أدق التفاصيل داخل الجسم.. حتي الشرايين التي ظهرت علي الشاشة كخيط رفيع رأيتها تتسع كلما نفخ الطبيب في البالونة التي أدخلها من فتحة صغيرة لتسمح بمرور الدعامة فيتسع الشريان الذي ضاق مع الأيام داخل الجسم حتي كاد لا يسمح بتدفق الدم من القلب إلي الكلي, وهو ما كان يمكن في لحظة أن ينهي حياة صديقتنا مع إيماننا الكامل بأن الأعمار بيد الله.
* * معذرة لأنني أخذتكم إلي الفصل الأخير من الحكاية عندما اصطحبت صديقتنا الأم إلي وحدة القسطرة لتركيب الدعامات, ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي تدخل فيها الوحدة.. اسمحوا لي أن أعود بكم إلي البداية.. البداية كانت منذ أكثر من عام عندما بدأت تشعر بألم في صدرها, لكنه لم يكن غريبا علي الأم التي عانت وتألمت كثيرا واستأصلت الغدة الدرقية علي ثلاث مراحل.. لم يكن غريبا عليها أن تتحمل آلام الصدر في صبر وصمت إلي أن جاءت اللحظة التي لم تستطع فيها أن تصبر وخرجت من صمتها.. وصرخت قلبي بيوجعني.
* * الدكتور ماجد رمسيس خطا وراء الألم خطوة خطوة بالتشخيص الإكلينيكي في البداية, والذي أكد أنها تعاني من ارتفاع في ضغط الدم وألم بالصدر وهو ما يعرف بـذبحة صدرية غير مستقرة.. الخطوة التالية والضرورية كانت عمل رسم قلب والذي أوضح وجود قصور في الشريان التاجي وآثار ارتفاع ضغط الدم.. بعدها كانت الخطوة الثالثة عندما قام بعمل موجات صوتية لعضلة القلب والتي أوضحت وجود تضخم بجدار العضلة نتيجة ارتفاع ضغط الدم.. وبعدها كان لابد من الانتقال إلي الخطوة الفاصلة وهي عمل قسطرة تشخيصية في الشرايين التاجية.
* * منذ أسبوعين دخلت صديقتنا وحدة القسطرة لعمل القسطرة التشخيصية.. وعلي C.D شاهدنا علي الشاشة مع الدكتور ماجد وجود نسبة ضيق بالشرايين التاجية ولكنها -كما أوضحت القسطرة التي تقوم أيضا بقياس نسبة الضيق- لا تتجاوز 50% وهي نسبة يمكن علاجها -والكلام للدكتور ماجد- بالعلاج الدوائي.. ولكن ما مصدر الألم؟!.. سؤال دار في رأسي ولكن قبل أن أطرحه أجاب د.ماجد عندما استطرد قائلا: وفقا لتعليمات جمعية القلب الأمريكية كان لابد أن ننتقل بالقسطرة التشخيصية مباشرة إلي شرايين الكلي, وهنا وضح ما توقعناه.. ضيق بشريان الكلي اليسري واليمني أيضا.. المهم أن القسطرة أوضحت أن نسبة الضيق تجاوزت 70% وأن فرق الضغط في الشريان قبل الضيق وبعده أكثر من 30مم زئبقي, وهذا يتطلب عمل توسيع وتركيب دعامتين لشرايين الكلي اليمني واليسري.
* * هنا أصبحنا أمام مشكلة صعبة.. فهذا الضيق هو مصدر ارتفاع ضغط الدم وأيضا ارتفاع وظائف الكلي.. والمشكلة أن صديقتنا الأم التي تجاوزت السابعة والخمسين بعدة شهور شأنها شأن أي مريض يمكن أن يعيش ولو بربع كلية ولكنه لا يستطيع أن يعيش بكلية شريانها ضيق لأن إفرازها للدم قليل, والأخطر أنها تفرز مواد سامة تتسبب في ارتفاع ضغط الدم وزيادة نسبة ضيق الشرايين التاجية وهنا تصبح المشكلة مشكلتين.. مشكلة الكلي ومشكلة القلب أيضا.
* * الدكتور ماجد رمسيس قدم الحل.. الحل تركيب دعامتين.. دعامة بشريان الكلي اليمني, ودعامة بشريان الكلي اليسري.. وصباح الخميس الماضي دخلت مرة أخري وحدة القسطرة.. كانت هذه المرة لتركيب الدعامات.. وأصارحكم أنها المرة الأولي التي أقف فيها مذهولا أمام التقدم العلمي في تكنولوجيا الطب.. بعد تجهيزات بسيطة وسريعة للمريضة بدأ الدكتور ماجد العمل بخطوات لم تتجاوز جميعها نصف ساعة.. الخطوة الأولي كانت استرجاع ما أوضحته القسطرة التشخيصية وسجلته علي الأسطوانة المدمجة, واسترجع علي الشاشة مكان الضيق الذي كان واضحا بدقة.. الخطوة التالية عندما دخلت حجرة العمليات لفتح فتحة صغيرة لدخول الدعامات.. والخطوة الثالثة عندما ارتدي بالطو مغطي بطبقات من الرصاص لحمايته من الإشعاع.
* * في ذهول سألت الدكتور ماجد: متي بدأت هذه الطفرة في عالم الطب؟!.. قال لي: كان ضيق شرايين الجسم والقلب والكلي وأيضا الأطراف من الأمراض المدمرة للإنسان بكل آلامها, وحتي عام 1985 كان العلاج عن طريق الجراحة هو الحل الوحيد لإصلاح ضيق الشرايين, حتي تم اختراع البالونة والتي يمكن من خلالها توسيع الشريان من داخل جداره, ولكن كان يصيبها عودة الضيق في أكثر من 40% من المرض.. ومن هنا أخرجت معامل البحوث الطبية الدعامة, وهي جسم معدني يتم تركيبه علي البالونة ويمكن من خلالها تثبيت الدعامة داخل الشريان الضيق.
* * لم أر فيما قاله الدكتور ماجد تقدم الطب فقط, ولكني رأيت عمل الله الذي أرشد العلماء إلي هذا لتخفيف آلام البشر.. حقيقي أن تكاليفها مازالت عالية علي كثيرين, فقد اقتربت في حالتنا من عشرين ألف جنيه.. وإلي هنا انتهت رحلة هذا الأسبوع.. ولكن بقي أن نشكر كل أصدقائنا صناع الخير الذين ساهموا في إنقاذ صديقتنا الأم.
فيكتور…