تسيبي ليفني فازت بزعامة حزب كاديما. هزمت الجنرالات . ولكن ليس سرا أن 13 ألف عربي أعضاء في كاديما كانوا ضمن الأصوات التي حسمت المعركة علي زعامة الحزب.
من سخرية القدر أن العرب يشاركون في الحسم لاختيار الزعيم , وينتهي دورهم بعد الخروج من صناديق الاقتراع. ما يمارسه ##حزبهم ## من سياسة احتلال واستمرار التمييز القومي ضد المواطنين العرب في إسرائيل , وحرمان بلداتنا من الميزانيات المناسبة ,مستمر. هذا الأمر لا يعنيهم.
هذا الوضع يذكرني بحالتنا مع القوائم العربية سيئة السجل التي شكلها حزب مباي (العمل اليوم ) بأيام بن جوريون وأشكول … كانت عربية شكلا ومسلوبة الإرادة في القرار , لدرجة أنه عند بحث إلغاء الحكم العسكري علي العرب في إسرائيل , قال أحد أعضاء الكنيست العرب من قوائم بن جوريون إنه: ##يعارض إلغاء الحكم العسكري لأنه لمصلحة العرب##. وصوت مع إبقائه. موقف عربي مخجل !! في نفس الوقت صوت ممثل اليمين في إسرائيل مناحم بيجن من أجل إلغائه, حفاظا علي سمعة إسرائيل الدولية ولقناعته بحق المواطنين, وبغض النظر عن دينهم أو قوميتهم بالمساواة. بالطبع بين إقرار حق المساواة وتنفيذه مساحة شاسعة لم تغلق حتي اليوم.. بل وتزداد اتساعا.
الموقف مضحك بقدر ما هو مبك .
كنت أظن أن تلك المرحلة انتهت … وأن عرب اليوم تعلموا وتطوروا. لم نعد حطة وعقال في برامج استقبال الوفود الأجنبية. ولم نعد عرب المباي أو عرب المفدال أو عرب الحيروت (حزب بيجن قبل أن يصير ليكود) .وللأسف بعض أولئك العرب كانوا علي درجة من العلم والثقافة .. باعوها وجاؤوا بعد انتهاء موسمهم السلطوي , ليركبوا حمار الوطنية المرهق من طول الدور!!
ما الذي تغير فينا ؟
هل صرنا أكثر غباء ؟
هل بتنا نشتري توبة من انتهي زمنه ؟
أين أحزابنا التي تكاثرت مثل الفقع بعد ليلة من البرق والرعد؟
أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ضد خدمة تطوعية مدنية اجتماعية إنسانية داخل بلداتنا ولأهلنا ومؤسساتنا المختلفة التي تقدم خدماتها لنا بالأساس … أي مدارسنا ومستشفياتنا وبلدياتنا ومؤسسات العجزة وغيرها… دون أن يفهموا أنها خدمة تطوعية, غير ملزمة, وأنهم يمكن أن يؤثروا علي مضمونها وفاعليتها وفائدتها وتوجيهها لما يرونه مناسبا.
لماذا لا نسمع أصواتكم الوطنية ضد أسوأ تفريط قومي, مثل الانضمام , كأرقام بلا قيمة, ومجرد أصوات, الي أحزاب لا تحترمهم كعرب, بقدر ما تريد أصواتهم وهيئاتهم العربية في الصورة.
هذا الواقع الأسود لا يقلق قادتنا الوطنيين . هذا لا يثير نقاشا سياسيا ومعارضة وهجوما ينضح بالهمة الوطنية شكلا والكاذبة مضمونا , كما علي مجموعة شباب لا يتعدي عددهم اليوم 500 شاب, يرون أهمية التطوع في خدمة الطلاب في مدارسنا وخدمة المرضي في مستشفياتنا, وخدمة الأهل في الأماكن التي تفتح لهم أبوابها الموصدة. وكما يقول المثل, الجنازة حامية والميت كلب!!
بالله عليكم : من أكثر شرفا وصيانة لشخصية شعبنا ؟
عشرات الآف المنتسبين من السابقين واللاحقين,لأحزاب لا تحترمهم, وتضطهد شعبهم وتميز ضده, وتواصل سياسة التنكر لحقوقه القومية, ولا تطلب إلا أصواتهم عند الضرورة, أم مئات المتطوعين في خدمة مجتمعهم وأهلهم؟
ربما ساهم الـ13 ألف عضو عربي في كاديما بهزيمة الجنرال موفاز, وتوفير الفرصة لفوز تسيبي ليفني. ولكن ماذا بعد فوز ليفني؟ هل من برنامج ينعكس إيجابيا علي المواطنين العرب في إسرائيل, أو علي الأقل علي عرب كاديما؟ هل ستتحسن معاملة اليهود لهم.. باعتبارهم أعضاء متساوي الحقوق في الحزب والدولة؟!
لست ضد النضال العربي اليهودي المشترك, هناك الكثير من القضايا المشتركة , وأري النضال المشترك طريقا وحيدا لإنجاز مكاسب للأقلية العربية المتمسكة بوطنها.ولكني ضد بيع كرامتنا لأحزاب لا تري زعامتها فينا, إلا عنصرا تسهل سياسته, لحسم المنافسة بين الصقور المتنافسة, والوصول إلي زعامة الحزب. بعدها لا شيء. لا دور. لا رأي. لا قيمة. ربما بعض الوظائف. أي قليل من الفضة. حتي ثمن الخراف المذبوحة لا تستعاد … فلماذا هذا المزاد العلني علي أصواتنا, وعلي شرفنا كمواطنين, وعلي حساب نضالنا الصعب من أجل حقوقنا؟ عرب الأحزاب اليهودية بمنتهي الانبساط لأن الوزير أكل علي مائدتهم. ازدادت قيمتهم وقوي فصهم !!
هل تفهم أحزابنا إن عدم المصداقية فيما يطرحون, ومن أية قضية كانت, يقود إلي الضلال السياسي, وفقدان التوازن الاجتماعي, ونسف الدور المدني لهم كأحزاب قيمتها الأساسية تتعلق بدورها في خدمة مجتمعها المدني؟ ألا يلاحظ قادة الحزب الشيوعي بالأساس, أننا نحقق تراجعات كبيرة عما أنجزناه من بداية النكبة حتي الثمانينيات من القرن الماضي ؟!
هل تفهم أحزابنا أن فقدان البوصلة الفكرية, لا يعفيهم من دفع الثمن غاليا بمصير شعب كامل؟ أم صارت ##حيد عن ضهري .. بسيطة ## .. سياسة متبعة؟!
هل حقا أن تكون عربيا لسيد يهودي في حزب يهودي, أشرف من أن تكون متطوعا في خدمة مجتمعك وأهلك ؟
لو جاء رفضكم للخدمة المدنية, علي قاعدة فكرية واضحة, ترفض الانضمام لأجسام سياسية يهودية, برامجها تخاطب الجمهور اليهودي فقط. أو لطرحكم اتجاها فكريا يعتمد علي رؤية واضحة لمراحل نضال العرب في إسرائيل , بدون ارتجال , بدون فضفضة قومية تهريجية , تفتقد لمضمون عقلاني يخاطب المنطق وليس المشاعر.. ربما عندها كنت سأفهم مواقفكم وتبريراتها. ولكن قيام الضجة والهجوم من اليسار واليمين العربي (رجاء لا ضحك .. يوجد يسار ويمين , ناس تأكل باليسار وناس تأكل باليمين) علي مشروع اجتماعي مدني تماما , يثير لدي جميع العاقلين الشكوك بمصداقيتكم وبنهجكم وأهدافكم . لذا ليس بالصدفة أن الأكثرية المطلقة من شعبنا (تقريبا 72%) ضد مواقفكم أولا .. ومع الخدمة المدنية لمجتمعهم وأهلهم ثانيا!!
ليس سرا أن ثلث الأصوات العربية تذهب للأحزاب اليهودية , دون جهد مماثل وبإشارة من السيد… بينما تبذلون جهدا هائلا من أجل الحصول علي الثلث الآخر من أصوات المصوتين العرب , ويبقي الثلث الثالث غائبا , قرفا واحتجاجا عليكم وعلي الأحزاب اليهودية سوية.
هل هذه التقسيمة تشير الي قوتكم السياسية أم إلي تفكك أحزابكم وعجزها السياسي والاجتماعي وانعزالها؟ وهل هذه التقسيمة تشير إلي مجتمع راق , أم تشير الي عجزكم عن مخاطبة أبناء مجتمعكم وإقناعهم بالتصويت لكم علي الأقل , لتواصلوا ## النضال ## من مقاعد الكنيست , ومن عواصم الملوك والرؤساء العرب الذين تتواصلون معهم ؟!
أري أننا نعود إلي قبليتنا بفضل نضالكم .. لا شيء يبعث علي الفخر في ظل هذا الوضع المأساوي. ألم يكن أجدر بكم يا قادة أحزابنا أن تكرسوا عقلكم وفكركم وجهودكم وإعلامكم لتوعية أبناء شعبنا علي المخاطر من مبايعة أسياد يهود في أحزاب لا يربطها رابط بقضايا مجتمعنا وشعبنا , وليسوا رفاق نضال أو معبرين عن مواقف دموقراطية بأحسن الأحوال؟
إذن ما الذي يحكم المعايير العقلانية في مجتمعنا؟ أنتم حاضرون غائبون . تشغلكم الصراعات الداخلية في تنظيماتكم . الجمود الفكري بات صفة شخصية وحزبية.لا حوار بين الأحزاب. مقال يعبر عن رأي محرر في صحيفة حزب علماني , يجر عليه اتهامات مخجلة من قادة أعلي هيئة في حزبه تتهمه بالزندقة والكفر والإلحاد.. ويصبح المقعدون فكريا منظرين وفلاسفة . والفقراء ثقافيا وعاظا ومسئولين عن أخلاق الناس . ويتلقي حزبه العلماني أوامر من تنظيم سياسي ديني ##بطرد الكافر الزنديق ##… ويستجيب الحزب !!
لا كلمات تعبر عن امتعاضي كمثقف وليس دفاعا عن شخص قد لا أوافق علي ما كتبه.
ما الذي يحكم سياسة أحزاب قامت بالأساس كتنظيمات للمجتمع المدني , قبل أن تصير تنظيمات لخدمة أفراد في الوصول الي مقاعد الكنيست والوظائف الرسمية الأخري؟
هذا الوضع المسكوت عنه يخيفني . يذكرني بكتابين ## عرب طيبون ## و ##جيش الظلال## للباحث اليهودي من جامعة القدس هيلل كوهن. حيث يكشف الباحث عن الشخصيات العربية الخنوعة التي باعت كرامتها ومصير شعبها مقابل بعض الفضة, وسمسرت لحساب الحركة الصهيونية ضد شعبها , بل وجندت فرق مقاتلين عرب لتحقيق الانتصار الصهيوني في العام …1948 مؤلم ؟ بل أكثر !!
تري هل تعلمنا شيئا؟ أم ما زلنا نتنافخ شرفا .. ؟!
هل يعيد التاريخ نفسه بصورة أكثر مأساوية وهزلية؟
هل تغيرنا؟
استبدلنا القمباز بالبدلة , والمختار بالأكاديمي .. ماذا مع العقل ؟
أترك الإجابة تحلق في الفضاء , لأنها مؤلمة ومحبطة , ولا أريد الخوض فيها , وأعترف أن كلمات اللغة العربية لا تملك القدرة التعبيرية لوصف الألم الذي يجتاحني كلما عدت لهذين الكتابين .وأقول لأحزابنا الغائبة عنا , الحاضرة في الكنيست, واصلوا السبات, ربما يزداد باستمرار عدد العرب ## الطيبين ## !!
وربما نصبح , مع الأكثرية الصامتة, جسما غريبا , في فضاء لا حياة لنا به.
نبيل عودة -كاتب ناقد وإعلامي- الناصرة