ما هو سفر الرؤيا؟
إن سفر رؤيا القديس يوحنا غالبا لا نعرف عنه إلا الكوارث التي تعرض أحيانا في وسائل الإعلام, وما تبشر به الشيع المسيحية التي تنتمي إلي فكرة ##الألفية##.. وبإيجاز شديد فسفر الرؤيا هو كتاب ينذر بالشؤم والويلات, كما أنه كان ومازال مصدرا خصبا لكل التأويلات المستقبلية القاتمة, ومصدرا للحركات الثورية ـ أو العكس ـ وجل من يهتمون به مغتربون عن مجريات التاريخ البشري ويوظفونه لخيالاتهم المريضة.
كما نتعرف _ من خلال سفر الرؤيا- علي صور دينية قد يجهل الكثيرون أن سفر الرؤيا هو مصدرها: مثل ##الحمل الذي يحمل , المرأة الملتحفة بالشمس, والمحاطة بالنجوم, الواقعة فوق هلال القمر ونجد تحت قدميها وحشا أو تنينا##.
كما نجد صورة الملاك ميخائيل حاملا أدوات القتال ويعلو رأسه غطاء رأس المحاربين, وتحت أرجله الوحش مخترق بسهم الملاك ميخائيل. كذا نجد صورة المسيح في طفولته أو علي هيئة إمبراطور.
وتطالعنا بعض الكتابات عن روايات تتحدث عن ##المسيح الدجال## وهذا اللقب قد أطلق علي ##نابليون## و##هتلر## و##ستالين## كما أطلق وما زال علي بعض البابوات وتثير غيرهم كبارا وصغارا.
أضف إلي ذلك الحكايات والروايات التي تدور حول هذا السفر واللوحات التي استلهمت منه ##الدينونة الأخيرة وهي توحي بالويلات والتحذيرات: أنه منجم للعرافين والعرافات وكل محبي الروايات والديانات الباطنية السرية والخزعبلات.
كل هذه التصورات والتأويلات والأساطير كان مصدرها سفر الرؤيا للقديس يوحنا, وإن كان البعض منها قد يكون صحيحا… وكان مألوفا حتي الخمسينيات في القرن العشرين في أوربا والغرب. لا بل كانت تغذي جذور الكنيسة الأولي بصفتها كلمات بنوية ووحيا من الله.
وكانت مقبولة في حينها قبل أن تزدهر علوم الكتاب المقدس الحديثة. وما زلنا في مصر نتخيل ونفسر أشياء لا علاقة لها بما جاء في هذا السفر.
والحقيقة هي أن كلمة رؤيا Arocolypse تعني ##وحي من الله## أو كشف Revelation. وهدف المؤلف ليس إعلان الكوارث المستقبلية أو الحاضرة, ولكن الكشف عما يحدث دائما في تاريخ البشر ##الماضي والحاضر والمستقبل## والذي سيظهر جليا في آخر الأزمنة: أي الكشف عن الحضور الفعلي لله بصفته مخلصا للإنسان. هذا المخلص ليس إلا ##الحمل المذبوح## المجروح: يسوع المسيح, الذي رغم ضعفه الظاهر بصفته الحمل ##المذبوح## فهو واقف صامد.
فأمام العالم ##العدواني## الذي كتب في زمنه سفر الرؤيا, وفي قلب الكنيسة التي بدأ حبها لمخلصها يخمد, لا يزال المسيح الذي مات وقام هو ##الشاهد الأمين, الحي, والحقيقي## في زمن تسود فيه قوي الشر. ورغم سيطرة قوي الشر الظاهرة, فإن هذا الشاهد الأمين ينجو بنا إلي النصر المبين. لأن بموته وقيامته, هزم الشر بشكل نهائي ومطلق.
إن سفر رؤيا القديس يوحنا هو كلام نبوي قاسي, ولكنه يحمل في طياته رسالة رجاء, والرجاء ليس حلما رومانطيقيا وفرديا. بل إيمان كنسي يجد المسيحيون المنهمكون في معركة الإيمان فيه القوة والزاد اللذين يحملاهم علي العيش في الرجاء, رغم كل المهالك التي تواجههم.
إن إيمانا جبارا يحمله هذا السفر الذي كتب خصيصا لمسيحيين عاشوا في زمن مضطرب تحت وطأة الاستشهاد أو السجود للإمبراطور الروماني… وما زال مصدرا لشحذ إيماننا في الظروف العصيبة التي نعيشها في القرن الواحد والعشرين.
إن النفحة الإيمانية التي علينا أن نبحث عنها سنجدها في هذا السفر, أكثر مما سنجدها في كل القراءات العلمية أو الفنية أو الدينية أو الاجتماعية والسياسية التي تستطيع أن تقدمها ثقافتنا الماجدة الخالية من روح الله
تاريخ كتابة سفر الرؤيا
كتب سفر رؤيا يوحنا في عصر الإمبراطور الروماني ديمتيانوس حوالي عام 95 ميلادية. وبحسب شهادات العصر كان هذا الإمبراطور معروفا بأن عصره من أحلك عصور الإمبراطورية بعد عصر نيرون الطاغية عدو المسيحيين الأول. وهذا ثاني إمبراطور روماني بعد نيرون اضطهد المسيحيين بشكل مبرمج ومكرر.
ومن المعروف أن عصر دومتيان كان كله عصر صراع مستمر بينه وبين سلطة مجلس الشيوخ الروماني, بما فيهم مندوبو المدن الرومانية وحكام المقاطعات. لقد كان طاغية ودمويا, تحركه قسوة لا مثيل لها. وإذا كان الذين نفذ فيهم حد السيف جموعا غفيرة, فإن السبب يرجع إلي أنه كان يريد التخلص من العائلات الكبري التي كانت تنتمي إلي مجلس الشيوخ ليمحو كل من كان مصدرا لتهديد سلطته الشخصية المستبدة. وكل من كان تسول له نفسه تهديد عرشه, تحت أي مسمي ديموقراطي.
وللتدليل علي ما نقوله, يكفي أن نذكر كيف تخلص من أبن عمه, شخصيا وكان مسيحيا واسمه ##فلافيوس كلايمانس## وقد أصدر حكم الإعدام عليه في اليوم التالي لتعيينه قنصلا. وكانت الجريمة التي ألصقها به ##جريمة الإلحاد## وفعل نفس الشئ مع زوجته فنفاها إلي جزيرة نائية للسبب نفسه.. وعلينا ألا نقع في التفسير الأسطوري الذي يصف دمتيان بأنه ##المسيح الدجال## فالقضية لا تتعدي كونه أراد التخلص من خصومه السياسيين.