انتهت مؤخرا وزارة التجارة والصناعة من إعداد مشروع قانون جديد خاص بإنشاء جهاز سلامة الغذاء.
يهدف المشروع الجديد لإحكام الرقابة والمتابعة المستمرة علي صناعة وإنتاج وتجارة السلع والمنتجات الغذائية بجميع أنواعها, وضمان حصول المستهلك علي غذاء صحي وآمن, طبقا للمعايير والاشتراطات القياسية المتفق عليها دوليا من قبل منظمة الصحة العالمية وهيئة الرقابة علي سلامة الأغذية بالاتحاد الأوربي والمعهد الأمريكي للمعايير الوطنية وهيئة المعونة اليابانية…ومن المقرر إحالة مشروع القانون الجديد قبل نهاية العام الحالي لمجلس الوزراء, تمهيدا لعرضه علي مجلس الشعب وإقراره في الدورة البرلمانية القادمة.. السؤال هو هل سينجح هذا الجهاز في القضاء علي عشوائية السلع الغذائية وضبط المنتجات الفاسدة والمغشوشة ومتي سيبدأ عمله فعليا؟
الاستقلالية المادية والإدارية
قال الدكتور محمود عيسي, رئيس الهيئة المصرية العامة لنظم التوحيد القياسي والجودة بوزارة التجارة والصناعة, إن مشروع القانون الجديد يمثل فكرا متطورا في إطار تجميع المهام والاختصاصات والقوانين المختلفة والتي تباشرها أكثر من جهة رسمية في الدولة في يد جهة حكومية واحدة مستقلة ماليا وإداريا. تتولي مهمة وضع التشريعات اللازمة للرقابة علي السلع والمنتجات الغذائية بأنواعها المختلفة, وذلك بما يضمن القضاء علي التداخل الموجود بين هذه الجهات والقوانين, وأشار عيسي إلي أن مشروع القانون جاء بمبادرة من القطاع الخاص الذي كان قد طرحه منذ عدة سنوات بمساعدة الوكالة الأمريكية للتنمية, وبالفعل بدأ يتم في نهاية العام الماضي إعداد وصياغة مواد القانون بصورة واضحة, وهي لا تتجاوز 24 مادة.
وأضاف أن الجهاز الجديد بما له من استقلالية تامة ستكون له الصفة التنظيمية والمسئولية الكاملة في تقييم أمان وصحة وجودة الغذاء المنتج محليا, والتأكد من مدي صلاحيته للاستهلاك الآدمي في جميع مراحله بداية من الزراعة حتي وصوله إلي المستهلك وطرحه في الأسواق الداخلية أو تصديره إلي الدول الخارجية, وكذلك الرقابة والإشراف علي السلع الغذائية المستوردة من الخارج قبل استهلاكها محليا, كما أن له سلطة الضبطية القضائية التي تمكنه من اتخاذ قرارات وإجراءات فورية ومباشرة بوقف أو إغلاق المصانع التي تتوافر تقارير وبيانات رسمية بشأنها من الجهات المختصة التابعة لها بإنتاجها سلعا فاسدة غير صالحة للاستهلاك الآدمي, وذلك بشكل مؤقت حتي يتم توفيق الأوضاع لتلك المصانع كما ستتم تغليظ العقوبات المالية الموقعة في حال المخالفة لتصل إلي 500 جنيه حد أدني, 50 ألف جنيه حد أقصي, أيضا ستكون للجهاز الجديد السلطة الكاملة علي جميع مراقبي ومفتشي الغذاء في مصر وتدريبهم وتنمية مهاراتهم وكفاءتهم المهنية بما يضمن أداء مهامهم علي أكمل وجه, وتقرر كذلك أن يتم التواصل اليومي مع المستهلك من خلال وجود خط تليفوني ساخن مجانا لتلقي شكاوي المواطنين, وعمل موقع علي الإنترنت لتوفير جميع البيانات والمعلومات والإرشادات الغذائية مع نشر تقرير سنوي عن أعمال الجهاز يكون متاحا لجميع المواطنين في كل مكان.
أما الهيكل التنظيمي للجهاز الجديد فهو يتشكل من ثلاثة جهات أساسية هي: مجلس أمناء عام يضم جميع الوزراء المعنيين الصحة والزراعة والصناعة والتجارة, وتتمثل مهمة المجلس في رسم وتخطيط السياسات الخاصة بحركة الرقابة وتداول المنتجات والسلع الغذائية في الأسواق المحلية, وتضم الجهة الثانية مجلس إدارة الجهاز ويتكون من ممثلين عن الوزارات السابقة والغرف الصناعية والتجارية ويقوم بدور ضبط وتنفيذ الرقابة والإشراف علي إنتاج وصناعة الأغذية المتداولة, أما الرئيس التنفيذي للجهاز فيتولي وضع آليات وبرامج التدريب لكافة العاملين بالجهاز والإشراف علي تنفيذها علي مستوي عال لإعداد كوادر بشرية قادرة علي مواجهة الوضع الحالي بكافة متغيراته.
زيادة الصادرات الغذائية
من جانبه أوضح الدكتور محمد فهمي صديق, أستاذ صحة الغذاء بالمعهد القومي للتغذية وأمين عام الجمعية المركزية المصرية لحماية المستهلك, أن قطاع السلع والمنتجات الغذائية من أكثر القطاعات تشغيلا للعمالة, فكل فرصة عمل مباشرة توفرها الصناعات الغذائية يقابلها أكثر من 10 فرص عمل أخري غير مباشرة في نفس المجال, ويلعب هذا القطاع دورا مهما في زيادة الصادرات إلي الأسواق الأجنبية.. من هنا أصبح وجود هيئة قومية مستقلة معنية بسلامة وأمن الغذاء أمرا حتميا للارتقاء بمستوي وجودة التنافسية للمنتجات المصرية, والحفاظ علي سمعة السلع الغذائية المصرية في مختلف الأسواق الأجنبية, وأيضا جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية لتنمية وتحديث قطاع الصناعات الغذائية, هذا إلي جانب أهمية الجهاز الجديد بالنسبة للقطاع الخاص الذي يعاني من تضارب وتداخل الجهات الرقابية القائمة علي مراقبة سلامة الغذاء في مصر, التي تضم الآن حوالي 17 جهة رقابية تعمل وفقا لمجموعة من القوانين والتشريعات يصل عددها إلي أكثر من 120 قانونا وقرارا وزاريا معظمها تقادم ولم يعد ملائما للتطورات الجديدة للتنمية الزراعية سواء للإنتاج الغذائي في مصر أو التصدير للخارج, وارتفاع معدلات الاستهلاك والإنفاق العام علي الصناعات الغذائية لدي مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية, وتوقع صديق أن الجهاز الجديد سيعمل علي حل هذه المشكلة وإعادة صياغة التشريعات والقوانين الحالية, وتحديد كل المعايير المناسبة للرقابة علي الغذاء المتداول والتحقق من سلامته قبل طرحه للاستهلاك المحلي عن طريق لجان متابعة متخصصة تم تدريبهم لإتمام المهمة بكفاءة.
المواصفات القياسية
أكدت الدكتورة نجوي خشبة, أستاذة الاقتصاد بكلية التجارة جامعة قناة السويس وعضوة الجمعية المصرية للتشريع والاقتصاد والسياسة, أن هناك أكثر من 500 ألف منفذ بيع للسلع والمنتجات الغذائية ومعظمها مصانع بئر سلم غير مرخصة تنتمي إلي القطاع التجاري غير الرسمي وليست لها أية سجلات تجارية رسمية لدي الغرف التجارية, هذا إلي جانب الصناعات الغذائية العشوائية في المنازل التي تنتج أغذية غير صالح للاستهلاك الآدمي, وأغلب هذه الصناعات توجد في المناطق والأماكن العشوائية التي لا يستطيع المراقبون والمفتشون أن يصلوا إليها بسهولة.
وأضافت أن المشكلة بدأت مؤخرا تتفاقم حيث امتدت هذه الصناعات لتشمل قائمة من أهم السلع والمنتجات الحيوية مثل الألبان والأسماك واللحوم بأنواعها المختلفة والحلويات وغيرها. لذلك فمن الضروري أن يهتم الجهاز الجديد ضمن خططه التنظيمية والإدارية بوضع لجان متخصصة تقوم بحصر هذه الجهات وإعداد برنامج شامل لإدماجها ضمن القطاع التجاري الرسمي.
وطالبت بالاهتمام بالعنصر البشري والعمل علي رفع مستوي أداء الأفراد القائمين علي مراقبة المصانع ومعامل الاختبارات بكافة أنواعها.