حالة التفاؤل التي أصابت صناع وعشاق السينما في الدورة الثلاثين من المهرجان 2006 يبدو أنها كانت حالة وهمية سرعان ماتبخرت في الدورة الحالية والتي اختتمت الجمعة الماضية.
أشادنا في العام الماضي بالإبهار القليل الذي شهدناه مع بعض التنظيم. ولكن في هذه الدورة جاءت الوقائع مخيبة للآمال, فلا إبهار ولاتنظيم وتكشف الأمر منذ ليلة الافتتاح حيث تم بيع عدد من الدعوات الخاصة بالحفل والتي من المفترض أن تذهب للصحفيين. مما أدي إلي غياب عدد كبير منهم عن الحضور وتسبب في وقفة احتجاجية ضد إدارة المهرجان, أما عن العرض الافتتاحي فقد ظهر فيه التخبط الشديد. وجاء استظراف الممثل الكوميدي أحمد حلمي وكأنه مشهد هزلي في فيلم ردئ, أما عن فيلم الافتتاح-بريطاني- موت في جنازة-فهو مخيب للآمال من حيث المستوي الفني له.ودليل آخر علي سوء التنظيم حيث تعطلت ماكينة العرض نحو 25 دقيقة.وظهر سوء التنظيم في مواعيد عرض الأفلام .
يبقي أنه شارك في المهرجان 161 فيلما من 55 دولة وقد تم أهداء الدورة للفنان الكوميدي نجيب الريحاني, كما قدم المهرجان كتابا في طباعة فاخرة عن الريحاني صدر في 300 صفحة من تحرير الدكتور المخرج محمد كامل القليوبي.
أما عن الأفلام في المسابقة الدولية فبدأت العروض بالفيلم المغربي عود الورد من إخراج لاحسن زينون ويدور حول الجارية عود الوردالتي تم خطفها وبيعها لأحد الأسياد. عود الورد تقاوم عبودية الجسد بعشقها للموسيقي حيث تعزف العود بمهارة فائقة وتجد حريتها في هذا العزف ولكن السيد المستبد الذي ينبهر بعزفها ويقربها منه يغتصبها بسبب هذه المهارة مما يجعلها ترفض العزف في الحفلات التي يقيمها وتدخل في صراع نفسي رهيب. خاصة عندما تقرر زوجة السيد إجهاضها فتعيش في حالة من القهر والمرارة. التجربة الإنسانية التي قدمها الفيلم شديدة العذوبة ولكن انتابت الأحداث الكثير من الرتابة التي خففت منها الموسيقي والتي تعد إحدي أبطال هذا العمل.
أما الفيلم المصري ألوان السما السبعة للمخرج سعد هنداوي ويدور حول بكر – يلعب دوره فاروق الفيشاوي راقص حول بكر-يلعب دوره فاروق الفيشاوي راقص التنورة وهي أحد أشكال الألعاب المرتبطة بالصوفية كنوع من التحرر من ثقل الجسد بالدوران والتحليق مع الطيور في السماء. بكر يلاحظ وجود شابة جميلة هـيحنان-ليلي علوي-التي تواظب علي مشاهدة فقرته باستمرار وعندما يتعارفا يقع في حبها ويخبرها بأنه طلق زوجته لأنه شك فيها. زوجته لم تنحرف ولكن طريقتها في الكلام توحي بأنها منحرفة. وعندما يسأل حنانعن عملها تكشف له عن كونهاامرأة ليلمما يسبب له اضطراب كبير.ولكن في مشهد قوي يواجه نفسه بحقيقته فهو كثيرا ما باع نفسه لبعض المشاهدات لفقرته, فيغفر لها ,ويقرر الزواج منها.فنحن نغفر للآخرين عندما ندرك أننا أيضا خطاة هذا ما أراد أن يقوله الفيلم بشكل غير مباشر واستخدمت المؤلفة زينب عزيز لفكرة التنورة والدائرة والتي توحي بأنه يمكن أن تبدأ من حيث وقفت من جديد فالدائرة ليست لها بداية. ومن أجمل مشاهد الفيلم المشهد الذي وقع فيه فنجان القهوة من يد ليلي علوي وعندما أرادت تنظـيف الأرضية أخذت تمسح الخطا بالشكل الدائري, وهو مما يكشف عن هدف الفيلم.ولكن الجزء الأول من الأحداث كان بطيئا, وتميز أداء الفنانين وخاصة الممثل حسن مصطفي والوجه الشاب شريف رمزي ومني هلا.
ومن الأفلام المهمة أيضا كان فيلمبسم الله-باكستاني- من إخراج شهيب منصور .
وهذه أول مرة أشاهد فيلما باكستانيا, ورغم البدائية في التكنيك والثغرات الدرامية الكثيرة بالسيناريو يبقي أن هذا الفيلم من أجرأ الأفلام التي عرضها المهرجان في دورته الحالية نحن إمام أخان يعزفان الموسيقي ولكن أحدهما ويدعيسرمديتم تجنيده في إحدي الجماعات الإسلامية المتطرفة تؤكد له أن الموسيقي حرام ويتحول سرمد إلي إرهابي, في نفس الوقت يسافر أخاهمنصورإلي شيكاغو لتعلم الموسيقي هناك علي الجانب الآخر نجد عم هذان الشبان يعيش في لندن حياة لاهية ولكن عندما تطلب ابنتهماريالزواج من مسيحي يشعر أن الله سوف يعاقبه إذا حدث هذا لذلك يوهمها بالموافقة علي أن تسافر معه إلي باكستان لمقابلة جدتها قبل زواجها, وهناك يخدعها فيزوجها بالإجبار من سرمد ويتركها في إحدي القري علي حدود أفغانستان وباكستان وبعد أحداث 11 سبتمبر يتم القبض علي منصور بأمريكا ويتهم بأنه أحد المخططين للأحداث ويتم تعذيبه بقسوة لامثيل لها- قدمت المشاهد بشكل مقزز- يجعل منصور الذي كان يكتب علي الحوائط إنه يحب أمريكا يكتب أنه يحب أسامة بن لادن أي أن قسوة أمريكا هي السبب في كراهية الشعوب لها.أما ماريفبعد أن تفشل محاولات هربها ويغتصبها زوجها تستطيع أن ترسل خطاب إلي حبيبها في لندن وكمواطنة بريطانية يتم إنقاذها وتدخل في محكمة بباكستان حول زواجها بدون رغبتها مما يحول المحكمة إلي مناظرة كبري بين الإسلام الذي يعتنقه الإرهابيون والإسلام المستنير الذي يمثله شيخ سلبي-في إيحاء لترك المستنيرين الساحة للمتطرفين-الذي تضغط عليه ماري للوقوف إلي جوارها.
ومن أقوي المشاهد بالفيلم عودة سرمد إلي رشده حيث أكد أنه كان يحيا مع الموسيقي بلا خداع أو كذب ولكن بسم الله اغتصب وقتل وفعل الكثير.
يؤخذ علي الفيلم عيوب التجربة الأولي من سذاجة الأحداث فنحن مثلا لم نجد أية معاونة من عائلة منصور المعتدلة لسرمدولم يقدم له أحد شيخ إسلامي مستنير بل يترك إلي أن ينحدر لهاوية التطرف دون أن يوقظة أحد.وهناك ثغرات عديدة فقد قدم الفيلم انطلاق الحرب الأمريكية علي افغانستان وكان سرمد أحد المجاهدين والمشاركين فيها ولكن هذا الخط يقف فجأة ليتحول الأمر إلي المحاكمة والمناظرة الفقهية.فكيف ترك هؤلاء الحرب المشتعلة ليتفرغوا للمناظرة!
وعلي الرغم من هذه الثغرات الكثيرة يبقي أن الفيلم جريء في تناوله وطرحه الكثير من القضايا الإسلامية الشائكة وأتمني أن يعرضه التليفزيون المصري لمواجهة الفكري الظلامي المنتشر في مصر الآن.
ومن الأفلام المصرية هناك فيلم علي الهوا إخراج إيهاب لمعي.
يريد الفيلم أن يقول إن الإعلام مضلل والحقيقة الظاهرة تختلف عن الحقيقة المستترة وذلك باستخدام فكرة البرامج الحية التي تقدمها القنوات الفضائية فتقدم إحدي القنوات برنامج اسكت واحصل علي مليون دولاروذلك من خلال مشاركة فتاتين وشابين بالبرنامج, تتدخل مديرة القناة للكشف عن خفاياهم والإيقاع بهم لتفوز من تريده القناة تفوز ولكن بعد إجبارها علي التنازل عن المبلغ لأن القناة حصلت علي صورة خارج لها.الفيلم تحول بالفعل إلي برنامج مما أفقده الكثير من الأدوات السينمائية وكان الأداء للوجوه الجديدة مفتعلا ولاحظت أن كثيرين تركوا قاعة العرض بسبب الملل.
ومن الأفلام المصرية التي شاركت في دورة المهرجان فيلمالغابة من تأليف ناصر عبد الرحمن وأحمد عاطف وإنتاج وإخراج أحمد عاطف وبطولة الممثل أحمد عزمي وريهام عبد الغفور وباسم سمره وحنان مطاوع ومجموعة من أطفال الشوارع الذين تتم إعادة تأهيلهم بقرية الأمل. قدم الفيلم صورة مما يطلق عليه الدراما السوداء حيث احتشد بمجموعة كبيرة من الحوادث البشعة الصادمة بطريقة زاعقة وكأنه في وصلة صراخ مستمر لما يقرب من ساعة ونصف ويكفي أن أذكر لك الحوادث التي تعرض لها الفيلم إلي جانب معاناة أطفال الشوارع صور من الشذوذ الجنسي وحقن الأطفال بالمخدرات وزنا المحارم- أب يغتصب ابنته فيقتله طفله الصغير واصفا إياه بـ الكلب-بلطجي يدعي التوربيني- قام بدوره باسم سمره- يفتح بطن جميلة-ريهام عبد الغفور-وهي حامل في شهرها السابع حيث يخرج الجنين في مشهد قاس, عصابة تقتل أم وابنتيها وتسرق منهن قرانيات عيونهن والكلي والكبد.وهناك المزيد فحنان مطاوع التي تبيع جسدها لمن يدفع عندما يتم تشويه وجهها تنتحر!وإهانة الشرطة للمواطنين..الفيلم إذن كأنه صفحة حوادث منشورة بإحدي الصحف بشكل واقعي Copy Paste لدرجة أنني كنت قد رأيت علي أحد الموبايلات كليب الضابط الذي يضرب مواطن بقسوة علي وجهه ضربات متتالية وشهدت المشهد بذاته منقول بالفيلم, وهي القضية التي فجرتها الصحف.فالمخرج قدم الأحداث في تسجيلية افتقدنا فيها الواقع الفني.والأدوات الفنية التي يمكن من خلالها معالجة أية قضية مهما كانت بشاعتها ونتيجة لعدم وجود سيناريو محكم لم يجمع هذا العدد الكبير من القصص سوي الشارع الذي تدور الأحداث به بدون رابط درامي بينهما, ولأن الشخصيات عابرة لهذا الشارع فهي بلا عمق حقيقي فالتوربيني مثلا-وهو اسم مستوحي من بلطجي حقيقي قبض عليه هذا العام بتهمة اغتصاب وقتل أطفال الشوارع-يقدمه الفيلم كشرير بالفطرة يعشق الدم لابعد حد!أما الموسيقي فجاءت هي الأخري صاخبة مناسبة لهذا الجو القاتم الخانق الذي تصنعه صورة الفيلم وأحداثه..الفيلم قد يكون صادما وجريء وفاضحا لقاع القاهرة.ولكنه يسجل كل هذا بلا فن يجعلنا نحتمل كل حوادث الغابة فالسيناريو الذي قدم مادة خام لتقديم عمل روائي.
E.m:[email protected]