شغلت قضية الموقف من الأقباط,حيزا كبيرا في مواقف وإصدارات الحركات الإسلامية بشكل عام,والمسماه منها بالجهادية بشكل خاص,وكان متوقعا عندما تم الإعلان عن المراجعات الفكرية التي تضمنتها مبادرة تنظيم الجهاد الأخيرة,أن يحظي هذا الموضوع برؤية تقترب من رؤي المفكرين الذين أدلوا بدلوهم في هذه القضية وأوصلوها إلي بر الأمان,مع إقرار مفهوم المواطنة,المواطنة في الدولة الإسلامية,وليست المواطنة في ديار المسلمين ـــ كما يقول شيخ الجهاديين ومفتيهم سيد إمام الشريف ــ والفرق كبير كما سنري.
الرؤية التي كشفتها المراجعات الفكرية للجهاديين جاءت صادمة لكل المقاييس ومن منطلق بحثنا عن الحقيقة وحرصا علي مستقبل هذا الوطن.آثرنا أن نضع أمام النخبة المصرية,والرأي العام,ما قاله مفتي الجهاديين قديما إبان كان متنفذا في التنظيم أميرا ومستشارا شرعيا وما خطة اليوم من خلف أسوار السجون ,ليقارنوا بينهما ويخرجوا هم برؤية محايدة,دون تأثيرات خارجية.
في البداية فإن الرجل ومنذ عام 1993 أقر في كتابه المعنون الجامع في طلب العلم الشريف أن مصطلح أهل الذمة لم يعد له وجود في ديار المسلمين وهو ما أعاد التأكيد عليه نصا في الحلقة العاشرة من المراجعات التي تنشرها جريدة الجريدة الكويتية والتي نشرت بتاريخ 28 ــ11ــ2007 عندما قرر الآتي:أهل الكتاب المقيمون في بلاد المسلمين مثل النصاري في مصر ليسوا أهل ذمة,كان هذا قديما وقت الحكم بالشريعة,ومع نشوء الدولة المدنية بتحكيم القوانين البشرية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي,سقطت عن أهل الكتاب بمصر ونحوها من البلدان هذه الصفة,والدستور وهو أبو القوانين في هذه البلاد لا ينص علي مصطلح أهل الذمة وإنما ينص علي مبدأ المواطنة فهم بالنسبة للمسلمين أهل كتاب غير معاهدين.
والسبب عند الرجل هو اختلاف أحكام ديار المسلمين عن أحكام ديار الإسلام فالأولي ديار المسلمين يسكنها مسلمون ولكن تعلوها أحكام الردة,والثانية ديار الإسلام تعلوها أحكام الإسلام وإن لم يكن أغلب سكانها مسلمون.وقد أكد الرجل أنه والحال كذلك فإن مصطلح أهل الذمة لم يعد له وجود في تلك البلدان التي لا تحكم بشريعة الإسلام,وإنما تتحكم فيها الدساتير العلمانية,والقوانين الوضعية فهو لا يعترف بهذا التوصيف الجديد الذي أطلقته تلك الدساتير علي أهل الذمة بأنهم مواطنون أنهم ــ أي الأقباط ــ عند المسلمين أهل كتاب غير معاهدين بما يعني أنهم كفار محاربون.والسؤال الذي يحلو للبعض أن يشهره في وجوهنا كلما ذكرناهم بتلك الحقائق الدامغة,هو :ما الذي يدفعه إذن للقول بضرورة معاملتهمم ــ أي الأقباط ــ بالحسني؟ والإجابة لم يراوغ فيها الرجل علي الإطلاق وإنما قالها واضحة صريحة: إنهم ليسوا هم الذين أسقطوا عن أنفسهم عقد الذمة,وإنما ترتب ذلك علي تحكيم القوانين الحديثة التي تجري علي الجميع مسلمين وغير مسلمينوشدد علي أن:شروط الذمة ليست من الاجتهادات المتغيرة بمرور الزمان,بل إنها ملزمة لجميع المسلمين عند القدرة علي العمل بها,لأنها سنة خليفة راشد هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال النبي ص: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي رواه الترمذي ثم أجمع الصحابة في عصر عمر ومن بعده علي شروط الذمة ولم يخالفه أحد,أي أن هذه الأحكام التي يشير إليها مفتي الجهاديين,والموجودة في العهد العمري منشور نصه في هذا الملف قابلة للتطبيق في أي وقت,وهي غير قابلة للاجتهاد أو التغيير,وشرط تطبيقها القدرة.
هل هناك وضوح أكثر من هذا,وهل لنا أن نقبل علي ضمائرنا كمصريين تجرعوا الأمرين من جراء تكفير فئة منهم لفئة أخري,فسالت الدماء واستبيحت أماكن العبادة ,أن نرضي بأن نعود للمربع رقم واحد,وهذه المرة تحت دعوي مراجعة الأفكار.إن هذا والله لعار كبير,عار علي من روج لهذه المفاهيم,وعار علي من قبل بمهمة الترويج,دون أن يعلن براءته من هذه الأفكار.