استهل قداسة البابا كلمته بشكر جميع الحضور لمشاركتهم في هذا الاحتفال…وخص قداسته بالشكر اثنين هما الدكتور ثروت باسيلي والمهندس نجيب ساويرس لدورهما الكبير في إنجاز هذا الصرح…بعدها تحدث قداسة البابا عن المركز الثقافي القبطي فقال:
* * إن كلمة ثقافة كلمة واسعة جدا من الصعب حصرها,ومن الصعب أن نحدد أن شخصا معينا هو مثقف ثقافة كاملة…قال بعض العلماء عن المثقفون إنه يعرف كل شئ عن شئ ويعرف شيئا عن كل شئ,يعرف شيئا عن شئ من جهة الثقافة العامة,ويعرف كل شئ عن شئ من جهة التخصص,ولو أنني أعتقد أن هذه العبارة ليست دقيقة أبدا في معناها,فلا يوجد شخص يعرف شيئا عن كل شئ,ولا يوجد شخص يعرف كل شئ عن شئ مهما كان التخصص ومهما كانت الثقافة العامة.
* * ولكن مع ذلك,الثقافة أمر مهم بالنسبة للجميع…وقد قال ربنا في العهد القديم هلك شعبي من عدم المعرفة,لأن ممكن إنسان يهلك عن طريق الجهل,وخطايا الجهل مع أنها عن جهل إلا أنها تعتبر خطايا مهما كان لأنها كسر لوصايا الله سواء عن معرفة أو غير معرفة.
كما نقول إن الجهل بالقانون لا يعفي من مسئولية الشخص أمام القانون…إذن فالجهل خطيئة,ولذلك نحن يهمنا أن يصل الناس إلي المعرفة إن لم يصلوا إلي كل المعرفة…فعلي الأقل إلي بعض المعرفة التي تفيدهم في حياتهم…ومصر بالذات كانت مشهورة جدا بالثقافة والتعليم,مصر التي نبغت في الكثير من العلوم وفي الهندسة وفي الطب وفي الصيدلة وفي كثير من العلوم لدرجة أن القديس إسطفانوس أول الشمامسة وأول شهيد في المسيحية لما استعرض تاريخ اليهود قال عن موسي النبي إنه تثقف بكل حكمة المصريين,لأن موسي النبي ولد في مصر وأخذ اسما مصريا وليس اسما عبرانيا.وكانت مصر مجمعا عظيما للثقافة ليست فقط في الثقافة المصرية بل في كل أنواع الثقافات.
* * أريد أن أحدثكم عن مكتبة الإسكندرية,وحينما أتكلم عن مكتبة الإسكندرية يهمني أن أتكلم عن مكتبتين -مكتبة الإسكندرية الأولي- المكتبة الفرعونية وهذه حرقت وانتهي أمرها ومكتبة ثانية أسسها مارمرقس الرسول وهي مكتبة الإسكندرية المسيحية غير المكتبة القديمة,وهذه المكتبة المسيحية ضمت كل مؤلفات الآباء الأوائل من أمثال أكليمنضس الإسكندري وأوريجانوس ودينسيوس وديسقورس,هذه المكتبة عندما حدث الانقسام المسيحي سنة 451م وصارت مصر تحت حكم الإمبراطورية الرومانية الشرقية,وكانت تختلف مع أقباط مصر في العقيدة ضاع كثير من تراث هذه المدرسة وتشتتت سواء المكتبة أو المدرسة اللاهوتية,تشتتت إلي الأيرة ولم يبق شئ في مصر منها حتي أيامنا هذه.
* * في الحقيقة المكتبات قبل أن يعرف الناس الطباعة كانت كل الكتابات تتم بالنسخ,وكان الكتبة يعتبرون من علماء الناس…وأيام السيد المسيح كان الكتبة والفريسيون هم علماء الشريعة لأنهم ينسخون الكتب.وبذلك تكونت مجموعة من المخطوطات,والمخطوطات القبطية تتميز بالخط الجميل وتتميز بالزخارف الفنية والحروف القبطية ذات فن معين في الخطوط.أكثر واحد برع فيه هو البابا مكاريوس الثالث عندما كان راهبا في دير الأنبا بيشوي,وبدأ يضع كل حرف في اللغة القبطية بطريقة فنية عجيبة جدا وعلي أشكال متنوعة,حاليا بدأ دير البراموس ينشر هذا التراث في كتاب اسمه فن اليوطة…اليوطة ده…حرف قبطي.
فالمخطوط عبارة عن معلومات وعبارة عن فن.لكن المخطوطات انتشرت في العالم كله,وكما تعلمون هناك جامعات كثيرة فيها قسم إجيبتولوجي وقسم قبطولوجي يعملون فيه بطريقة عجيبة…يعني في زيارة لي لإحدي المتاحف رأيت كيف يتم ترميم بعض المخطوطات…يكون مخطوط مقطوع جزء في اليمين أو في الشمال يستنتج إيه الحروف إللي ناقصة ويحوطها سواء يمين أو شمال,هناك بعض الرهبان الذين برعوا في اللغة القبطية عملوا قاموس لكلمات تبدأ بأواخرها,وهناك بلاد كثيرة جدا نبغت في المخطوطات وترميم المخطوطات وإصلاح المخطوطات واستكمال الناقص منها.
وعندما أردنا أن نكون مكتبة للمخطوطات هنا أحضرنا المخطوطات من مكتبة البطريركية القديمة ووضعناها,وأيضا المخطوطات التي في الأديرة…كل دير يحرص علي مخطوطاته ومستحيل يتنازل عنها…لكن إحنا نشكر ربنا أن في حاجة دلوقتي اسمها photo copy وحاجة اسمها microfilm و CD والتكنولوجيا الحديثة تستطيع أن تعطينا صورة من جميع المخطوطات.
* * المكتبة ينبغي أن تجمع كافة المعلومات يعني لا نقول المركز الثقافي القبطي بمعني أنه خاص بالأقباط…فهو يجمع المعرفة من كل مكان…ونشكر ربنا حاليا في كثير من دوائر المعارف منتشرة…أنا شخصيا أهديت من مكتبتي الخاصة إلي هذا المركز أكثر من 20دائرة معارف من أشهر المعارف الموجودة في نواح عديدة.
كما أيضا أهديت إلي هذا المركز مكتبتي الإسلامية…وهي مكتبة كبيرة تشمل أولا العلوم القرآنية بتفاصيلها,وتشمل أيضا كتب التفسير الكبيرة القديمة والحديثة من تفسير الطبري وتفسير القرطبي والجلالين إلي أن نصل إلي تفسير الشعراوي.
فأنا يهمني أن أعرف فكر غيري لكي أستطيع التفاهم معه دون أن أعتدي علي فكره ودون أن أخطئ فهمه.
* * والمكتبة كما أنها تشمل كافة أنواع المعلومات مفروض أنها تغطي كل المراحل العمرية…وأنا أحب الأطفال وأتذكر أنه عندما كنت أسقفا من 37سنة كنت عندما أزور بلدا من البلاد الأجنبية أشاهد المكتبات وأبحث علي الكتب التي تعطي للأطفال.
أرسلنا للمكتبات نشتري كل الكتب الحديثة علي قدر الإمكان التي تصلح للأطفال لكي يدرسوها…عندما نقول المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي ليس معناه أن الثقافة التي بداخله قاصرة علي الأقباط الأرثوذكس,بل الثقافة بكل أنواعها…مكتبة مارمرقس ليست مكتبة دينية إنما هي مكتبة معارف عامة.
حاولنا أن نجمع ما في المكتبات سواء مكتبات عامة أو مكتبات خاصة.
* * لكن الثقافة يا إخوتي ليست خاصة بالكتب,إنما الثقافة تختص أيضا بالدراسة علي أيدي معلمين وتختص بالإرشاد وتختص بالخبرة في الحياة…وحتي جمع الكتب لا يكفي علي رأي الشاعر بيقول عليك يا صاحبي دون الجمع في الكتب فإن للكتب آفات فإن الماء يغرقها والنار تحرقها والفأر يقرضها واللص يسرقها.
إذن فالمقصود أن الإنسان يقرأ ويحفظ ويمرن نفسه علي ما يقرأه.
أشكركم جميعا علي حضوركم وحسن استماعكم وأرجو لكم كل خير.