مازلنا نتأمل المزمور الخامس والخمسين حيث يقول المرنم:ليت لي جناجا.فيه يعبر هذا المزمور عن ذكريات نفسه الجزينة(آيات9-15).وقد حاول داود أن يهرب من الواقع لمرارته,فرجع إلي ذكرياته وتذكر شيئين:
1-عاصمة ظالمة:(آيات9-11).تذكر الشر والظلم الذي حل بالعاصمة أورشليم بعد أن طرد منها,فانتشر فيها النهب والسلب,وتفشت فيها الثورة ضد السلطة المدنية,والغش في التجارة,والظلم في الأحكام,حتي شمل الخراب كل شئ.كيف صارت القرية الأمينة زانية؟…كان العدل يبيت فيها ,وأما الآن فالقاتلون(إش1:21).ولا شك أن شيئا من هذا كان يحدث أثناء وجود داود في أورشليم.فلو أن داود أنصف لوزع مسئوليات القضاء علي عدد كبير من القضاة في إسرائيل,ولم يدع كل صاحب حاجة يجئ إليه هو بمشكلته,مما جعل أبشالوم يستغل الموقف ويقول إن داود غير قادر علي الإنصاف.وجدير بنا أن نتعلم كيف ننظم مسئولياتنا فنوجد مزيدا من المحبة,ونوقف التصادم,فلا يتكرر ما حدث بين أبشالوم وأبيه,ويقل الظلم.
2-أصدقاء ظالمون:(آيات12-5)
(أ)كان قريبا منه:لأنه ليس عدو يعيرني فأحتمل.ليس مبغضي تعظم علي فاختبئ منه!بل أنت إنسان عديلي.إلفي وصديقي(آيتا12, 13).جاءت الخيانة منإلفه صاحب العشرة الطويلة معه,ومنصديقهالذي كان يتفاهم معه,وليس من عدو له.
(ب)كان مفرحا له:معه كانت تحلو لنا العشرة(آية14أ).
(ج)كان عابدا معه:إلي البيت الله كنا نذهب في الجمهور(آية14ب).أفاضت العبادة علي تلك الصداقة بعدا روحيا مقدسافرحت بالقائلين لي:إلي بيت الرب نذهب(مز122:1)ولكن ذلك الصديق ارتد عن محبة الله ومحبة داود.
(د)فطلب له العقاب:(آية15)
ولكنه لا يتوقف هنا بل يتقدم ليتحدث عن ثقة النفس المنتصرة(آيات16-23)فيصف ثقته بأنها.
(أ)مستمرة:أما أنا فإلي الله أصرخ والرب يخلصني مساء وصباحا وظهرا أشكو وأنوح فيسمع صوتي(آيتا16, 17).كان يحدث الله بانتظام مساء وصباحا وظهرا,واثقا فيه,فانتصر.وكل من يدعو باسم الرب يخلص من خطاياه ومن كل ضيقاته(رو10:13).كان دانيال يصلي ثلاث مرات في اليوم(دا6:10),وكان الرسول بطرس يصلي ظهرا(أع10:9).كان داود يصلي في المساء لأن أحداث الغد تبدأ من مساء اليوم السابق له,فيضع داود أمام الله مشاكل يومه وما جري فيه,لينام دون أن تختمر مشاكل أمسه في رأسه,فتدمر غده,وكان يصلي في الصباح ليبدأ يوما جديدا بروح جديدة,ومحبة جديدة وغفران جديد.
وكان يصلي في الظهر ليستمد قوة جديدة من الله,فلا تغرب الشمس علي غيطه ولا يحتل إبليس مكانا في قلبه(أف4:26, 27).
(ب)ثقة فاهمة:فدي بسلام نفسي من قتال علي,لأنهم بكثرة كانوا حولي.يسمع الله فيذلهم والجالس منذ القدم(آيتا18, 19أ).فدي الرب داود لأنه فاديه وولي أمره,فنال السلام الذي يحفظ فكره وقلبه في الرب الجالس علي عرشه منذ القدم.ألست أنت منذ الأزل يارب إلهي قدوسي؟(حب1:12).يبني داود ثقته الحاضرة في الرب علي أساس أعمال الرب في الماضي معه,ويبني المستقبل علي كليهما.
(ج)ثقة بالرغم من الصعوبة:(آيات19ب-21).لم يبن داود ثقته المنتصرة علي سهولة موقفه,بل بالرغم من صعوبته.لم تكن في قلوب أعدائه رحمة,بل كانوا مخادعين منافقين.وبالرغم من ذلك أعلن داود ثقته الظافرة بالله.
وفي(آيتي22, 23)يؤسس ثقته علي أمرين:
(أ)إلقاء همه علي الرب:ألقي علي الرب همك فهو يعولك.لا يدع الصديق يتزعزع إلي الأبد(آية22).الهم في قلب الرب يحنيه(أم12:25).ومن الغريب أن كلمةهمفي الأصل العبري تحمل معني آخر هوعطية أو هديةفأحيانا يرسل الله لنا بركات من الألم,وكأن داود يدعونا أن نسلم للرب ما أعطاه لنا من نعم,وما سمح لنا به من ألم,وأم نلقي نفوسنا وهمومنا عليه فيدبر أمرنا,لأنه يريد ويقدر أن يخلصنا من كل هم وضيق وتجربة.إنه الإله المتخصص في المستحيلات,وكل ما هو غير مستطاع عند الناس مستطاع عنده وحده(مت19:26).ملقين كل همكم عليه لأنه هو يعتني بكم(1بط5:7).
(ب)يعاقب الرب الخطاة:(آية23).
هذا الإله الذي يعاقب الخاطئ هو موضوع ثقة داود,الذي يقول:أما أنا فأتكل عليك.