عضوية نقابة الصحفيين هدف وشرف يسعي إليه جميع العاملين في بلاط صاحبة الجلالة,فهي المظلة المهنية التي تجمع تحتها أعضاء أسرة الصحافة,تنظم أحوال المهنة وتضع المعايير المحترمة لممارستها وتراقب أداء الصحفيين ومدي التزامهم بميثاق الشرف الصحفي,علاوة علي اضطلاعها بكثير من الخدمات التي تقدمها للصحفيين وأسرهم,والتي تأتي في مقدمتها حمايتهم والذود عنهم أمام شتي صور البطش بهم,سواء كان ذلك البطش ناجما عن أداء واجبهم الصحفي أو كان ناجما عن تسلط أصحاب الأعمال عليهم.
وفي مقابل ذلك كله تضع نقابة الصحفيين-شأنها شأن سائر النقابات المهنية- المعايير الواجب توفرها في الصحفي للحصول علي عضويتها للتحقق من صلاحيته المهنية ودرجة تأهيله للعمل الصحفي ومقدار خبرته التي اكتسبها والتي تعكسها مجموعة الأعمال التحريرية المنشورة له علي مدي سنوات ممارسته المهنة,هذا بالإضافة إلي مستوي معايشته للواقع الذي يعيش فيه وإدراكه وإلمامه بالأحداث من حوله وكيف يتأثر بها وتؤثر فيه,وذلك ما يتكشف من خلال لقاء الصحفي باللجنة المختصة بالعضوية في النقابة والمنوط بها تقييم صلاحيته لاكتساب العضوية من عدمه.
وكما هو الحال في معظم النقابات المحترمة الحريصة علي الارتقاء بمستوي المهنة لا يحصل كل من يتقدم بطلب العضوية عليها تلقائيا لمجرد استيفائه الأوراق المطلوبة,بل عليه اجتياز الاختبارات لإثبات صلاحيته,وقد يحالفه التوفيق في ذلك من أول مرة يتقدم فيها,وقد لا يحالفه التوفيق فيكون عليه أن يراجع نفسه ويعود للتقدم مرة أخري-أو حتي مرات متتابعة-إلي أن ينجح في التأهل للعضوية…وهنا تكمن قيمة العضوية التي لا تكون سهلة المنال والتي تمنح للعضو بعد الفحص والتدقيق والتي تبسط عليه بعد ذلك كافة الواجبات والحقوق والمزايا المتمتع بها أقرانه الذين سبقوه في ذلك.
أشعر أنني في حاجة إلي سرد كل ما سبق-بالرغم من بديهيته-لأعيد الأمور إلي نصابها الصحيح بعد الضجة التي حدثت الأسبوع الماضي علي أثر إعلان نقابة الصحفيين نتيجة قبول دفعة جديدة من الصحفيين المتقدمين للحصول علي العضوية,وما تضمنته النتيجة من قبول البعض وتأجيل قبول البعض الآخر…فقد انفجرت ردود الأفعال العنيفة المتسرعة من جانب غير المقبولين, معلنة عن الاحتجاج والرفض ومتخذة شتي سبل التمرد علي النتيجة,وكأن الأصل في الاختبار أن ينجح الجميع ومن لا ينجح يعتبر ضحية أو مضطهدا!!!
لا أذكر أن هذا المسلك كان مألوفا في نقابة الصحفيين من قبل,وتوقفت أمامه أتأمله وأحاول الكشف عن أسبابه,فالأمر لا يعدو أن يكون حرص النقابة علي تطبيق المعايير واستيفاء الصلاحيات التي تضمن رقي المهنة,وما هي إلا أشهر معدودة وتعود لجنة العضوية للانعقاد طبقا لدورية انعقادها ويكون من حق من أخفق إعادة التقدم…إذن لماذا التشنج والتمرد علي النتيجة؟…الحقيقة أن هناك أمورا مسكوتا عنها استجدت في السنوات القليلة المنصرفة جعلت من عضوية النقابة غاية ملحة تتجاوز مساحة ممارسة المهنة وتمتد إلي التكسب المادي المباشر المترتب علي العضوية,وذلك يتمثل في إغراء القيمة السخية التي تؤديها النقابة لأعضائها تحت مسميبدل التدريبوالتي تتجاوز قليلا مبلغ الخمسمائة جنيه شهريا.
هذه القيمة أصبحت محط أنظار طالبي العضوية تغازلهم وتعدهم بيسر مادي هم في أشد الحاجة إليه إذا اكتسبوا العضوية,فقيمة بدل التدريب إذا أضيفت علي المرتب الذي يحصلون عليه تستطيع تغطية نسبة غير قليلة من أعباء الحياة والمهنة,ناهيك عن الغمز واللمز الذي يتردد في أوساط الصحفيين عن أوضاع مؤسفة نتجت عن سخاء مبلغبدل التدريبمن لجوء بعض القائمين علي الصحف إلي مساومة الصحفيين علي تعيينهم مقابل أجور متدنية جدا في مقابل تمتعهم بعد ذلك بقيمة البدل في تعويض الأجر المتدني…ولعل هذا ما يفسر الإسراف الملفت في عدد الصحفيين الذين ترسلهم بعض الصحف الناشئة إلي النقابة,وما يفسر أيضا الانهيار والصراخ والاحتجاج الذي يصدر عمن لا ينجح في الحصول علي العضوية.
إن نقابة الصحفيين عليها أن تراجع سياستها الخاصة بقيمةبدل التدريبعن طريق ربطها تصاعديا بالتناسب مع أقدمية العضو,فلا يجب أن تكون قيمة البدل ثابتة لجميع أعضائها يستوي في ذلك الأعضاء الجدد التابعين لفئةتحت التمرينمع الأعضاء الأقدم التابعين لفئةالمشتغلين,ويستوي العضو الذي مضت علي عضويته خمس سنوات مع العضو الذي له عشرون عاما في العضوية…من الطبيعي أن يحصل حديث العضوية علي قيمة أقل لبدل التدريب,علي أن ينتقل إلي شريحة ثانية أعلي عند انتقاله لجدول المشتغلين,ثم ينتقل مرة أخري إلي شريحة ثالثة تبعا لأقدمية عضويته…هكذا يتم سحب بريق الإغراء المادي من العضوية للتركيز فقط علي التأهيل المهني,كما يتم قطع الطريق علي من تسول له نفسه مساومة الصحفي الناشئ علي مرتب هزيل ومقايضة ذلك ببدل التدريب!!
أخشي أن نقابة الصحفيين جعلت من نفسها-دون أن تدري-مثل الفتاة الثرية التي لا تعرف حقيقة من يتقدم للزواج بها,هل يسعي للارتباط بها بسبب شخصها ومكانتها أم طمعا في أموالها؟!!