تحدثنا في العدد الماضي عن الخدمة كإحدي الوسائط..واليوم نكمل الموضوع بحديثنا عن:
سلسلة الوسائط الروحية17
ليست كل خدمة واسطة روحية ,فهناك من هلكوا وهم في محيط الخدمة,أو سقطوا وتعبوا..
مثال ذلك الابن الكبير الذي لم يفرح برجوع أخيه الضال ,ورفض أن يدخل البيت ولما خرج إليه أبوه يتوسل إليه قال لأبيهها أنا أخدمك سنين هذا عددها,وقط لم أتجاوز وصيتك.ولم تعطني قط جديا لأفرح مع أصدقائي..لو15:28-30.
كان في الخدمة سنين هذا عددها ,ومع ذلك كانت مشيئته غير مشيئة الآب,ولم يكن قلبه صافيا من جهة أخيه.
مثال آخر هو بعض ملائكة الكنائس السبع:
علي الرغم من أنهم كانوا رعاة للكنائس,إلا أن واحدا منهم قال له الربإن لك اسما أنك حي وأنت ميترؤ3:1كما قال لآخرلأنك فاتر,ولست حارا ولا باردا,أنا مزمع أن أتقيأك من فميرؤ3:16.وقال لثالث:إنك تركت محبتك الأولي.فاذكر من أين سقطت وتبرؤ2:5,4وذكر الرب لكل هؤلاء أسبابا جعلتهم وهم في قمة الخدمة في حاجة إلي توبة…
وآخرون من مساعدي بولس الرسول هلكوا تماما…
اولئك الذين قال عنهملأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مرارا,والآن أذكرهم أيضا باكيا وهم أعداء صليب المسيح,الذين نهايتهم الهلاك..ومجدهم في خزيهم,الذين يفتكرون في الأرضياتفي3:19,18ولعل من أمثلة هؤلاء أيضا:ديماس,الذي ذكره الرسول في إحدي المرات قبل القديس لوقافل24يعود الرسول فيقول عنهديماس قد تركنيإذ أحب العالم الحاضر2تي4:10.
كل هؤلاء ضاعوا,وغيرهم سقط وتاب.
ولم تكن الخدمة هي سبب ضياعهم.ولكنهم نسوا روحياتهم في مجال الخدمة.فسقطوا وبعضهم هلكوا..إذن يمكن أن تكون الخدمة واسطة روحية. ويمكن أن يسقط الإنسان فيها أو يهلك,إن لم يسلك بطريقة روحية فما هي إذن شروط الخدمة الروحية؟
1- أول شرط للخدمة الناجحة هو المحبة.
تحب الله,وتحب الملكوت,وتحب الناس.
والمحبة تولد محبة.إما إذا كنت تخدم وفي نفسك ضيق وتبرم وإن كنت تعطي مضطرا وفي النفس تذمر فهل تظن أنك تستفيد روحيا؟!
يحدث أحيانا أن بعض الناس يبدأون الخدمة وليس لهم الهدف الروحي السليم ولكنهم حينما يرون احتياجات المخدومين,ويلاحظون آلامهم وضيقاتهم,يتحرك في قلوبهم العطف عليهم والإشفاق فيخدمونهم بقلب محب وتكون هذه المحبة نتيجة للخدمة وليس سببا وتبدأ المحبة تمتزج بخدمتهم,وتعلمهم كيف يخدمون بعاطفة.
أشخاص يخدمون الفقراء ثم يجدون أن طلاب الحاجات يلجأون في طلبهم إلي الكذب والاحتيال أو يمتزج طلبهم بإلحاح متعب أو بضجيج وعلو صوت…فيتبرمون بهم وقد يطردونهم ويقسون عليهم.
أما القلب المحب,فإنه يحتمل متاعب هؤلاء…لأن المحبة تحتمل كل شيء1كو13:7.
فإن خدمت ووجدت أن أعصابك بدأت تتعب في الخدمة وأنك بدأت تحتد وتشتد علي الفقير إذا كذب واحتال أو علي التلميذ إذا عاند وشاغب أو علي الذين يفقدون النظام في الاجتماعات فاعرف أن في داخلك شيئا يحتاج إلي علاج.وأن الخدمة قد كشفت في نفسك عيبا كيما تصلحه..
لاتقل إن العيب في الخدمة ,إنما فيك..
قل لنفسك :ينبغي أن أوسع صدري,وأن أطيل بالي وأن أحتمل غيري مهما أخطأ وأن أضرب لهم باحتمالي مثلا يقتدون به.
أو أن تقول:لقد كشفت لي الخدمة أن هؤلاء الفقراء ليسوا فقط في حاجة إلي مال يسدون به احتياجاتهم إ نما هم أيضا في حاجة إلي عمل روحي يقودهم إلي التوبة ومعرفة الله وإلي السلوك السليم…وهكذا تبدأ في عمل روحي معهم,حتي يستفيدوا من الخدمة ماديا وروحيا…
ونفس الوضع مع التلاميذ المشاغبين ومع الذين لايحفظون النظام فيالاجتماعات …
إذن من شروط الخدمة الروحية أن تمتزج بالاحتمال.
كل خدمة فيها متاعب..وكل خادم -كما قال الرسول- سيأخذ أجرته بحسب تعبه1كو3:8وآباؤنا الرسل تعبوا كثيرا في خدمتهم..يقول القديس بولس الرسول عن خدمته هو وزملائه في الخدمة.بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام لله في صبر كثير,في شدائد في ضرورات في ضيقات في ضربات في سجون في اضطرابات في أتعاب في أسهار في أصوام…بمجد وهوان بصيت حسن وصيت رديء..2كو6:4-8.
ويقول أيضامكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين متحدين لكن غيريائسين..مضطهدين لكن غير متروكين مطروحين لكن غير هالكين2كو4:8:9ويشرح الرسول أمثلة من المتاعب التي احتملها في2كو11:23-29.يكفي قولهفي الأتعاب أكثرولكنه احتمل كل هذا واكتسب أكاليل من الاحتمال.
وكما نذكر بولس الرسول نذكر كثيرين من شخصيات والصمود يمنح الخادم قوة روحية من الرب.
يمنحه قوة في الروح فلا ييأس.كما يقويه أيضا في الرجاء مؤمنا أن الرب لابد سيتدخل ويصلح كل شيء..وهكذا ينال فضيلة أخري هي انتظار الرب.كما قال المرتل في المزمورانتظرالرب تقو وليتشدد قلبك وانتظر الربمز27:14..وهكذا قال في خبراته الروحية أيضا انتظرت نفسي من محرس الصبح حتي الليل مز130.
نقطة أخري تميز الخدمة وتسبب نجاحها وهي:
اهتم أن تكون خدمتك روحية وعميقة..
كثير من الناس خدمتهم مجرد نشاط يستهلك كل طاقاتهم:هم عبارة عن شعلة متحركة من الإنتاج والعمل ولكن بلا روح .مثل هذه الخدمة لاتفيدك روحيا لأن الله لانصيب له فيها…بل كثيرا ما يحدث أن هذا النشاط الحركي المتزايد,يعطل في مشغولياته العمل الروحي.
فتجد مثلا أمينا لمدارس الأحد له طاقاته الواسعة من جهة تطبيق المناهج وكراسات التحضير,واجتماعات الخدام واجتماعات الشباب والمكتبة والنادي والنشاط الصيفي وتسأله عن نفسه وروحياته ,فلا يجد لها وقتا.فتفتر حياته,وبالتالي تفتر أيضا خدمته,وتجدها مجموعة ضخمة من التنظيمات,بلا روح.لاتفيد حياته ولاتفيد الآخرين…
وتتحول الخدمة إلي أمور إدارية بحتة…
وربما يحدث هذا الأمر أيضا بالنسبة إلي الخدمة الاجتماعية ,وإلي خدمة الملاجيء,والمسنين والمغتربين,ومجالس الكنائس…وفي هذا العمل الإداري قد تكثر المناقشات والمجادلات والضجيج والصياح وربما المنافسات أيضا والحزبيات وفي هذا كله تضيع روح الخادم لأن الخدمة لم تتسم بالطابع الروحي ولم يكن الله شريكا فيها ولم تدخل فيها الصلاة ولا التنفيذ العملي للوصية.
حاول إذن في كل خدمة تخدمها أن تبعد عن الروتين والشكليات,وأن تدخل الله فيها ويكون لها الطابع الروحي…حتي في الأعمال الإدرارية فلتكن لهاروحانية الإدارة.وهذه عبارة تحتاج منا إلي موضوع خاص يشرح تفاصيلها…
فرق كبير بين رجل الله حينما يدير,وأهل العالم في إدارتهم.
إذن في خدمتك ,ابعد عن الأخطاء الروحية..
ابعد عن أسلوب الأمر والنهي وليكن لك روح الاتضاع وأدب التخاطب مع الصغير كما مع الكبير ..ومهما أوتيت من سلطة في الخدمة لا تكلم الناس من فوق ولا تتعال علي أحد ولا تدخل إلي قلبك روح السيطرة والتسلط وتذكر قول الربأكبركم يكون خادما لكم لأن من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع مت 23:11 وأيضا إن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين مت20:.28
لذلك لاتجعل الخدمة تفقدك وداعتك وتواضعك..
أن وجدت صوتك بدأ يعلو ويحتد في الخدمة ,لابد أن تحترس وتراجع نفسك وإن وجدت أنك بدأت تتحدث عن نفسك وما تفعله من أمور عظيمة,احترس أيضا لئلا شيطان المجد الباطل يحصد كل مازرعته في الخدمة وإن نظرت باحتقار إلي غيرك مقارنا بين مستواه ومستواك فاعرف أن الكبرياء قد دخلت إلي نفسك…ضع أمامك إذن قول الرسوللاحظ نفسك والتعليم وداوم علي ذلك فأنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا 1تي 4:16قل لنفسك باستمرار:أنا ما دخلت إلي الخدمة لكي أقع في خطايا جديدة إنما لكي أنمو روحيا:
في الخدمة أيضا احترس من الذات الـ EGO لاتجعل الخدمة وسيلة لكي ترتفع بها أو تبني كرامتك. فأنت فيها مجرد خادم للرب ,تقول عنه كما قال القديس يوحنا المعمدان ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنقص يو 2:20 أو كما قيل في المزمور ليس لنا يارب ليس لنا.لكن لاسمك القدوس أعط مجدامز115:1.
احترس من إنذار الرب للرعاة الذين يرعون أنفسهم حز24:8-10وليكن هدفك من الخدمة هو ملكوت الله وخلاص الناس…وليس نفسك وكرامتك.
الخدمة المفيدة روحيا هي التي تنسي فيها كلمة أنا.
وكل مشتقات كلمة أنا وتركيباتها والخادم الذي ينسي كلمة أنا ينسي أيضا راحته ووقته ولا يسعي إلي مديح أو كرامة ولا يحزن لعدم وجودهما. وأيضا يفضل غيره علي نفسه في كل أمور الخدمة كما قال الرسولمقدمين بعضكم بعضا في الكرامةرو12:10إن فعل الخادم هكذا يكون محبوبا من الكل وفي نفس الوقت لايفقد تواضعه في الخدمة…
والخدمة المفيدة روحيا هي البعيدة عن السياسات.
كثيرون دخلوا في الخدمة وبعد حين بدأوا يهملون أنفسهم ,وينشغلون بتدبير الخدمة,ثم يصطدمون بالكنيسة وكاهن الكنيسة ومجلس الكنيسة,والعاملين في الكنيسة ويتحدثون عن تصرفات هؤلاء وأولئك وما يفعلونه من خطأ ومن صواب,ويركزون علي الخطأ!وتصبح أخطاء الآخرين أو مايظنونها أخطاء هي موضع حديثهم الدائم وإدانتهم المستمرة.بل يتحولون من الإدانة إلي التشهيرويفسدون عقول غيرهم. والعجب إنهم يغطون كل مايقعون فيه من إدانة وتشهير بتبرير هو الدفاع عن الحق!!
وباسم الدفاع عن الحق يقعون في خطايا لاتحصي ويدخلون في خصومات وانقسامات ولكي ينتصروا في حروبهم يحاولون أن يكسبوا أكبر عدد ممكن ينضم إليهم في الإدانة والتشهير. ويتعكر جو الخدمة ويفقد روحانيته ويفقد روح المحبة,ويفقد الوداعة والبساطة!!وهل كل هذا من أجل الدفاع عن الحق؟دون أن يسأل نفسه:هل هذا هو الأسلوب الروحي الذي أدافع به عن الحق؟!ما أكثر الذين ضاعوا,وأضاعوا غيرهم وهم فيالخدمة!!
لكي تنتفع روحيا,اهتم في خدمتك بالعمل الإيجابي وليس بالسلبيات..
دع أمامك المثل الذي يقولبدلا من أن تلعنوا الظلام أضيئوا شمعةكن قدوة للكل وثق أن هذه في حد ذاتها رسالة وخدمة…واعرف أن العمل الإيجابي البناء هو الباقي علي الدوام ولا ينتقدك فيه أحد ولا تخطيء فيه إلي أحد أما الانشغال بالسلبيات,فإ نه يتعب فكرك وروحك وربما تصل به إلي أسلوب الهدم ويوقعك في خطايا كثيرة.
أليس الأفضل لك أنك لاتخدم,من أن تخدم بأسلوب يوقعك في الخطية؟!
وتصبح فيه عثرة لغيرك.وقد قال الربويل لمن تأتي بواسطته العثراتلو17:1.