وتلاقي كلام الحكيم مع كلام الأنبياء الذين حذروا مرارا من خطر نسيان العهد والسكن في أرض تسودها عدم العدالة.ونلفت النظر إلي أن النبي هنا لا يقصد في الأساس الإهانات الموجهة لله الذي أعطي الأرض ولكن يركز علي الكوارث التي حلت علي الفقراء الذين جردوا من أرضهم التي كانوا موعودين بها.
ومن هنا فإن يسوع يجد مكانه في التقليد النبوي ويعلن عن مملكة في الوقت نفسه فتتحقق هنا والآن ولكن مازالت غير مكتملة وفي هذه المملكة سيجد الفقراء فيها الأماكن الأولي restetuee في مجمل الإنجيل كان هذا الوعد المعطي للفقراء بوراثة الأرض يظهر علي أنه الموجه الذي يميز مملكة الدهر الآتي أو نهاية الأزمنة التي بدأت ليسوع.
ولكن هذه المملكة ليست مرتبطة بأرض معينة ,فهو تولد وتنمو في كل مكان في العالم حيث يمارس تلاميذ يسوع هذه التطويبة:
طوبي للودعاء فإنهم يرثون الأرض فالودعاء هم الذين علي موعد مع ميراث الأرض وليس الجبابرة الذين يمتلكون القنابل النووية والعنقودية..
4ــ ليس ههنا ولا في أورشليم:
لقد لخص يسوع نتائج كشفه عن ملامح ملكوته ,أرض هذه الملكوت وحدودها.وذلك في إنجيل يوحنا فصل 4 في حواره مع الامرأة السامرية. فهو يذهب إلي أبعد ما يمكن تصوره من جعل أرض الميعاد مجرد عنصر ثانوي فقد محوريتها التي استمرت في العهد القديم لتتحول بمجئ يسوع وموته وقيامته مجرد حلقة من حلقات تاريخ الخلاص. فعلي السؤال الذي طرحته المرأة السامرية علي يسوع حول المكان الحقيقي للعبادة.هلي في جيرازيم أم من أورشليم؟ يرد يسوع في إنجيل يوحنا فصل 21/4 ــ24 صدقيني ياامرأة يحين وقت يعبد الناس فيه الآب ,لا في هذا الجبل ولا في أورشليم.وأنتم السامريون تعبدون ما تجهلونه ونحن اليهود نعبد من نعرف لأن الخلاص يجئ من اليهود ,ولكن تجئ ساعة ,بل جاءت الآن ,يعبد فيها العابدون الصادقون الآب بالروح والحق.
هؤلاء هم العابدون الذين يريدهم الآب .الله روح وبالروح والحق يجب علي العابدين أن يعبدوه.
إن ما نفهمه من كلام يسوع للمرأة السامرية هو رفضه للطابع المتسلط والمعياري الذي يحدد مكانا معينا فقط للقيام بعبادة الله.فمن وجهة نظره :إذا كان الله روحا,فإن قلب كل إنسان مؤمن مملوء بالروح وبالتالي يصبح قلب كل إنسان مكانا باطنيا وبشكل مستمر مهيئا لعبادة الله.
إن يسوع هنا ينتقد ضرورة وجود أرض محددة لإقامة علاقة تعبدية مع الله ,وحينما يصرح بأن الخلاص يجئ من اليهود في يوحنا فصل 4/.22 فهو يعترف بأن بلوغ هذه العبادة الروحية وتحققها الفعلي كان يجب أن يسبقها وجود أرض محددة ومقدسة علي مدي تاريخ الخلاص.فهو هنا يؤكد علي استمرارية طريق الخلاص الذي يأتي من اليهود هو كل الوقائع والأحداث التي توالت علي هذه الأرض المقدسة أرض الميعاد وذلك من خلال الشعب اليهودي.
رغم هذا التكامل بين العهد القديم والجديد فإن يسوع يعلن القطيعة التي حدثت بمجيئه علي الأرض بين العهد القديم والعهد الجديد,فمملكته هو تختلف عن المملكة التي كان يريدها معاصروه من اليهود.
فهي مملكة لا تحتاج لأرض محددة أرض الميعاد لكن هذه المملكة تتأسس علي الإيمان بشخص يسوع نفسه وبحياته علي الأرض وبتعاليمه فنحن هنا أمام طفرة خلاصية فأرض الميعاد كمكان محدد للخلاص تفقد معناها ويحل محلها الإيمان بشخص يسوع إذ هو المكان الجيد والنهائي لبداية مملكته.وقلب الإنسان يصبح المكان الذي فيه يلتقي الإنسان بالله من خلال روح الله الذي يسكن في هذا القلب.