نتأمل اليوم المزمور الثاني والخمسين,وهو أحد سبعة مزامير أطلق عليها القديس أغسطينوس (في تفسيره لسفر المزامير) اسممزامير الطريد(هي7, 34, 52, 54, 56, 57, 142) كتبها النبي داود أثناء هروبه من مطاردات الملك شاول له,متنقلا من بلد إلي بلد,ومن كهف إلي كهف,وحتي إلي بلاد الفلسطينيين.
عندما يكون الإنسان طريدا تتشوش أفكاره ويصعب عليه أن يكتب شعرا ويضع له موسيقي.لكن قلب داود الطريد كان ممكنا في الرب,احتل الله فيه مكانا كبيرا,فكان رجل الترنيم والصلاة.ونحن نشكر الله من أجل الذين يحبون الرب حبا يملك عليهم قلوبهم,فينفعلون معه ويحدثونه,ويشكون له همومهم,ويشرحون له ظروفهم وأحوالهم.
كتبت داود مزمور52 عندما من صديقه يوناثان بن شاول أن شاول سيطارده ليقتله,ففضل أن يهرب إليجتعاصمة الفلسطينيين,ليكون بعيدا عن متناول يد شاول.وفي الطريق إلي جت كان محتاجا إلي طعام وإلي سيف,فذهب إلي مدينة الكهنةنوبوالتقي بأخيمالك رئيس الكهنة,فأعطاه خبز الوجوه المقدس الذي لا يحل أكله إلا للكهنة,وأعطاه أيضا سيف جليات(1صم21:1-9 ومر2:26).
ونقل دواغ الأدومي(من نسل عيسو,وكان مشرفا علي ثروة شاول الحيوانية) خبر هذا الأمر إلي الملك وفسره بأنه خيانة من الكهنة,فأمر شاول بقتلهم ,وهرب داود ناجيا,واستمر شاول يطارد داود.وشعر داود بالمعاناة والضغط,مع الإحساس بالذنب,لأنه تسبب في قتل الكهنة الذين عاونوه,فكتب المزمور الثاني والخمسين.
في الآيات الخمس الأولي من هذا المزمور يصف داود حالة الإنسان الشرير,فيقول:
1-الشرير يفتخر بالشر:لماذا تفتخر بالشر أيها الجبار؟رحمة الله هي كل يوم(آية1).يبدأ المرنم مزموره بالاحتجاج علي الشرير الذي يفتخر بشره,ويذكره برحمة الله الدائمة,ويسأله:لماذا يفتخر؟هل لأنه جبار متجبر متكبر يظن نفسه بطلا؟ويل للأبطال علي شرب الخمر!(إش5:22).لا للحق قووا في الأرض(إر9:3).إن فوق العالي عاليا يلاحظ والأعلي فوقهما(جا5:8).والرب الأعلي هو الرحيم,الذي تسع رحمته الخاطئ ليتوب.
2-الشرير يخترع الشر:لسانك يخترع مفاسد(آية2أ).اختراع اللسان هو الكذب.ولا يكتفي الشرير بالفخر بالشر لكنه يتحدث عنه حديث إفك وكذب.وبعد وقت يصيبه الملل من تكرار الكذب الذي يردده فيخترع كذبا جديدا,أكثر حماقة من الأول,لأن من فضلة القلب يتكلم الفم(مت12:34),ولسان الشرير شر لا يضبط مملو سما مميتا(يع3:8),فيجرح سمعة الأبرياء,كما جرح دواغ الأدومي سمعة داود وأخيمالك,وتسبب في قتل الكهنة ومطاردة داود.قال شاعر عربي:
جراحات السنان(السيوف)لها التئام ولا يلتأم ما جرح اللسان!
3-الشرير يرتكب الشر:كموسي مسنونة يعمل بالغش(آية2ب).يمزق سمعة الناس ويؤذي نفوسهم,ويجرح أجسادهم,ويصيبهم ويقطعهم.
4-الشرير يحب الشر:أحببت الشر أكثر من الخير,الكذب أكثر من التكلم بالصدق,أحببت كل كلام مهلك,ولسان غش(آيتا3, 4).محبة الشرير للشر والأذي أكثر من محبته للخير,وحبه للكذب أكثر من حبه للتكلم بالصدق,فهو من أب هو إبليس الكذاب وأبو الكذاب(يو8:44)الخاطئ خاطئ بطبيعته الفاسدة,وخاطئ بما يفعله,نتيجة لتأثير طبيعته الفاسدة.
4-نهاية الشرير:أيضا يهدمك الله إلي الأبد,يخطفك ويقلعك من مسكنك,ويستأصلك من أرض الأحياء(آية5).لابد أن يدفع الشرير أجرة خطيته.وهو ضعيف مهما كانت قوته في الشر,وليست له جذور,فلا بد أن يقتلع.ويذكر المرنم الأوصاف التالية لنهاية الشرير:
*يهدمك:يهدم كبناء عظيم مرتفع يتدمر ولا تقوم له قائمة…كان دواغ الأدومي يشغل مركزا مرموقا في بلاط الملك,وكانت مكانته رفيعة,ولكنه هلك.
*يخطفك:كثروة ضائعة.
*يقلعك:كخيمة بلا أوتاد تطيرها الرياح!
*يستأصلك:كشجرة تقتلع من الجذور,مهما تأصلت جذورها.أما الأشرار فينقرضون من الأرض والغادرون يستأصلون منها(أم2:22).
*إلي الأبد:فإنه بالكيل الذي به يكيلون يكال لهم(مت7:2)وأجرة الخطية هي موت(رو6:23).