نتأمل اليوم الجزء الأخير من مزمور 51الذي يشغل آيات 13-19,وفيها يتعهد المرنم للرب بأربعة أمور. لقد شعر بخطيته وطلب من الله أن يرحمه,وأن يطهره من عمله الشرير ومن طبيعته الشريرة. ثم عاد يكرر الطلب ليحصل علي الغفران والتجديد. وبعد أن اطمأن لاستجابة دعائه,أخذ يفكر في رد شئ بسيط من ديونه لله,لا بالكلام فقط,بل بالعمل أيضا,فتعهد لله بأربعة أمور:
1- تعهد بالكرازة: فأعلم الأثمة طرقك,والخطاة إليك يرجعون (آية13). بعد أن شفاه الله من لوثة الخطية,أراد أن ينقذ الملوثين. لقد شاعت أخبار خطية داود في الجيش وفي كل البلاد. فهل يقدر بعد ذلك أن يعلم الأثمة طريق الله فيرجع الخطاة؟ نعم,لأن هذا واجبه وامتيازه. عندما نخطئ نختبر ضعفنا الإنساني,وندرك الحب الإلهي الذي يصفح ويغفر,فنصبح أكثر رقة مع الخطاة,وأكثر رأفة مع البعيدين. فعندما نري شخصا يخطئ لا نهاجمه وندينه لأننا أفضل منه,بل نتعاطف معه لأننا سبق وأخطأنا كما أخطأ,واعترفنا فحصلنا علي الغفران,فنقدم للمخطئ رسالة احب الإلهي التي ما زلنا نتمتع بها,نحن وكل الذين قبلوه,فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله,أي المؤمنون باسمه (يو1:12).
إننا مطالبون أن نعطف علي الخطاة الساقطين,كما أحب المسيح العشارين والخطاة الذين لا يحبهم أحد (لو7:34),لأن من رد خاطئا عن ضلال طريقه يخلص نفسا من الموت,ويستر كثرة من الخطايا (يع5:20). ويجب أن نطيع الوصية: كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض,شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضا في المسيح (أف4:32). ونذهب لنتلمذ جميع الأمم (مت28:19).
2- تعهد بالتسبيح: نجني من الدماء يا الله إله خلاصي,فيسبح لساني برك. يا رب افتح شفتي فيخبر فمي بتسبيحك (آيتا14, 15). يطلب داود من إله خلاصه أن يؤكد له النجاة والخلاص من عقوبة الدم البرئ الذي سفكه,وعندها يرتفع صوت التسبيح والتمجيد لله إله البر,الأمين لعهوده وكلمته. لقد وعد أن يغفر للمعترف المحتمي في الفداء الإلهي العظيم,ولابد أن يحقق الوعد لداود (1يو1:9). وسواء عاقب الله أو عفا,فهو إله البر والعدالة والأمانة. لقد اغلقت شفتا داود عن التسبيح بسبب الشعور بالذنب,فطلب من الرب الذي منحه الغفران أن يمنح شفتيه نعمة الترتيل. كان شبيها بالأبرص المعزول عن جماعة الرب. أما وقد رجع فسينضم مع العابدين الذين يخبرون بفضل الذي دعاهم من الظلمة إلي نوره العجيب (1بط2:9).
3- تعهد بتقديم ذبيحة مقبولة: لأنك لا تسر بذبيحة,وإلا فكنت أقدمها,بمحرقة لا ترضي. ذبائح الله هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره (آيتا16, 17). لم تكن في شريعة موسي ذبيحة أو محرقة عن الخطية التي يرتكبها صاحبها متعمدا,خصوصا خطيتي الزنا والقتل. ولو كانت هناك مثل هذه الذبائح أو المحرقات لقدمها داود. أما وقد غفر الله له,فإنه يشعر بالتواضع والانكسار والانسحاق أمام الله. وهو يدرك أن الله لا يحتقر القلب الخاضع التائب,الخجلان من خطيته,الذي يقف من بعيد,لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء,بل يقرع علي صدره قائلا: اللهم ارحمني أنا الخاطئ (لو18:13). وهو الذي يقول: بذبيحة وتقدمة لم تسر. أذني فتحت. محرقة وذبيحة خطية لم تطلب (مز40:6). إنه الحزين علي خطاياه وعلي خطايا الآخرين,الذي يطوبه المسيح بالقول: طوبي للحزاني لأنهم يتعزون (مت5:4).
4- تعهد بتشجيع الشعب علي العبادة: أحسن برضاك إلي صهيون. ابن أسوار أورشليم. حينئذ تسر بذبائح البر,محرقة وتقدمة تامة. حينئذ يصعدون علي مذبحك عجولا (آيتا18, 19). لم تكن أسوار أورشليم قد اكتملت في أيام داود وسليمان,فقام كلاهما بالكثير من البناء (2صم5:9 و1مل3:1 و9:15, 19). ولعل داود شعر أن الله ربما يمنعه من البناء بسبب خطاياه,فطلب أن يسمح له بتكملة بناء أسوار أورشليم. إنه ينتقل من الصلاة لأجل نفسه إلي الصلاة لأجل شعبه وعاصمته,القائمة علي عدة تلال منها جبل صهيون. وهو يري في سلامة العاصمة سلامة البلاد كلها. ويري أن اكتمال البناء سيملأ قلب الشعب بالفرح,فيقدمون العجول,ذبائح بر من قلوب بارة,وذبائح شكر وتهليل لله من قلوب شاكرة علي كمال العمل,والذي سيكون مصدرا لحماية العاصمة وسكانها. وستكون هذه التسبيحات كالبخور العطر الذي يفرح قلب الله.
ونقدر أن نري في طلبة داود ابن أسوار أورشليم معني روحيا,فالخطية تهدم سور التقوي الذي يحمي النفس ويحمي الكنيسة. وعندما أخطأ داود تهدم سور روحي كبير في نفوس المعجبين به,الذين كانوا يتخذونه مثلا لهم,وربما هان ارتكاب الخطية في نظرهم,فطلب من الله أن يعيد إقامة هذا السور,وأن يقيم بناء روحيا حيا من المؤمنين المتعبدين. وعلينا نحن أن نشترك في إقامة بيوت روحية ومادية لله في كل مكان,لترتفع تسبيحات الشكر له من كل جنبات أرضنا.
لنطلب منه أن يغفر خطايانا وأن يطهرنا,وعندما تتطهر قلوبنا وندخل في عهد مقدس مع الله,هو عهد الكرازة والعبادة وبناء كنيسته.