تعتبر كلية الهندسة في جامعة إيلينوي الأميركية بمدينة أوربانا-شامبين واحدة من أكبر وأرقى معاهد الهندسة في العالم، وتتميز بتاريخ حافل من الإبتكار والتفوق. وتتربع دائرة الهندسة المدنية والبيئية على أعلى قائمة برامج الدراسات العليا والمرحلة الجامعية الأولى في الهندسة وذلك بصورة متواترة.
ويقول ألبرت فالوتشي الرئيس المشارك ومدير برنامج الدراسات العليا في الهندسة المدنية والبيئية: “درجت أسبوعية يو إس نيوز أند ورلد ريبورت على تصنيف برنامجنا في مرتبة عالية.” ويذكر ان هذا التصنيف السنوي الذي ترعاه المجلة الأسبوعية يتابعه الطلاب وذووهم والأساتذة والمعاهد كونه واحدا من بين القليل من المؤشرات او التقييمات المستقلة حول نوعية البرنامج الدراسية رغم ان هذا التصنيف لا يخلو من المنتقدين.
والحقل العريق للهندسة المدنية، وهو الطرف النقيض للهندسة العسكرية، يختص بتصميم وبناء وصيانة الجسور والطرق والقنوات والسدود والمباني. ففي غابر الأزمان شيّد المهندسون المدنيون الأهرامات والحدائق المعلقة في بابل، وقنوات جر المياه الرومانية، وقناة السويس؛ وفي الحقبة المعاصرة، وبمساعدة مهندسين أعلى تخصصا، بنوا ناطحات السحاب في العالم.
وجاء في كلام فالوتشي: “إن من الأمور الفريدة في برنامجنا هي ان لدينا دائرة كبيرة، بل جامعة. وبرنامج دراساتنا يطال كل الإختصاصات الفرعية للهندسة المدنية والبيئية. وفي الحقيقة، لدينا برامج جيدة في جميع الحقول ولجميعها مواطن قوة.”
اما غدير هيكل، وهي طالبة دراسات عليا سورية، فتتفق مع فالوتشي قائلة: “لقد كانت في متناولي مجالات تدريس وأبحاث من الباب الأول في مختلف الحقول، وقد استمتعت للغاية بحضور صفوف دراسية حاضر فيها أعضاء هيئات تدريسية مرموقون ومميزون، وبالمشاركة في أبحاث علمية هي آخر ما توصّل اليها العالم. كما أن اتساع الخبرات في أوساط الأساتذة ونوعية مرافق الأبحاث تسهم إسهاما جليا في إشاعة بيئة أكاديمية بالغة الديناميكية والإنتاجية.”
وأهم جانب من خبرة جامعة إيلينوي ربما تتعلق بحقيقة ان طلابا أجانب، مثل غدير هيكل، يشكلون حوالي ثلث عدد طلاب برنامج الماجستير وحوالي ثلاثة أرباع مجموع طلاب الدكتوراة.
ويشير فالوتشي الى ان ثمة “الجانب الأكاديمي حيث يتسنى للطلبة ان يعملوا مع أستاذ شهير في مشروع متفوق هو آخر ما توصل اليه العلم. كما اعتبر أن ذلك تتمخض عنه خبرة ثقافية فذّة. فالطلاب يتفاعلون مع طلاب محليين ومع الكثير من سواهم من طلاب أجانب من بلدان أخرى. وفي العادة يكون هناك تفاعل إيجابي في الصف الدراسي او في المشاريع التي تنطوي عن لقاءات تضم فرقا تعمل معا. وفي الحقيقة أعتقد ان ذلك يتسم بأهمية ذات مغزى— اي التجربة الثقافية.”
وتوافق هيكل مع رأي فالوتشي حيث تقول: “استفدت إفادة جمة من المشاركة في التدريس والنشاطات غير الأكاديمية، هذا بالإضافة الى مشاريع أبحاث مختلفة تتسّم بالتحدي. وهذه الخبرات كان لها أبعد الأثر على تنميتي المهنية والشخصية.”
التركيز على البنى التحتية
خلال فترة لا بأس بها من القرن الماضي، كانت دائرة الهندسة في الجامعة تعرف بـ”دائرة الهندسة المدنية والصحية” لكن الجامعة بدلّت اسمها في التسعينيات من القرن المنصرم فصارت دائرة الهندسة المدنية والبيئية. ولفت فالوتشي الانتباه الى ان ذلك يعود الى ان الحقل توسّع وتجاوز مجرد معالجة الفضلات البشرية وتوفير مياه شقة مأمونة ليطال أثر التلوث البيئي على الجداول والأنهار والمحيطات، بل حتى انبعاثات ملوثات الهواء.” وأضاف انه كانت ثمة صلة في حقل الهندسة المدنية بين الأسس والمباني والطرقات والبنى المتصلة بها من جهة والماء ومياه الصرف الصحي من جهة ثانية.”
وشرح فالوتشي هذه النقطة بالقول: “في مجال الهندسة البيئية هناك الكثير من التداخل مع الناس الذين يتخصصون ببيولوجيا الجزيئيات. اذ يقوم باحثون بالكثير من رسم الخريطة الجينية والحمض النووي وما شاكلها من أمور لا يقرنها المرء عادة بالهندسة البيئية. ويركز برنامجنا للهندسة المدنية على البنى التحتة ولهذا، هناك صلة مباشرة الى حد كبير مع الخير العام والنفع الإجتماعي. ولهذا إننا نستقبل العديد من الطلاب من الدول النامية الذين يقصدوننا.”
ومضى فالوتشي قائلا: “لدينا مرافق أبحاث ممتازة للغاية ولدينا الكثير من الأبحاث الممولة من الخارج الجارية في دائرتنا. لذلك، هناك الكثير من فرص الأبحاث. وأعتقد اننا نفيد كذلك من كونها في كلية الهندسة – لكن هناك دوائر أخرى ممتازة. فنحن نفيد من التفوق من حولنا في دوائر أخرى وبالتالي يمكننا أن نتعاون معها في كلية الهندسة وفي أماكن أخرى في حرمنا الجامعي.”
وفي الحقيقة فان الأبحاث في الكلية ككل استقطبت أكثر من 167 مليون دولار من أموال الأبحاث خصصت لما يزيد على 1900 مشروع ولحوالي 650 باحثا ولآلاف طلاب الدراسات العليا والمرحلة الجامعية الأولى.
كما أن أسبوعية “يو إس نيوز” وضعت في المرتبة الأولى برامج المرحلة الأولى في تخصصات مثل هندسة المواد والهندسة الزراعية وبرنامج الدراسات العليا في فيزياء المادة المكثفة. وصنفت أغلب البرامج الأخرى في أعلى 10 رتب على صعيد قومي. وطبقا لـ”الترتيب الأكاديمي لجامعات العالم” في العام 2007، حلت جامعة إيلينوي في المرتبة الثالثة في حقول الهندسة والتكنولوجيا وعلوم الكومبيوتر.
ودائرة الهندسة المدنية والبيئية بجامعة إيلينوي دائرة ضخمة اذ تعد 564 طالب دراسات مرحلة أولى و362 طالب دراسات عليا، كما أن طلاب المرحلة الأولى البالغ عددهم 5600 طالب وطلاب الدراسات العليا الـ2500 موزعون على 12 دائرة في كلية الهندسة. ومن طلاب الدراسات العليا في الهندسة المدنية هناك 168 مسجلون في برنامج الماجستير و194 في برنامج الدكتوراه. كما أن حوالى ربع الطلاب في البرنامجين المذكورين هم من الإناث.
ومنذ ان وضع المصري القديم إمحوتب تصميمات هرم سقارة، كان هناك طلب على مشتغلين مهرة في الهندسة المدنية. وحاليا، استنادا لفالوتشي، فان سوق العمالة للمهندسين المدنيين في الولايات المتحدة ساخن لدرجة انه بات في “منتهى الصعوبة إقناع طالب محلّي بالبقاء في الجامعة لمتابعة دراساته حتى مستوى الدكتوراة” بعد حصوله على شهادة ماجستير.
يو اس جورنال