يصفونه في السودان بفارس المفاوضات بين الحكومة السودانية في الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب,إذ أوكل الرئيس السوداني عمر البشير لنائبه علي عثمان طه ملف الجنوب السوداني الشائك أملا في إنهاء الحرب الأهلية ورفع المعاناة الطويلة للشعب السودان من جراء القتال المتصل لأكثر من عشرين سنة بين أبناء الشمال والجنوب السوداني.
جاءت البداية مع مطلع الألفية الجديدة حيث بدأت المفاوضات بين الفارس عثمان طه النائب الأول للرئيس السوداني والجنرال جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان.ورغم ثقل المسئولية علي كاهل الرجلين إلا أنه باتفاق النوايا والرهان الصادق علي انتشال السودان من بؤرة الدمار والفقر الناجمة عن حرباللا غالب والا مغلوبتمكن الطرفان من تحقيق المعجزة.
يقول طه في معرض ذكرياته عن أيام التفاوض الصعبة:كنا متفائلين رغم العقبات الكثيرة…كانت أمامنا الترتيبات الأمنية بتعقيداتها أو تدخلات أطراف عديدة إقليمية ودولية من أجل المساهمة في الحل,وما تخلل ذلك من شد وجذب علي كل الخطوط.
لكن كانت النقطة المشتركة بين طرفي التفاوض هي الفوز بمناخ الاستقرار والتنمية في كل السودان…وهي حالة حرم منها السودان لنحو 21سنة فقد خلالها مليوني مواطن وتشرد بسببها نحو أربعة ملايين آخرين عبر بلدان الدول المجاورة.
في الاتفاق الأول مشاكوسالموقع في يوليو2003 اكتسب طرفا الصراع الطويل جرعة ثقة كانت ملحة للقفز علي مساحات تفاوض جديدة…وبعكس ما كان متوقعا جاءت الخلافات علي توزيع الثروات بين الشمال والجنوب أشد تشابكا من الترتيبات الأمنية التي انتهت بتوزيع أعداد محسوبة من قوات الحكومة السودانية وقوات الحركة الشعبية سواء بالجنوب أو في الشمال السوداني كمناطق تمركز مؤقتة.
يستطرد عثمان طه أو الرجل القوي ولاعب الأدوار السياسية بالنظام السوداني كما يلقبونه أحيانا:أدركنا بالاتفاق علي تقسيم الثروة أننا اقتربنا من توقيع اتفاق نهائي للسلام توج بالفعل تحت مسمي اتفاق نيفاشا للسلام في التاسع من يناير2005,ووصفه الرئيس البشير بالعقد الجديد لجميع السودانيين,وهو الاتفاق الذي يستمر لمدة ست سنوات يتحقق بعدها الشكل النهائي لمستقبل السودان إما في وحدة طوعية بموافقة أهل الجنوب عبر استفتاء عام بإشراف دولي أو بانفصال ناجم عن حق تقرير المصير وفق الاتفاق المبرم.
برع علي عثمان محمد طه المولود في الأول من يناير1944 في دراسته للقانون بجامعة الخرطوم وعمل قاضيا ثم دخل عالم السياسة كعضو في البرلمان السوداني خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي فضلا عن عضويته لحزب المؤتمر.
عمل طه وزيرا للخارجية السودانية خلال المدة من1995 إلي1998 بعدها رقي لمنصب النائب الأول للرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير,واستمر في المنصب ذاته حتي أغسطس 2005,وحاليا يشغل منصب النائب الثاني للرئيس السوداني حيث أخلي منصب النائب الأول للجنرال الراحل جون قرنق وخلفه في المنصب الجنرال سلفاكير ميارديت النائب الأول للرئيس السوداني ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان.
يري طه أن قضية دارفور في الغرب السوداني ذات شقين,شق علي الأرض يرتبط بالصراع علي موارد المياه, وشق يرتبط بالصراع الاقتصادي.وهذا الصراع تشتبك فيه قبائل متباينة ولا يقوم علي أساس عرقي لأنه صراع مصالح,فنجده أحيانا بين قبائل عربية-عربية وفي ذات الوقت يمكن أن يقع بين قبائل أفريقية-أفريقية.إذن ينتفي بالنظرة الفاحصة أن الحرب في دارفور ذات طابع إثني أو عرقي ومن ثم يتم تقسيم مجتمع دارفور إلي قبائل عربية وقبائل أفريقية.وهذا هو الافتراض الخاطئ الذي بنيت عليه كل الحملة الدولية والتي لم تستطع أن تقدم دليلا واحدا في هذا الاتجاه.
المعروف أن علي عثمان طه ورد اسمه في مذكرة محكمة الجنايات الدولية الأخيرة والخاصة بطلب استصدار مذكرة توقيف للرئيس السوداني عمر حسن البشير علي خلفية الاتهامات بارتكاب جرائم حرب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية…لكن السؤال الذي يتردد صداه في الشارع العربي:هل ينجح فريق الرئاسة السوداني في رأب الصدع الحاصل بدارفور وتحقيق مطالب المحكمة الجنائية الدولية ممثلة في محاكمة المتسببين في جرائم قتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من مليونين ونصف المليون دارفوري من مناطقهم…أم أن الحل لابد أن يأتي علي حد قول علي عثمان طه من خلال حلول تقوم ليس علي عاتق الحكومة السودانية وحدها بل بمشاركة أطراف الصراع اعتمادا علي ترتيبات لوقف إطلاق النار وتحقيق التعايش والتصالح القبلي والسلام الاجتماعي ثم التنمية وتحسين فرص الحياة فضلا عن الحل السياسي ممثلا في إدارة الإقليم لا مركزيا؟!
———