كم من بنات وسيدات تعرضن للتحرش الجنسي وصمتن…بكين…صرخن ولكنهن في النهاية انصرفن صاغرات منكسرات ربما محطمات وناقمات علي المجتمع…إلانهيتلك الشابة التي رفضت الصمت…تصدت للإهانة…تمسكت بكل ما تملك من قوة بكرامتها الإنسانية…نهيرفعت أول قضية ضد المتحرش جنسيا وكسبتها بحكم قضائي علي المتهم بثلاث سنوات من الحبس المشدد في أول سابقة مصرية لهذا النوع من القضايا.
من تابع حادثة التحرش الجنسي التي تعرضت لها نهي رشدييلاحظ عدة أمور,أولها وقاحة الرجل الذي تحرش بها ممسكا بصدرها وهو يقود سيارة نصف نقل,مكررا فعلته الشنعاء معها مرتين وهي تسير في الطريق ثم يجري بسيارته ملتفتا إليها بنظرات التشفي والاستهتار,وطبعا هو لا يخشي شيئا ولا يخاف أحدا من المارة,لأن خبرته مثل كثيرين من شاكلته ذاخرة بسلبية الناس وخوف البنات,فقطعا لم يخطر بباله أن الأمر سيصل إلي المحكمة!!
أما الملاحظة الثانية فتتمثل في القوة الشخصية القوية الماثلة داخلنهي والتصرف الذي بدا كما لو كان بسالة جندي في المعركة,فلم تتركه يهينها وتسكت ولم تكتف بكلمتين من الشتائم,بل اندفعت وراء السيارة وألقت بنفسها فوقها في تصرف لم يتوقعه السائق,الذي قام بحركات القيادة المجنونة ليلقي بها من مقدمة السيارة علي الأرض…والعجيب أنها لم تستسلم أيضا بل قامت بإيقاد الغلالمتقد بداخلها وجرت وراءه مرة أخري حتي تمكنت من الإمساك به وانزاله من السيارة لتأخذ مسيرة كفاح أخري في نقطة الشرطة التي تقع بالمصادفة في نفس الشارع الذي وقعت فيه الحادثة.
الملاحظة الثالثة في الناس السائرين في الشارع-وهو نفس الشارع الذي تسكن فيهنهي-ربما كان ذلك للوهلة الأولي يشكل حافزا لها علي التصدي إلا أنها وجدت نفسها تدافع علي عدة جبهات,فبعض الناس رددوا كلاما يكاد يكون محفوظا بدون فهم ولا تقييم للموقفشوفي أنت لابسة إيه؟(!!)لأنها كانت ترتدي تي شيرتا طويلا وبنطلون جينز!!..وتداخلت في أذنيها طنين العبارات المتداخلةيا بنتي ليه بتبهدلي نفسك كدةطيب خلاص هو ها يعتذرلك…دي مجنونة دي ولا إيه؟…هي بتعمل كده ليه؟!…إيه يعني إللي حصل؟…ماتمشي في حالها وتسكت!!
وفوجئا بأن أصابع الاتهام تتوجه إليها,ولم تنل المجرم بكلمة واحدة!!…وهذا هو نبض الشارع المصري إثر هذه الجريمة الشنعاء التي يهونون منها…ومع ذلك لم تخضع أو تتنازل ولم تجد سوي شاب واحد يساعدها في الإمساك بالسائق ويتوجه به معها إلي نقطة الشرطة التي علي بعد خطوات ليعطي بارقة خافتة من الأمل في الشارع المصري.
أما التخاذل الذي وجدته في نقطة الشرطة فكان الملاحظة الرابعة,لأنهم لم يتعاطفوا أو بالأحري لم يقوموا بأداء دورهم الوظيفي بل أدانوها وطلبوا منها قبول اعتذار المتحرش وفض الولد!!لكنها تمسكت بحقها,استمرت في نضالها الباسل,وعندما رفضوا تحويل السائق إلي قسم الشرطة في سيارة خاصة بهم,استقلته في سيارتها الخاصة-بصحبة والدها-إلي قسم الشرطة وبدأت إجراءات المحضر ثم رفع الدعوي القضائية التي كسبتها بعد أربعة شهور تقريبا.
الجدير بالملاحظة أن المجتمع المدني والمجلس القومي للمرأة كان يطرح في هذه الأثناء مشروع قانون يجرم التحرش الجنسي تحديدا,أمانهي..فلم تنتظر بل استغلت المادة الموجود فعلا في قانون العقوبات والتي تعتبر هذه الواقعة تعديا علي أنثي وهتك عرض…تمسكت بحقها القانوني رغم محدوديته ولم تخش الفضيحة في جريمة توصف بـهتك عرضلأنها مؤمنة أن الفضيحة لابد أن تكون من نصيب الجاني وليس المجني عليها,وهذا السلاح القانوني متاح لكل الفتيات والسيدات ممن تعرضن للتحرش,اللائي يمثلن84.5% من النساء ولكننهي فقط قررت الإبلاغ واستخدام حقها القانوني.
وإن كانت الكثيرات شعرن بأن نهي رشدي انتقمت لكرامتهن جميعا,وأن الحكم بثلاث سنوات من الحبس المشدد سيكون عبرة لكل شاب أو رجل يفكر في هذا السلوك المشين فإن المكسب الأكبر من هذه القضية أنها تطرح ثقافة الإبلاغ,فكم نحن بحاجة لنشر الوعي بها لأنها أول خطوة علي طريق الحق وردع الخارجين علي القانون…ربما لا يهتم الناس إلا بالإبلاغ عن جرائم السرقة أو الخطف أو القتل…إلخ…ولكن لدينا العديد من القوانين التي تحمينا ولا نفعلها لأننا لا نكثرت بالإبلاغ…لماذا لا نبلغ عن الطبيب الذي عرفنا أنه يقوم بعمليات ختان البنات بعد أن جرمها القانون؟!…لماذا لا نبلغ عن صاحب الورشة الذي ينتهك حقوق الطفل الذي يعمل لديه؟!…لماذا لا نبلغ عمن يستخدمون مبكرات الصوت في أفراح الشوارع حتي الصباح؟!…لماذا لا نبلغ عن الموظفين المرتشين في مكاتب تتعلق بخدمات الجمهور مثل السجل المدني واستخراج أو تجديد رخص قيادة؟!
لماذا لا نتسلح بشجاعةنهيفنكشف الفساد ونعمل علي تعقبه ومكافحته ونساهم في غلق أبواب البلطجة؟…فليبدأ كل منا بنفسه.
نادية…..
[email protected]