تتجه وزارة التربية والتعليم في الآونة الأخيرة لإدخال أساليب متطورة,من أجل النهوض بالعملية التعليمية,وعلي الرغم من اتخاذها العديد من القرارات التي من شأنها أن تغير النمط التعليمي,بعد تفشي الفساد به إلا أن بعض خبراء التعليم اختلفوا مع ما تبذله الوزارة من جهود,فهناك من يري أنها خطوة للأمام,ومن يعتبرها ارتدا للخلف,وهناك فريق ثالث يتهم الوزارة بزيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء.
حول المقترحات الخاصة بالعملية التعليمية,خاصة في المرحلة الثانوية من إلغاء الكتب الخارجية وتطبيق الامتحانات الرقمية,بجانب تدريس اللغة الفرنسية لطلاب المرحلة الإعدادية تقدم وطني هذا التحقيق.
أنظمة حديثة للتطوير
في البداية أكد الدكتور يسري الجمل -وزير التربية والتعليم- أن هناك العديد من المشروعات والأنظمة الحديثة سيتم تطبيقها هذا العام والتي من شأنها أن تساهم في عملية تطوير وإصلاح التعليم في مصر,الذي يعد من أولويات البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك وأولها اقتراح المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية بوقف ترخيص الكتب الخارجية,حيث إنها ترهق ميزانية الأسرة بمعدل 7مليارات جنيه سنويا دون داع,وكذلك لمنح الكتاب المدرسي باعتباره الأصل والدقة في العملية التعليمية,كذلك فإن حقوق الملكية الفكرية لا تنطبق علي الكتب الخارجية,لأنها تقوم بسرقة أفكار الكتاب المدرسي,حيث تقوم بإعادة صياغتها وتقديمها للطلاب,وهي تعتبر أحد أهم أسباب انتشار الدروس الخصوصية في مصر.
أضاف د.الجمل,أنه بدءا من هذا العام سيتم تدريس اللغة الفرنسية لكي تدرس بالصف الأول الإعدادي,وذلك لاستفادة الطلاب منها بجانب إيجادها قبل دخول المرحلة الثانوية,لإعطاء الطالب قدرة أعلي علي فهم اللغة وسيتم بدء هذه التجربة في 6محافظات هي: (الإسكندرية, الغربية, الإسماعيلية, قنا, بورسعيد, الأقصر) وسوف تنضم إلي درجات المجموع الكلي للطالب وتحدد لها 20درجة,كما سيتم تدريسها لفترة واحدة,حصتان في الأسبوع لطلاب تلك المحافظات,أي بمثابة ساعتين فقط.
بالإضافة إلي تطبيق نظام الامتحانات الرقمية للثانوية العامة والتي تعتمد علي الاختبارات سريعة الإجابة,وذلك لضمان عدم الغش وإتاحة الفرصة للطلاب للالتحاق بالجامعات المستحقة لهم وجار الآن إخضاع هذه التجربة للعمل الفعلي عن قريب.
بنك الأسئلة
قال د.إبراهيم سعد المستشار الفني لوزير التربية والتعليم,إن فكرة ##بنك الأسئلة## نظام جديد ينتظر تطبيقه لأول مرة في تاريخ التعليم,خاصة بالثانوية العامة,لتفادي عدة ظواهر كانت تحدث في الماضي,مثل الغش وتسريب الامتحانات,ولهذا انتهي المركز القومي للامتحانات التابع لوزارة التربية والتعليم,بناء علي توصيات وزير التربية والتعليم من إعداد الامتحانات في المواد الدراسية المختلفة,حيث يهدف هذا البنك إلي حل مشكلة أخطاء الامتحانات وتصحيح الثانوية العامة,وسيطبق مواصفات دقيقة في تقييم الطلاب,بعيدا عن المؤثرات النفسية أو الاجتماعية أو الشخصية,بجانب الدقة في تقييم مستوي الطالب علميا لتلافي الأخطاء.
الامتحانات الرقمية…الحل الوحيد
أوضح الدكتور سليمان الخضري,مدير المركز القومي للامتحانات السابق,أن المشاركين في هذا المشروع يبلغ عددهم نحو 75خبيرا في مختلف التخصصات والمواد,فهم أساتذة جامعات ومسئولون من وزارة التربية والتعليم,وكلهم يعملون وفق معايير علمية وضعت مسبقا لضبط الأداء وضمان جودة الأسئلة وتحقيق أهدافها ضمن برنامج دقيق يسهل تقييم مستوي الطلاب بكفاءة عالية,وبدأ هذا النظام بتكليف من وزير التربية والتعليم منذ أول مايو الماضي,حيث يضم عدة لجان تشمل عددا من المتخصصين في المناهج وطرق التدريس وأكملوا بالفعل بنك الأسئلة في مختلف المواد ولكن ذلك لا يعني التطبيق المفاجئ لأسئلة البنك,لأنها ستحتاج لتجريبها وتطبيقها علي الطلاب مع انتظام العام الدراسي,للتعرف علي الجوانب,لإيجابية والسلبية حتي لا تحدث أية مشكلات أخري أثناء الامتحانات المعتمدة منه,وفي حالة وجود سلبيات سيتم إجراء التعديلات المطلوبة والضرورية.
أضاف د.الخضري,أن وضع بنك الأسئلة تطلب دراسة المنهج جيدا من جانب الخبراء وتحليل محتوي المواد الدراسية,في ضوء الأهداف التربوية والتعليمية وتحديد الزمن النسبي لكل موضوع,حيث يمكن وضعه في صورة سؤال,فيما عدا مادة الرياضيات التي تختلف في معاييرها عن باقي المواد الأخري,وتشمل الأسئلة ببنك الأسئلة معرفة المتميزين من الطلاب لأنها تحدد مستويات الصعوبة والسهولة والقدرة في الامتحانات,كما تهدف معايير الأسئلة إلي استبعاد الأسئلة التي يعجز عن حلها الطلاب تماما,كما يحل البنك مشكلة تسريب الامتحانات,فهو قادر علي وضع امتحان بأسئلة أخري في 5دقائق فقط,باستخدام الكمبيوتر دون تدخل من أحد أو التنبؤ بها,لذلك يعد بنك الأسئلة الأول من نوعه,ولكنه يحتاج فقط لتوعية وفهم من المواطنين والطلاب والمعلمين.
إنهاء الامتحانات الصعبة
أشار د.إبراهيم أبو الفضل,مدير مركز المعلومات بمركز الامتحانات التابع لوزارة التربية والتعليم,إلي أن امتحانات بنك الأسئلة لا تحتاج لإجابة مطولة,ولكنها تحتاج فقط لإجابة مختصرة عدا المواد التي تحتاج لذلك كالرياضيات,بذلك تحل مشكلة تعقد الامتحانات بالثانوية العامة,حيث إن هناك نوعين من الأسئلة أساسيين في مواصفات امتحانات الثانوية العامة: الأسئلة الاختيارية بين عدة إجابات أو الصواب والخطأ,الأخري هي الأسئلة المعلوماتية التي تكون إجابتها في صورة أسئلة المقال القصير وأكمل النقط,وذلك لتجنب الغموض وعدم الوضوح,بالإضافة إلي استخدام أسئلة التوصيل التي تحل بكتابة الحرف أو الرمز المطلوب,وبالنسبة لأسئلة المقال القصيرة فتكون الإجابة عليها بجملة أو عدة جمل علي الأكثر فقط,وبهذا ينهي الطالب الامتحانات قبل موعده المقرر له ويستطيع المراجعة بكل سهولة,وبالتالي يعود ذلك علي المصحح بالتصحيح الدقيق الذي لا يسمح بظلم الطالب.
استطرد د.أبو الفضل,أن هذا البرنامج احتاج نحو شهرين لتصميمه,مما وفر علي مصر نحو 35 ألف دولار علي الأقل,نظرا لتصميمه بجهود مصرية,كما أجريت عليه تجارب عديدة حول كيفية استدعاء السؤال والمعلومة واستخراج امتحان كامل في دقائق معدودة,بعيدا عن التحيز أو التدخل,مما ينهي حالة التوتر والقلق التي تحيط بالطلاب والمدرسين والهيئة التعليمية ككل.
مقترح…فقط
من جهة أخري,أشار د.يسري عفيفي,مدير مركز تطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم,إلي أن ما قدمه وزير التربية والتعليم لا يعتبر إلا مقترحا جاء نتيجة لتوصيات المؤتمر القومي للنهوض بالتعليم,وذلك لتطوير العملية التعليمية والقضاء علي شبح الثانوية العامة,التي أصبحت عبئا علي صدور المصريين,كما أن تطبيق النظام الجديد للثانوية العامة وامتحاناتها لن يطبق إلا بعد موافقة مجلس الشعب وطرحه للنقاش المجتمعي,وبالرغم من ذلك فإن الهدف الرئيسي لتطوير الثانوية العامة هو القضاء علي الدروس الخصوصية وتقويم الطالب وإنقاذ الأسر المصرية.
تضارب القرارات
انتقد النائب رجب حجازي,عضو مجلس الشعب,تضارب القرارات في الثانوية العامة,لأنه يضر بمصلحة الطالب,كما أن ملامح القرار الجديد غير واضحة,بالإضافة إلي أن الاعتماد علي المدرسين في تقييم أداء الطلاب سيضر بالطلاب أكثر,حيث سيخضعهم لأهواء المدرسين الشخصية,مما يزيد الفساد داخل المؤسسات التعليمية,وحذر من إلغاء مكتب التنسيق,بسبب جهل الكثيرين باستخدام الكمبيوتر.
في حين دعا فاروق إسماعيل,رئيس لجنة التعليم بمجلس الشوري,الدكتور يسري الجمل لطرح الأفكارالأخيرة الخاصة بالنظام الجديد للثانوية العامة علي مجلسي الشعب والشوري للمناقشة,حيث إن هذا النظام يتطلب تعديل القانون رقم 39لسنة1981 الخاص بالتعليم.
اعترض عبد الحفيظ طايل,مدير مركز الحق في التعليم,علي النظام الجديد لأنه يسحب الدولة تدريجيا من رعاية التعليم,مما يمثل عبئا علي الفقراء,خاصة أنه سيطبق علي المدارس العامة وليست الخاصة,كما أن هذا القرار غير مدروس ويمثل عبئا جديدا علي الطلاب,وطالب القائمين علي العملية التعليمية بعدم التسرع في تطبيق أنظمة جديدة علي الثانوية العامة.
بارقة أمل
أوضح د.إبرهيم حسن,أستاذ بكلية الحقوق جامعة المنصورة,أنه بالنظر لمشروع الامتحانات الرقمية في الثانوية العامة هناك بارقة أمل في تحقيق العدالة الاجتماعية بين الطلاب,بعد الأخطاء الماضية التي قضت علي مبدأ المساواة بين الطلاب.
نعم للغة الفرنسية
بالنسبة لإدخال اللغة الفرنسية بالمرحلة الإعدادية كجزء من خطة التطوير التعليمي,قال عماد صيام,خبير في مجال التنمية الإدارية,إن إدخال اللغة الفرنسية منذ الصف الأول الإعدادي خطوة غير إيجابية في إصلاح التعليم,وذلك لعدة أسباب,منها أن المادة الأساسية في اللغات هي الإنجليزية والتي تدرس في المدارس الابتدائية,لذلك فالمطلوب تطوير هذه اللغة وليست الفرنسية,بجانب تقليل أعداد الطلاب داخل فصول المدارس الحكومية,بعد أن وصل عدد الطلاب إلي 75طالبا داخل الفصل الواحد.
أضاف صيام,أن ما تقدمه وزارة التربية والتعليم من اقتراح إلغاء ترخيص الكتب الخارجية قرار حكيم,ولكن إذا تم تغيير المناهج ككل وجعلها أكثر جاذبية,حيث إن القضية في التعليم المصري ليست قضية قرارات تتخذها الوزارة من أجل إصلاح ظاهري,وإنما يجب أن يكون الإصلاح جوهريا,فما يحدث ما هو إلا مهزلة بكل المقاييس,فإذا كانت الأسرة المصرية تنفق أكثر من 9مليارات سنويا علي شراء الكتب الخارجية,أليس بالأحري توفير هذه الأموال للنهوض بالمستوي التعليمي؟!
من جانبه,وافق كمال مغيث,الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية,علي أن تدريس اللغة الفرنسية منذ الصف الأول الإعدادي مفيد جدا,لأن علاقة الطالب باللغات الأوربية علاقة ضعيفة,لذلك مطلوب زيادة الجرعة للطلاب والتفكير جيدا في كيفية تدريس هذه اللغة بأسلوب عملي وفعال,لكي يحبها الطالب,حيث إنه بالرجوع للخلف منذ فترة الستينيات نجد أن التعليم كان أفضل في ظل ندرة الكتب الخارجية والدروس الخصوصية