عدم وصول الدعم لمستحقيه صداع مزمن في رأس الحكومات المتتالية في ظل التخوف من تطبيق قرارات ارتجالية دون عمل دراسات جادة.
فالدعم تجاوز80مليار جنيه حسب البيانات والإحصاءات الصادرة عن الأجهزة الحكومية ومن المتوقع أن يتجاوز120مليار جنيه خلال السنوات الخمس القادمة وبالطبع هذا الرقم يمثل الدعم العيني الذي تقدمه الدولة في صورة تثبيت أسعار بعض السلع الاستراتيجية منها البنزين والسولار والبوتاجاز ورغيف الخبز البلدي المدعم.
قالت الحكومة إنه إذا تركت الأمور دون تغير أو إعادة هيكلة فإن ذلك رغم الإبقاء عليه لن يؤدي إلي رفع مستوي الفقراء في مصر,الذين يبلغ عددهم حسب الإحصائيات30مليون مواطن علي أقل تقدير.
وأشارت دراسة للبنك الدولي أن66% من مخصصات الدعم في مصر تصل إلي غير المستحقين,وذلك بسبب ضعف البيانات والمعلومات عن الأسر في مصر,وأن هناك حوالي40% من السكان يحتاجون إلي الدعم.
وتثار تساؤلات حول تحويل الدعم العيني إلي نقدي,وحول الأسس التي يتم بناء عليها تحديد المبالغ والفئات المستحقة للدعم,ومن يضمن عدم ارتفاع الأسعار لتلتهم المبالغ التي سيتم دفعها لهذه الفئات.خاصة أن الأسواق المصرية تستجيب للزيادة في الأسعار بطريقة سريعة,أكثر من الاستجابة لخفض الأسعار؟إذ ارتفع سعر أنبوبة البوتاحاز إلي10جنيهات و12جنيها بمجرد سريان إشاعة رفع الدعم عن أنبوبة البوتاجاز.
وقال غالبية أصحاب الدخول المحدودة إن تفعيل نظام البطاقات التموينية هو أفضل السبل للحصول علي السلع الأساسية فالارتفاع المستمر في الأسعار وعدم قدرة الحكومة علي التحكم فيها في ظل نظام السوق سوف يلتهم هذه المبالغ,ولن يفيد المواطنين…
الافتقار لقاعدة بيانات
الدكتور حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد وعميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية السابق قال:إنه في حالة وضع قاعدة بيانات حقيقية وسليمة لتحديد الفئات المستحقة للدعم ستمكن من إيصال الدعم النقدي إلي كل فرد يستحقه بالفعل وليس هناك شئ مستحيل ومن الضروري أن يكون الدعم مرنا يقبل التعديل والتغير ليوازن بين القيمة وارتفاع الأسعار.ولكن في ظل غياب قاعدة بيانات حقيقية سيظل المجتمع المصري رافضا لهذا التغيير لأن الدعم سواء كان سليما أو خدمات أساسية مثل البنزين والكهرباء هو جزء أساسي من حياة المواطن فماذا يحدث إذا حصل الفرد لحد أقصي علي150جنيها فقط كدعم نقدي,ثم ترتفع الأسعار لعدم قدرة السوق المحلية علي الاكتفاء ذاتيا,وبالتالي تزيد فاتورة الاستيراد وتضاف إلي فاتورة السلع الغذائية المباعة علي المستوي المحلي.
أضاف أنه بالنسبة لرغيف الخبز البلدي المدعم,فالمواطن يجد في الوقت الحالي صعوبة كبيرة في الحصول عليه.وبالرغم من مبادرة وزارة التضامن الاجتماعي وتقديمها حلولا سريعة مثل فصل التوزيع عن الإنتاج وإنشاء شركات لتوزيع الخبز علي المواطنين في كافة,ولكن حتي اليوم لم يتم تنفيذ هذا القرار في المحافظة.
استحالة السيطرة علي الأسعار
أما الدكتورة جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة فأشار إلي أن قرار تحويل الدعم العيني إلي نقدي يرجع إلي عجز الحكومة في السيطرة علي الأسعار,وتؤدي زيادة أرباح التجار والمتحكرين دون أن يؤدي الدعم النقدي إلي تحسين حياة الفقراء,بالإضافة إلي صعوبة وصوله إلي المستحقين لضعف قاعدة البيانات والمعلومات عن الأسر الأولي بالدعم في مصر.
أضاف أن إلغاء الدعم في هذه المرحلة سيؤدي إلي نتائج غير متوقعة وحدوث فوضي داخل المجتمع,نظرا لما يعانيه هذا المجتمع أصلا من ارتفاع مستثمر في الأسعار,وعدم ضمان استقرار أسعار السلع الغذائية الأساسية في حياة المواطن صاحب الدخل المحدود,فإذا كان المجتمع مقسما إلي شرائح وفئات من الموظفين والعاملين باليومية وغيرهم,وكان هؤلاء يحصلون علي الدعم العيني من خلال البطاقة التموينية.فكيف سيتم تقديم الدعم النقدي وعلي أي أساس سيتم تحديد الفئة المستحقة للدعم؟
فإذا تم تحديد قيمة الدعم النقدي علي أساس مرتبات الموظفين فسوف تزداد الفجوة بين هذه الشرائح,لأن هناك موظفين قادرين علي العمل الإضافي بجانب العمل الأساسي,وبالتالي لا يمكن تحديد قيمة الدخل الحقيقي لهم,بينما هناك موظفون غير قادرين علي العمل الإضافي ويعتمدون بشكل أساسي علي مرتباتهم الحكومية غير الكافية لسد احتياجات الأسرة الأساسية.
آليات جديدة
من جانبه قال الدكتور علي المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي إن الدولة حريصة علي استمرار تقديم الدعم للفئات المستحقة له,وإنه لم يتم حتي الآن وضع أجندة تحويله إلي دعم نقدي أو الاتفاق علي تحديد موعد تنفيذ ذلك بشكل نهائي,ومازالت قضية الدعم مطروحة للحوار المجتمعي,في حين أن الوزارة هي المسئولة عن إدارة الدعم وتنفيذه,وأن التوجهات الحالية تسعي من خلالها إلي الحفاظ علي قيمة الدعم المهدر الذي يصل إلي35% خاصة في بطاقات التموين,وأكد الوزير أنه في جميع الأحوال لا يوجد تفكير في إلقاء دعم رغيف الخبز بل سيحول الدعم العيني الحالي إلي نقدي يوجه إلي40%من السكان فقط يتوزعون ما بين 20%لمن هم تحت خط الفقر,و20%الأخري لمن هم فوق مستوي الفقر مباشرة لأن الدعم بأسلوبه الحالي يذهب الجانب الأكبر منه إلي غير المستحقين,وهو ما يحمل الدولة عبء المسئولية عن توصيله إلي المستحق دون سواه.
أضاف أنه لن يقرض قرارا علي المواطن بل سيكون مشاركا في تحديده,وتطبيق التحول إلي الدعم النقدي لن يحدث بشكل مفاجئ بل سيطبق علي عدة مراحل تنتهي في عام2010,ويجري حاليا إعداد قاعدة بيانات متكاملة حول بحوث الدخل والإنفاق عن طريق إدارات ومديريات الوزارة علي مستوي الجمهورية لتكون الدليل الأساسي في تحديد المواقع الجغرافية المختلفة التي يجري بها العمل,ومن المتوقع أن تكون قاعدة المعلومات جاهزة تماما للاستفادة منها خلال فبراير المقبل.أما دراسات تحديد موقف الدعم في المرحلة الأولي فقد انتهت في محافظات السويس وأسيوط والشرقية,ودارت حول التوازن بين الدعمين النقدي والعيني,وتحديد مسئولية الوزارة في إدارة الدعم,وتنسيق العمل مع الوزارت الأخري التي تدعم سلعا وأنشطة وكيانات اجتماعية مثل البترول والصحة والتعليم والإسكان,وحددت هذه المرحلة مليون مستفيد من الدعم النقدي منهم 425ألف نسمة في السويس يتعاملون من خلال85 ألف بطاقة تموين,و28 ألف معاش ضمان اجتماعي من كل الفئات,أما المواطنين المستحقيه للدعم وليس لديهم بطاقة تموين أو ضمان فسوف يحصلون علي نموذج من مكتب التضامن يحدد فيه استحقاقه.هذا إلي جانب625ألف نسمة في محافظات الشرقية وأسيوط.
وحول الآلية التي يتم طبقا لها نظام المحاسبة والتقدير في صرف الدعم النقدي لمستحقين أشار وزير التضامن إلي أن ذلك يحدث طبقا لنظام محاسبي دقيق حيث يحصل المواطن علي القيمة النقدية التي كانت الدولة تدعم بها السلعة من قبل والتي سيعرف عنها مبلغ الدعم المستحق,ويتم ذلك بواسطة لجان متخصصة في الوزارة فمثلا:المستحق لكل مواطن دعم يومي عن ثلاثة أرغفة بلدي,وذلك طبقا لمتوسط الاستهلاك العام علي مستوي الجمهورية الذي يتراوح ما بين2.6, 2.8, 3 أرغفة وتصل تكلفة الرغيف البلدي المدعم حاليا إلي25قرشا بينما تدعمه الدولة بقيمة17قرشا فقط,فيكون نصيب المستهلك هو 51 قرشا عن الأرغفة الثلاثة.