لا زلنا نتأمل في المزمور الثاني والثلاثين ,وهو دعوة للتوبة.وفي الآيتين 9,8 منه تحدث المرنم عن ضرورة الاعتراف بالخطية فقال
1ــ إن عدم الاعتراف يعطل خطة الله: أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلكها (آية 8أ).استجابة لصلاة المرنم المعترف التائب يكلمه الله بكلمة تعليم وإرشاد.لقد وضع الله خطة صالحة لحياة كل واحد منا,وهو يعلمنا ويرشدنا إلي طرقه,وينصحنا ونحن نسير فيها,ويراقبنا ويتابعنا بعين محبته.الرب صالح ومستقيم,لذلك يعلم الخطاة الطريق..من هو الإنسان الخائف الرب؟يعلمه طريقا يختاره (مز25:12,8).
ينادينا الله بصوت الحب ليردنا إليه في عظة نسمعها في كنيسة ,أو بصدمة في حادث,أو في فقدان أموال,أو في خيانة صديق,أو بآية كتابية تهز القلب والمشاعر أو بتأثير وقدوة صديق صالح ويقول: أنصحك .عيني عليك (آية 8ب) لأنه يريدنا أن نسلك في طريق مستقيم,باختيارنا الحر,تحت قيادته وحمايته,ولكن عندما نعاند صوته,ونستمر في خطايانا ولا نعترف بها ولا نتوب عنها نعطل خطته الحلوة الصالحة لحياتنا.
2ــ عدم الاعتراف يدمر قوي النفس: لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم.بلجام وزمام زينته يكم (آية 9).وجاءت في ترجمة دار المشرق: لا تكن كالفرس والبغل بغير فهم.بشكيمة ورسن يكبح جماحهما لكي لا يقتربا منك هذا تحذير لكل من يتغافل خطة الله لحياته ويرفض طاعته.يصير كالبغل الذي يرمز للعناد وكالفرس الجامح.ويضع الناس لجاما في فم الفرس أو البغل ,للزينة وللتوجيه,ليخضع الحيوان لصاحبه.فإن لم يقترب الإنسان من الله ويطيعه بكامل حريته واختياره يصير كالحيوان الجامح الذي يحتاج إلي لجام وزمام حتي يصبح طوع أمر صاحبه لئلا يدنو إلي صاحبه فيهاجمه ويضره ويؤذيه.والإنسان الذي في كرامة ولا يفهم يشبه البهائم التي تباد (مز 49:20).
إننا لا نحتاج إلي لجام لأن الله أعطانا عقولا.لكن عندما نسلك في جهل وعناد كالحيوان,يستخدم الله معنا القسوة ليرجعنا إليه.فلا نكون معاندين مثل قايين الذي قال الله له: لماذا سقط وجهك؟إن أحسنت أفلا رفع؟ وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة (تك 4:7,6).ولكن قايين لم يحسن! ولانكن معاندين مثل بلعام الذي عصي الرب وأحب أجرة الإثم,ولكنه حصل علي توبيخ تعديه,إذ منع حماقته حمار أعجم ناطقا بصوت إنسان (عد 22و2بط 2:16,15).
ويختم المرنم مزموره بالحديث عن نكبات الشرير ومباهج الصديق (آيتا 11,10).فيقارن بين مصير الشرير والصديق وهي دعوة للاعتراف بالخطية وللتوبة.
1ــ نكبات الشرير كثيرة:كثيرة هي نكبات الشرير (آية 10أ) لا نكبة واحدة بل نكبات متتابعة! تري هل تستحق الخطية كل الثمن المدفوع فيها؟ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه (مت 16:26).
2ــ مراحم الصديق عظيمة: أما المتوكل علي الرب فالرحمة تحيط به (آية 10ب).ما أكثر الذين يطلبون المراحم الأرضية,من صحة وبنين ومال وراحة بال.ولكن ما أحوجهم لأن يطلبوا أولا ملكوت الله وبره فيزيد الله لهم هذه كلها (مت 6:33) وبداية طب الملكوت هي الاعتراف بالخطية وطلب الغفران واتخاذ الموقف السليم من الله.
والآية الأخيرة من مزمور 32 تطبيق للآية الأولي منه.تقول بداية المزمور :طوبي للذي غفر إثمه وتقول نهايته:افرحوا بالرب وابتهجوا أيها الصديقون( آية 11أ).يا من حسب لكم بر الرب,وقد تبررتم بنعمته بالفداء الذي بالمسيح.اهتفوا ياجميع المستقيمي القلوب (آية 11ب) لأن الله لا يحسبكم آثمين,فقد غفر إثمكم بعد أن اعترفتم به,فاعتبركم مستقيمين.فلنرجع إليه تائبين فيرحمنا ويكثر لنا الغفران (إش 55:7).
تأملنا في المزمور الثاني والثلاثين فرأينا دعوة للتوبة,ونتأمل مزمور 33 فنجده دعوة للفرح والتسبيح لله بعد أن أنعم الله بالغفران علي المرنم الذي اعترف بخطيته في مزمور32,وتأكد أن الله ستر خطيته,فقال : طوبي للذي غفر إثمه وسترت خطيته طوبي لرجل لا يحسب له الرب خطية ولا في روحه غش (آيتا 2,1) وختم مزمور 32 بأن دعا المؤمنين :افرحوا بالرب وابتهجوا يا أيها الصديقون,اهتفوا ياجميع المستقيمي القلوب (آية 11).ثم بدأ مزمور 33 بذات الدعوة: اهتفوا أيها لصديقون.بالمستقيمين يليق التسبيح.احمدوا الرب بالعود.غنوا له أغنية جديدة فالذين متعهم الرب بمغفرة خطاياهم يجتمعون معا ليرتلوا ويشجعوا بعضهم بعضا علي أن يغنوا أغنية شكر جديدة.يمجدون فيها الله من أجل صفاته وأعماله,فهو الخالق والملك والقاضي والمخلص,الذي بدأت العلاقة السليمة معه بالغفران والقبول أمامه,فيهتف الصديقون ويعظمونه,ويعلنون ثقتهم فيه,وينتظرونه في خشوع.
في مباريات كرة القدم لا تحسب الأهداف إلا لأعضاء الفريق.صحيح أن المتفرجين يراقبون ,لكن لو قام أحدم بإصابة الهدف فإنه لا يحتسب له.فإن كنت تريد أن تصيب الهدف الذي خلقك الله لأجله,وأن تتمتع بالفرح الروحي لا تكتف بأن تكون من المشاهدين,بل من المشتركين المختبرين بأن تنضم لجماعة الرب فتنعم بالفرح الحقيقي الذي يمتع الله به الذين لا يحسب لهم خطية بعد أن وضعوا ثقتهم في كفارة المسيح,وتنادي معهم :احمدوا الرب بالعود.بربابة ذات عشرة أوتار رنموا له.أحسنوا العزف بهتاف فإن إلهنا يستحق كل ترتيل وتمجيد وتسبيح,لأنه قبلنا بالرغم من خطيتنا,وأنعم علينا بحلول المسيح بالإيمان في قلوبنا ,فصرنا فيه خليقة جديدة.
1ــ في الآية الأولي من مزمور 33 يصف المرنم المسبحين ,فيقول:
(أ) إنهم الصديقون: اهتفوا أيها الصديقون بالرب (آية1أ).نال المؤمنون موقفا جديدا من الله هو موقف الصديقين,أي المبررين.فبعد أن كانوا خطاة منفصلين عنه صاروا صديقين أصحاب موقف سليم منه,يتلقون الدعوة لأن يهتفوا ويسبحوا الرب الذي بررهم وغفر لهم.فإذ قد يبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح(رو5:1) لأنه قد حسب لنا بر المسيح .ومعروف أن الكل قد زاغوا معا.فسدوا.ليس من يعمل صلاحا.ليس ولا واحد (مز 14:3).لكن الصديق المستقيم الصالح البار هو الذي احتمي في دم المسيح فستره وقرر في قلبه أن يحيا حياة الاستقامة.
(ب) إنهم المستقيمون:بالمستقيمين يليق التسبيح (آية 1ب).كان يوسف الصديق مستقيما رفض الدعوة العوجاء من سيدته فلم يرتكب الإثم (الذي هو العوج).هؤلاء الصديقون المستقيمون صارت لهم طبيعة جديدة,يليق بصاحبها أن يسبح,لأن الله أنعم عليه بالتبني,فهو يسبح أباه المعتني به,الذي له علاقة شخصية معه.ذابح الحمد يمجدني (مز 50:23).أما الخاطئ فلا يفرح بالتسبيح لأنه منفصل عن الله,ولا علاقة له به.
2ــ في الآية 2 من مزمور 33 يذكر المرنم آلات المسبحين فيقول:احمدوا الرب بالعود.بربابة ذات عشرة أوتار رنموا له .يشترك المؤمنون مع كل خليقة الله في الترنيم والتسبيح لله,فالجبال تغني (إش 55:12)وأشجار الوعر تغني (1أي 16:33) والأودية تغني ( مز 65:13) وكواكب الصبح معا وجميع بني الله(أي 38:7).وفي سفر الرؤيا نقرأ عن ترنيم 144 ألف كتب اسم الرب علي جباههم يعزفون بقيثاراتهم ويرنمون ترنيمة جديدة أمام العرش (رؤ 14:1ــ5).,في المقال القادم سنري أن الترنيم كلمات ولحن وأصوات,وآلات موسيقية.