كما سبق أن صرح الدكتور بطرس غالي انعقد في القاهرة الأسبوع الماضي المؤتمر العام للمواطنة تحت رعاية المجلس القومي لحقوق الإنسان,وأصدر في ختام جلساته وثيقةإعلان حقوق المواطنةالتي تتضمن سجلا وافيا لموقف حقوق الإنسان ومدي احترام معاييرها في ملفات كثيرة تناولها المؤتمر,وكذلك التوصيات الخاصة بتعديل التشريعات وتطوير السياسات وإصلاح السلوكيات الحالية التي تتنافي مع معايير احترام حقوق الإنسان.
وبالرغم من بعض اللغط الذي سبق انعقاد المؤتمر العام للمواطنة والذي فسره البعض بأنه ارتباك تنظيمي من جانب المجلس القومي لحقوق الإنسان,وفسره البعض الآخر بأنه استبعاد تنظيمي من جانب المجلس لعناصر بعينها,إلا أن مضمون الوثيقة الختامية والالتزامات الواضحة فيها والدعوة لمتابعتها وتفعيلها خلال العام القادم 2008 لتقييم ما تحقق منها,تستحق منا جميعا أن ننحي جانبا أي شكوك أو هواجس قد تكون انتابتنا إزاء المؤتمر,وأن نوفي المجلس التقدير الذي يستحقه عن مبادرته تلك وأن نشارك المجلس جهوده الجادة نحو تفعيل وثيقة إعلان حقوق المواطنة لأن ما لايدرك كله لايترك كله,ولاتزال هناك أمور كثيرة تنتظر التغيير المرحلي الهاديء,وبدلا من العويل والبكاء علي ما لم يتم إ دراكه فلنعمل جميعا علي بلوغ التغيير حتي وإن كان خطوة محدودة تليها أخري ويكون التغيير الحقيقي في التراكم المـأمول.
وتنشروطني علي صفحات هذا العدد النص التفصيلي لوثيقةإعلان حقوق المواطنةتسجيلا وتوثيقا للالتزامات التي تدعو إليها لإصلاح أوجه الخلل في معايير حقوق الإنسان,أما القراءة في بنود الوثيقة فتكشف عن ملامح مهمة تستحق تسليط الضوء عليها فيما يلي:
** إن التعديل المهم بإدراج مبدأالمواطنةفي صدر دستور مصر عام 2007 يمثل تحديا تاريخيا يضع مصر علي مفترق طرق بالغ الأهمية علي تجانسها الوطني,فهو استحداث يمثل فرصة واعدة لتطورات إيجابية فيما يتعلق بالتوازن بين السلطات وحقوق المواطنين وفعالية المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
** إن سائر المباديء الدستورية تتصف بكثافة محتواها وعمقها ,ومنها تتفرع القوانين والتطبيقات,وتفعيل مبدأ المواطنة يحتاج إلي تطبيقات فرعية,والمجلس القومي لحقوق الإنسان والمشاركون في المؤتمر من رموز المجتمع المدني المصري ينظرون إلي إعلان حقوق المواطنةبوصفه إيجابا يأملون له من البرلمان والحكومة والمجتمع المدني قبولا ومشاركة..بحيث ينظر مجلسا الشعب والشوري في أمر تكليف لجانهما المختصة بدراسة هذا الإعلان وتقديم توصياتهما بشـأنه.
** يوصي إعلان حقوق المواطنةبأن يتم اعتبار عام 2008 هوعام حقوق المواطنةالذي يتم خلاله تفعيل حوار مجتمعي متعدد المستويات يهدف إلي إعداد التشريعات ووضع السياسات اللازمة لتعزيز مبدأ المواطنة وتحويله لبرامج عمل وواقع يلمسه المواطنون جميعا بلا تمييز من حيث الجنس أو الدين أو الطبقة أو الفكر أو الانتماء السياسي.
** المواطنة والبطالة:ضرورة عدم التمييز بين المواطنين في مجال إتاحة فرص العمل ووضع نظم معلنة وشفافة لشغل تلك الفرص بناء علي شروط موضوعية لاتحكمها إلا المؤهلات والإمكانات المهنية المطلوبة بعيدا عن الجنس أو العرق أو الدين أو الخلفية الاجتماعية أو الانتماء السياسي.
** المواطنة والأوراق الثبوتية:هناك بديلان لمكافحة التمييز بخصوص الأوراق الثبوتية ,أولهما حذف خانة الديانة من تلك الأوراق باعتبار ذلك أفضل ضمان لمكافحة التمييز بين المواطنين علي أساس الدين -خاصة في ضوء أن الاحتياج لمعرفة ديانة المواطن في بعض الأمور القانونية لايستدعي بالضرورة إثبات الديانة في الأوراق الثبوتية-وثانيهما,في حالة استمرار إثبات الديانة في الأوراق الثبوتية عدم الاقتصار علي الديانات السماوية الثلاث وذلك من منطلق حرية العقيدة,لأن حرمان أي مواطن من حقه في إثبات مايعتقده من دين يؤدي إلي حرمانه من حقوق المواطنة.
** المواطنة ومكافحة التعذيب:ضرورة أن تجعل وزارة الداخلية من حسن معاملة المواطنين واحترام الكرامة الإنسانية لهم -ولو كانوا متهمين أو مشتبها فيهم-أحد أهم معايير تقييم الأداء المهني لرجال الشرطة ,وأن يؤخذ هذا التقييم كمسوغ للمكافأة أو كسند للمساءلة.
** المواطنة ودور العبادة:حث مجلس الشعب علي سرعة إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة بحيث يخضع إنشاء وصيانة كافة دور العبادة لنفس القواعد وبحيث تحظي جميع دور العبادة بنفس الرعاية الاقتصادية والاجتماعية من جانب الدولة.
** المواطنة والمصريون في الخارج:ضرورة إتاحة الفرصة للمصريين المغتربين للمشاركة في العملية الانتخابية,بما في ذلك الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والتشريعية مع إتاحة حقهم في الترشيح.
** المواطنة والمنظمات غير الحكومية: ضرورة إعادة النظر في قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2004 لتعديل أحكامه للحد من القيود غير المقبولة وغير الضرورية التي يفرضها علي حرية إنشاء المنظمات غير الحكومية وأدائها لدورها في تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
*** تلك الملامح الرئيسية المهمة في وثيقةإعلان حقوق المواطنةوجميعها تمثل نظرة طموحة واعية نحو مستقبل حقوق المواطنة وحقوق الإنسان وتستحق أن نبادر جميعا بالمشاركة في مسار تفعيلها خلال عام …2008وعام 2008 هذا الذي يكرسه المجلس القومي لحقوق الإنسان كعام للمواطنة له مدلول خاص لدينا في وطنيفهو عام اليوبيل الذهبي في عمروطنيالتي تأسست عام 1958 والتي جاهدت خلال مسيرتها الصحفية نحو إعلاء وترسيخ مفهومالمواطنة…ومن هذا المكان أدعو إلي أن تتضمن أجندة احتفالنا بخمسين سنة من عمروطنيالعمل بجدية نحو تفعيل إعلان حقوق المواطنة وتوثيق العلاقة الأزلية الحميمة بين المصريين وبينهم وبين الوطن مصر.