عندما اقترحت إدارة بوش إقامة مؤتمر سلام حول الشرق الأوسط في أنابوليس بولاية ماريلاند قبل بضعة أشهر، قوبلت الفكرة بتشكيك عالمي من الجميع تقريبا. وسخر كاتبو المقالات الافتتاحية بالمشاركين الأساسيين ـــ الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، والرئيس الفلسطيني محمود عباس ـــ لضعفهم السياسي. كان المواطنون الإسرائيليون والفلسطينيون حذرين بسبب الإخفاقات السابقة. وحتى الأطراف المشاركون بدوا مترددين. خلال
المؤتمر الذي عقد الأسبوع الماضي، بدا أن القادة الثلاثة يراوغون بدلا من إعلان أي تطور لافت.
أولمرت وعباس، في بيان مشترك قرأه بوش، تعهدا “ببذل كل الجهود لعقد اتفاقية قبل نهاية عام 2008” بشأن كل المسائل العالقة التي تفرق بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن عندما قدم عباس اقتراحاته لهذه الاتفاقية، تفادى أولمرت وبوش التطرق إليها، مستعملين عبارات لطيفة عن “إنهاء الاحتلال” وإقامة “بلد جديد، ودولة فلسطينية ديموقراطية”.
هذه الفكرة ــ إقامة دولة فلسطينية ــ لا تزال تبدو بعيدة كل البعد عن الواقع كما كانت في الماضي. مع ذلك، من الخطأ، أو من المبكر، وصف مؤتمر أنابوليس بأنه مجرد استعراض إعلامي عديم النفع. فهو يشكل تذكيرا بمدى نفوذ وقوة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لقد أظهر بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أن التأسف بشأن تراجع أمريكا وتقدم إيران كمحرك أساسي في المنطقة سابق لأوانه. عندما قررت واشنطن إقامة مؤتمر سلام للشرق الأوسط، لبت النداء كل دول العالم. فالمملكة العربية السعودية قادت فريقا من 12 وزير خارجية عربيا إلى أنابوليس. وحتى سوريا، حليفة إيران الأساسية، وافقت على الحضور في النهاية.
خلال سنواته السبع في الحكم، انتُقد الرئيس بوش مرارا لإهماله الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لاسيما مقارنة بالجهود الحماسية التي بذلها سلفه، بيل كلنتون. وقد جادل بوش بأنه غير مساره لأن الوقت حان أخيرا للقيام بذلك، مشيرا إلى احتدام التوتر الإقليمي ورغبة القادة من الطرفين في إحلال السلام. كان بوش محقا: في حقبة ياسر عرفات وآرييل شارون، كان الأمل بالتوصل إلى حل للخلافات الفلسطينية الإسرائيلية معدوما. وكانت السعودية وغيرها من الدول العربية الأساسية أقل استعدادا للمساعدة، قبل أن تبدأ بالشعور بالتهديد الإيراني.
لكن كل ذلك تغير الآن. فعباس وأولمرت لا يتفقان على الصعيد الشخصي بل يتشاركان أيضا رؤى متشابهة. أولمرت يريد إنهاء سيطرة إسرائيل على أكثر من 3.5 ملايين فلسطيني وحذر في مقابلة حديثة من أن الفشل في إقامة دولتين منفصلتين سيؤدي إلى هلاك إسرائيل. وعباس، الذي لطالما عارض الإرهاب، يريد دولة فلسطينية صغيرة في جوار إسرائيل.
مع ذلك، فقد عجز عباس وأولمرت عن إحراز تقدم يؤدي إلى إرساء السلام من دون وصاية أمريكية. حتى صياغة البيان المشترك الخجول الذي صدر في أنابوليس تطلبت أسابيع طويلة من المفاوضات» لم يستطع الطرفان الاتفاق على تسمية البيان، الذي أنجز قبل دقائق فقط من قراءته، بفضل ضغوط رايس. (فضل الفلسطينيون تسميته بـ”الوثيقة”» والإسرائيليـون أرادوا تسميته بـ”التصـريـح”. وتوصـلا في النهـاية إلى تسوية واتفقا على تسميته بـ”التفاهم”).
الآن أطلق مؤتمر أنابوليس عملية ثلاثية: مفاوضات بشأن “المسائل الأساسية” المتعلقة بالحدود والقدس واللاجئين» وبناء المؤسسات الفلسطينية بتوجيه من توني بلير» وإجراءات متبادلة على الأرض، وفقا لخارطة الطريق التي أطلقت عام 2003، والتي تفرض على الفلسطينيين وقف أعمال الإرهاب وعلى الإسرائيليين الحد من انتشار المستوطنات. لن يكون التقدم على المسارات الثلاثة ممكنا إلا بتحفيز أمريكي حثيث.
هل باستطاعة بوش ورايس أن يحرزا تقدما؟ حتى الآن، كانت محاولاتهما التدخل في الشرق الأوسط خلاقة لكنها افتقرت إلى المثابرة والحظ. فالجهود الجدية لإرساء السلام تتطلب إصرارا ومثابرة ورفض الاختباء وراء الذريعة الأمريكية القديمة بأنه “لا يمكننا تحقيق السلام إن كنا نريده أكثر مما يريده الأطراف المعنيون”. إن كان بوش يريد فعلا الوفاء بتعهده بإقامة دولة فلسطينية خلال عهده، يجب أن تتعدى جهوده استضافة مؤتمر من حين لآخر. عليه أن يقدم دعما كاملا لرايس وجهودها الدبلوماسية، وألا يتردد في الضغط على الإسرائيليين والفلسطينيين. من غير المرجح أن تبذل جهود كهذه في عام انتخابي أمريكي، يعتبر فيه الضغط على إسرائيل أمرا مستحيلا من الناحية السياسية. لكن نظرا إلى خطورة الوضع في المنطقة ومع اقتراب نهاية ولايته، قد يشعر بوش بضرورة التدخل الجدي. إن كان مؤتمر أنابوليس دليلا على نواياه، حري بنا اعتبار جهوده صادقة إلى أن يثبت العكس.
نيوزوييك