يروي لنا لوقا الإنجيلي في الفصل الخامس الصيد العجيب قصة السيد المسيح مع بطرس الرسول عند بحيرة جينصارت التي يطلق عليها اليوم بحيرة طبريا وهي اختصار لكلمة جنة السرور.
في هذه المعجزة تظهر بوضوح ثمار الطاعة لله ولأوامره ووصاياه, وهذا جيد لنكتشف أن الوصايا لم توضع لخنقنا نحن البشر, بل لنمسك سمكا كثيرا! هكذا وخلافا لكل منطق بشري, فإن من يثق بكلمة الله ويعمل __ا يحوز نعما كثيرة في حياته, إنه يشعر وبوضوح أن الله يجترح في حياته اليومية عجائب وآيات كثيرة , يمده بالعون في كل احتياجاته الروحية والمادية. وهذا إن حدث في حياتنا لا يجب أن يقودنا إبدا إلي الاستكبار بل إلي الاتضاع والاعتراف مع بطرس ##إني رجل خاطئ##. شعور الإنسان بفساده وضعفه ومحدوديته لا يمنعاه من إتباع الرب, فجماعة المؤمنين هم أناس مدعون لإتباع يسوع رغم إنهم خطأة. فالرب لم يأت من أجل الأصحاء بل من أجل المرضي و الخطأة, ونحن بالتصاقنا بالرب نتخلص شيئا فشيئا من فسادنا وخطايانا ونصير أصلح. بعد اعتراف بطرس وانذهاله من المعجزة قال له الرب: ##لا تخف فإنك من الآن تكون صائدا للناس##. ثق لا تخف يا بطرس, لا تخف يا إنسان اليوم, لأن الرب معك. حضور الرب معك ومعي ومعنا هو منبع الطمأنينة فينا, وليس أي شيء آخر, ينقصنا اليوم هذه الخبرة الشخصية مع الرب, هذا الدخول إلي العمق حتي لا نقف كثيرا علي الشاطئ حيث لا صيد ولا سمك. لنصير صائدين للنفوس وقادرين أن نربح الناس للمسيح. لا نستطيع أن نجذب الناس ونشدهم إلي المسيح ما لم ننجذب نحن إليه أولا بكليتنا وبسخاء كبير , ومسؤولية ربح النفوس هي مسؤوليتنا جميعا كهنة ورهبان ومكرسين وعلمانيين, وتقع علي كل مؤمن حقيقي بالمسيح. من حاز المحبة الواعية الباذلة في قلبه والصبر في روحه يكون قادرا أن يجذب الناس إلي المسيح. نحن بسلوكنا الصالح وبلطفنا ووداعتنا ونزاهتنا وصدقنا نستطيع أن نأتي بالبشر إلي المسيح, ونأتي أولا بالذين يضعهم الله في طريقنا هؤلاء جميعا علينا أن نحبهم دون تفرقة في الدين أو العرق أو اللون أو الطبقة الاجتماعية.
ننحني أمام آلامهم وما أكثرها اليوم في هذا الزمن نأخذ علي أكتافنا عذابا__م ونحملها معهم, متممين كلمات بولس الرسول ##احملوا بعضكم أثقال بعض وهكذا أتموا ناموس المسيح##. هكذا نكون قادرين علي الوصول إلي قلوب الناس وانتشالهم من بحر همومهم بصنارة المحبة الصامتة والصادقة.
رأي بطرس الرسول الصيد الكثير فلم يهتم بالصيد من ذاته إنما بالأكثر استنارت أعماقه منجذبا لشخص المسيح صاحب السلطان علي السماء والأرض والبحار فسجد له علي ركبتيه وشعر بمهابة تملأ أعماقه مكتشفا خطاياه الداخلية أمام رب السماء والأرض. فلم يقو علي إدراك هذا النور الفائق, وشعر بالعجز عن الدنو منه معترفا بخطاياه. لقد صرخ ##اخرج من سفينتي## إحساسا بالمهابة الشديدة فاستحق في اتضاعه, وإدراكه لضعفه أن يدخل الرب أعماق قلبه ويقيم فيه مملكته. اتضاع بطرس الرسول لم يكن كلاما أو عاطفة بل هو تفاعل مع العمل الحي, إذ قيل عنه وعن الرسل: ##لما جاءوا بالسفينتين إلي البر تركوا كل شيء وتبعوه##.. تركوا كل شيء ليكرسوا كل القلب لمن أحبوه, بالعبادة الحقة والكرازة. وكأن الاتضاع ليس مجرد شعور بالضعف إنما هو الارتماء في حضن العريس السماوي ليعيش الإنسان بكل قلبه وطاقاته لحساب العريس وبإمكانياته.
يسوع ينادي يا فلان يا فلانة يا جميع الأحباء تشجعوا ألقوا شباككم للصيد أي ضعوا ثقتكم في ولا تخافوا, وأمنوا بكلامي وسترون العظائم. وأنكم ستكونون منتصرين دائما فعندما نطيع أوامر الله, فهذه الطاعة تعطي بركة ونعمة لنا وللذين حولنا ولبيتنا أكثر مما نتوقع ونتصور. ألقوا شباككم للصيد أي الأيمان الشخصي لكل واحد من التلاميذ ومنا بكلام السيد المسيح علي مثال بطرس الرسول الذي قال: ##ولكن بكلمتك ألقي الشبكة##. ألقوا شباككم للصيد تعني أن نتخطي الواقع المحبط والسيئ واستبداله بالأمل والرجاء والاتكال علي الله.ألقوا شباككم للصيد تعني تحدي المستحيل, لأن أفضل وقت للصيد هو الليل حيث يصعد السمك إلي سطح المياه. وقد تعب بطرس ورفقائه كل الليل بدون أية فائدة. فكان من المستحيل أن يحاولوا في النهار حيث ينسحب السمك إلي عمق المياه. فإلقاء الشباك يعني طاعة الله بالرغم من الظروف الصعبة, لذلك علينا سماع كلام الله ووضعه مكان التنفيذ. فإن كان هدف المعجزة جذب بطرس ولكن عندما امتلأت سفينة يعقوب ويوحنا فقد تركا بدورهما الشباك وتعب الليل وتبعا المسيح .