تايلاند…أول شئ يتبادر إلي ذهنك عندما تسمع اسم تايلاند,هو الوجوه الباسمة وكرم الضيافة وعالم آخر لا تستطيع أن تحدد ملامحه.ظلت هذه الصورة تراودني وأنا في الطائرة من أمستردام إلي بانجوك في رحلة طويلة تقطعها الطائرة في أكثر من عشر ساعات متواصلة دون توقف…بمجرد أن تطأ قدماك أرض مطار بانجوك تنجذب بفخامة ونظافة المطار وبمجرد خروجك منه تبدأ رحلتك في اكتشاف عالم مختلف جديد.
أول شئ تلاحظه في بانجوك ازدحام المرور,وتحاول أن تتأقلم مع نظام السير علي اليسار,كالنظام الإنجليزي,كما تلاحظ الكثافة السكانية العالية وتري علي جانبي الطريق محلات وبيوتا تشبه إلي حد كبير أحد أحياء مصر الفقيرة,ولأنك سائح في هذا البلد الفقير يحاول سائق التاكسي استغلالك,إلا إذا تنبهت أن التاكسي هناك يسير وفقا للعداد,فلا تعطي السائق فرصة لكي يستغلك. وبمجرد وصولي إلي فندق أماري الياباني الإدارة,والذي حجزت فيه من مطار بانجوك وجبة حفاوة الاستقبال اليابانية الشهيرة,والأدب غير المتناهي في التعامل والحرص علي الاطمئنان علي راحتك كما لو كنت النزيل الوحيد في الفندق,أما عن النظافة فلا أستطيع وصفها,نظافة وأناقة ومعاملة لم أجدها في أشهر الفنادق التي أعرفها.
بدأت جولتي في العصمة التايلاندية بانجوك من أول يوم…الشوارع مزدحمة جدا,وضيقة,السيارات والتاكسيات والأوتوبيسات في طوابير مستمرة,وبالشارع عدد كبير من الدراجات البخارية والتوك توك (تايلاند هي مخترعة التوك توك),وتقطع بانجوك ثلاثة طرق رئيسية,أشهرها طريق سكومافيت والذي به معظم الفنادق والمطاعم وأشهر المحلات وأماكن الترفيه,ومنذ سنوات قليلة كان لابد من إيجاد حل لمشكلة المرور المزمنة والازدحام,فأنشأت بانجوك المترو المعلق داخل كوبري علوي يقطع العاصمة كلها تقريبا,وسمي سكاي تراين,المترو كل خمس دقائق,وشيك جدا ومكيف,وخرائطه واضحة وسهلة. وأثناء سيرك في الشارع تجد معظم الشوارع الرئيسية مزدحمة بأكشاك بيع مختلف البضائع,والأسعار طبعا بالفصال,يتجمع معظم السياح الأوربيين والأمريكيين والأستراليين في منطقة سيكوموفيت,والتي تمتلئ بالمطاعم…المطعم التايلاندي يتميز بالتوابل الحريفة والشطة,من أشهر أكلاتهم شوربة توم يونج كونج,معناها شوربة الجمبري,ولكني أعتقد أنها شوربة شطة مضافا إليها جمبري!,ويقولون لك: إن لم تدمع عيناك وأنت تأكلها فالشوربة ليست أصلية,معظم وجباتهم عبارة عن أرز أو ما يشبه الشعرية مع سمك ودجاج,التايلانديون يحبون جدا الأكل في مناضد تقام علي الأرصفة,ولكني لم أجربها,فقد كنت في غاية الاحتراس من تلوث الطعام,لدرجة إني كنت أتخيل أن مرض التيفود أساس تسميته التاي فود (أي الطعام التايلاندي باللغة الإنجليزية!!) ولكني وجدت المطاعم نظيفة والخدمة في منتهي الذوق والأدب,فالتايلاندي يحييك دائما بابتسامته ويضم كفي يديه علي صدره بحركة تدل علي الأدب والاحترام.
اثناء تجوالي في بانجوك وجدت نفسي داخل الحي العربي حيث يميزه أن المحلات والمطاعم والفنادق به تحمل لافتات بأسماء عربية ومصرية وباللغة العربية,فجلست في إحدي المقاهي المصرية هناك,والتي تبيع الشيشة والشاي والنعناع وأم علي,بجانب الأكلات المصرية,وعلي الناصية من الجهة المقابلة توجد عربات تبيع الأكل في الشارع.
اليوم التالي لزيارتي ذهبت مع فوج سياحي لزيارة القصر الملكي,وأشهر معابد بوذا,زرنا قصرا فخما أنيقا,لكن الملك الحالي لتايلاند -الملك رامانويا- أي راما التاسع,هجره منذ سنوات وقرر ألا يعيش فيه,وبني بدلا منه قصرا كبيرا آخر في بانجوك أيضا يعيش فيه مع زوجته وولي العهد,تسير حوله السيارة في حوالي 20دقيقة,وهو محاط بالأشجار الكثيفة التي تحجب رؤية ما بالداخل احتراما للخصوصية.
وفي معبد بوذا كان لابد أن نخلع أحذيتنا عند الدخول بعد أن نبهنا المرشد السياحي بأن ملابس السيدات والرجال لابد أن تكون في منتهي الحشمة والاحترام,وممنوع منعا باتا التصوير داخل المعبد,…المعبد مهيب…الراهب البوذي بملابسه البرتقالية المعروفة. يجلس في وضع التأمل في مكان محاط بالسلاسل,يتأمل كما لو كان معزولا في عالم آخر تماما,الزائرون المؤمنون بالبوذية يصلون ويبتهلون ويسجدون في منتهي الخشوع,ويشعلون الشموع أمام تماثيل بوذا,يوجد في أعلي المكان تمثال لبوذا مكسوا بملابس ذهبية ويقوم ولي العهد بنفسه بتغيير هذه الملابس ثلاث مرات في السنة مع تغيير فصول السنة (ثلاثة فصول وليس أربعة) 95% من التايلانديين يعتنقون الديانة البوذية, و3%مسلمون, و1%مسيحيون, و1% من ديانات أخري.
اليوم الثالث ذهبت مع مجموعة سياحية في رحلة بالمركب إلي مدينة فقيرة جدا,تمثل مستوي الحياة للأسر الفقيرة التي تعيش في مراكب أو بيوت بسيطة جدا علي النهر,ماء النهر يميل إلي اللون البني…لا يستطيع أحد أن يسبح فيه لأنه مملوء بالجراثيم والبلهاريسيا,أخذنا المركب إلي ساحة صغيرة أقيم بها عرض للثعابين,وتشجعت أن ألتقط صورة مع ثعبان كبير علي صدري. وفي المساء قضيت الوقت في السير في الشوارع بلا هدف سوي التمتع بالمكان والتمتع بالنظر في وجوه الناس.
وفي صباح اليوم الرابع ذهبت في رحلة جماعية لزيارة معبد فات ترافيت,والذي يشتهر بأنه يضم تمثال بوذا الذي يزن خمسة أطنان ونصف من الذهب الخالص ويذكر أنه وجدوه بطريق الصدفة لأنه ظل لسنوات طويلة جدا مطمورا في التراب,وعندما شرعوا في نقله تعرض لشرخ في الرقبة,فلاحظوا أن الشرخ يعكس لمعان الضوء وأخذهم الفضول لأن يحفروا داخل الشرخ,ففوجئوا بأنه من الذهب الخالص,إحساس غير عادي ينتاب الإنسان عندما ينظر إلي هذا التمثال وهو يقارنه بحقيقة نفسه وإمكانياته وثرواته وقيمته الحقيقية.
في اليوم الخامس لي في تايلاند,سافرت من بانجوك إلي مدينة باتايا,لأري عالما من نوع خاص,لم أر مثله من قبل.
مدينة باتايا تبعد عن العاصمة بانجوك مسافة 180كيلومترا,وهي مدينة ساحلية تطل علي المحيط التايلاندي,تعيش علي السياحة,مشهورة عالميا بالبارات وأماكن السهر,وشهرتها ترجع إلي الحرب العالمية الثانيةحيث كانت ملتقي الجنود من كل القارة الآسيوية للترفيه عنهم وعن بعدهم عن أوطانهم وأسرهم,في باتايا وجدت الفنادق أعلي سعرا والخدمات أقل بكثير من بانجوك,مستوي الحياة أغلي,البارات والمطاعم والكافيتريات مملوءه عن آخرها,مازال الفكر المسيطر علي عقلية سكان باتايا أن السائح يأتي إلي هناك فقط للسهر والترفيه,وعندهم عبارة رأيتها مكتوبة كثيرا في محلات الهدايا ومكتوبة علي الفانلات,تقول العبارة الولد الجيد يذهب إلي الجنة والولد السيئ يذهب إلي باتايا.
توجد في باتايا مساحة بسيطة للعائلات فيوجد شارع مخصص للمشاة مزدحم بالمحلات المختلفة ومطاعم المأكولات البحرية والتي تطل جميعها علي المحيط التايلاندي,ومملوء بالإعلانات المضيئة,وازدحامه المستمر مع ازدحامات البارات والمطاعم بالجنسيات المختلفة يعطيه طابعا مميزا,ومتعة خاصة في التمشي والتسوق فيه. قضيت ثلاثة أيام ممتعة في باتايا,أستمتع بالسير لمسافات طويلة علي الشاطئ صباحا,وفي الشارع التجاري مساء,واستمتع بالتأمل في الوجوه والمحلات والشوارع,كما يمكنك الاستمتاع بالمساج التايلاندي الشهير,والذي يساعد كثيرا في علاج الجسم من الأمراض,توجد مركز صحية متخصصة للمساج,تقضي فيها أوقاتا من الراحة والاستجمام في منتهي المتعة,لا تريدها أن تنتهي.
انتهت في اليوم الثامن هذه الإجازة القصيرة في بانجوك وباتايا,وانتهت معها فترة من متعة التعرف علي عالم جديد والإحساس بجمال وسحر الشرق.
ميلاد فايز موسي