قالوا إن قضايا الفساد التي طاردت رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت لعدة شهور هذا العام أثمرت عن صعود وزيرة الخارجية تسيبي ليفني المبكر لمنصب رئاسة الوزراء,وإن كانت هي الشخصية الواعدة من وجهة نظر معظم المراقبين منذ دخولها الكنيست الإسرائيلي عام1999 نائبة عن حزب الليكود.
وهذا العام2008 واجه أولمرت العديد من الأزمات,كان أولها صدور التقرير النهائي للجنة فينوجراد الإسرائيلية المكلفة بالتحقيق في إخفاقات حرب إسرائيل الأخيرة علي لبنان التي استمرت من يوليو إلي أغسطس 2006, وقتها تردد أن أولمرت قد يضطر إلي تقديم استقالته من منصبه بعد أن,فشل حسب ما أوضحه التقرير,في إدارة حرب لبنان الثانية أمام حزب الله رغم أن خسائر إسرائيل لم تزد علي مقتل 117 من العسكريين و141 من المدنين.
لكن الطامة الكبري في إسرائيل تمثلت في قدرة حزب الله علي إطلاق ما يقرب من4آلاف صاروخ علي مدن شمال إسرائيل حتي قيل إنه لأول مرة أصبح الإسرائيليون يعرفون معني كلمة لاجئ بعد فرارهم من بيوتهم,علي أثر سقوط صواريخ حزب الله.
وحدث أن أولمرت لم يذعن لما جاء بالتقرير,وصرح بأن الوزر الأكبر يقع علي قادة إسرائيل السابقين ممن تهاونوا…علي حد قوله-في حق دولة إسرائيل وتسببوا في اهتزاز صورتها أمام الأعداء.
هكذا مر تقرير فينوجراد النهائي دون أن يخلي أولمرت مكانه وإذا بالرياح تأتي بما لا تشتهي سفينته حيث تصاعدت حملة شديدة محملة بقضايا فساد اعترف في إحداها رجل الأعمال الأمريكي موريس تالنسكي بأنه اعتاد تسليم أولمرت مظاريف محشور بالدولارات تتجاوز قيمتها 150 ألف دولار دون تسلم إيصالات تفيد بأنها تبرعات لحملاته الانتخابية,لكنه لم يكن يستهدف من ذلك خدمة من أولمرت,كما أنه لا يملك أية مصالح أو أعمال في إسرائيل.
ورغم التبريرات العديدة أبدي الرأي العام الإسرائيلي تقززه من رئيس وزراء اعتاد أن يتسلم مظاريف محشوة بالأموال لكي ينفقها علي رفاهيته.
واجه أولمرت أيضا-وهو رئيس الوزراء الحادي والثلاثون-قضايا عديدة تتعلق إحداها بشراء منزل في القدس بأقل من ثلث ثمنه,وأخري ببيع بيت بضعف ثمنه مع الاحتفاظ به كمسكن بعقد إيجار بخس لا تتجاوز قيمته ألفي دولار في الشهر,إضافة إلي ادعاءات بقيامه بمجاملة أحد أصدقائه عندما كان وزيرا للتجارة,وتورط مديرة مكتبه لأكثر من20سنة شولا زاكن في قضية فساد واستغلال نفوذ.
وسط هذا الجو الملبد بالفساد تصاعدت أسهم وزيرة الخارجية الشقراء تسيبي ليفني داخل حزب كاديما كخليفة لأولمرت في انتخابات الحزب التي جرت في 17سبتمبر الماضي,وفازت فيها بفارق ضئيل علي منافسها شاؤول موفاز وزير المواصلات والنائب البارز بالحزب.
الطريف كما يردد عدد من الخبراء,أن قضايا الفساد التي هوت بنجم إيهود أولمرت لا تعرف حتي الآن طريقها إلي ليفني,علي الرغم من أن الفساد طال معظم قادة إسرائيل ابتداء من الرئيس يمزرا وأيزمان إلي بنيامين نيتانياهو إلي شيمون بيريز وإيهود باراك حتي آرييل شارون وابنه عمري لم يفلتا من اتهامات بالفساد.
تسيبي ليفني هي ثاني سيدة تتولي رئاسة الوزراء في إسرائيل بعد جولدا مائير,ترأست مجلس الوزراء الإسرائيلي خلال المدة من1969-1974 إن قدر لها النجاح في تشكيل حكومة ائتلافية حتي الثاني من نوفمبر القادم,وهي لا تزال بعيدة عن أية مخالفات لحرصها الشديد في سلوكياتها فالمقربون منها يروون أنه حينما حاول أحد العاملين في مكتبها أن يدعوها لتناول وجبة حمص علي نفقته أصرت أن تدفع الحساب,قائلة له:إنك تستطيع أن تسقطني مقابل عشرين شيكل ثمن الحمص.
درست ليفني البالغة من العمر50سنة القانون في جامعة بارء إيلان بتل أبيب,وعملت محامية لعشر سنوات وفي عام1996 بدأت مسيرتها السياسية, حيث ترشحت للمرة الأولي لانتخابات الكنيست الإسرائيلي وفشلت,ثم عينها نيتانياهو مديرة عامة لإحدي الشركات الحكومية.وفي عام1999 دخلت الكنيست نائبة عن حزب الليكود.
بعد فترة قصيرة أصبح آرييل شارون رئيسا للوزراء فشاركته علي الفور في تولي المسئولية الوزارية,حيث أصبحت في عام2001 وزيرة لشئون التعاون المحلي وأيضا وزيرة للزراعة,وبعد عامين تولت وزارة الاندماج ووزارة الإسكان.
في عام2004 وجدت ليفني ضالتها-علي حد وصفها-إذ أصبحت وزيرة للعدل وسطع نجمها كثيرا,حيث امتاز أداؤها بالمهنية والحزم والشروع في الإصلاحات,ثم انتقلت مع شارون إلي حزب كاديما بعد الانشقاق,عن حزب الليكود اليميني المتشدد.
وعندما أصيب آرييل شارون عام2006 بالجلطة انتشرت شائعات,مفادها أن تسيبي ليفني ستكون خيلفة شارون لكنها دعمت إيهود أولمرت ولقاء ذلك شغلت حقيبة الخارجية ومنصب نائبة رئيس الوزراء مع الاحتفاظ بوزراتي العدل والهجرة والاندماج ليفني كما يقولون عنها في إسرائيل مباشرة وعملية,حيث يبدأ يوم العمل عندها في التاسعة صباحا وينتهي بعد منتصف الليل وفي 1983 ارتبطت بزوجها المحامي نفتالي سبيتسر الذي تعتبره مستودع أسرارها,وهي أم لطفلين والشقيقة الصغري لثلاثة أشقاء.
من ذكريات الطفولة أنها كانت ترفض ارتداء الفساتين وتشارك في لعب الكرة مع الأولاد وتعتني بالقطط.وفي سن13 تحولت إلي نباتية لا تتناول اللحوم,وعندما كانت في السادسة عشر من عمرها تعرضت للضرب علي أيدي رجال الشرطة أثناء مشاركتها في مظاهرة لحركة بتيار الإسرائيلية اليمينية ضد وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر الذي حضر لزيارة إسرائيل عقب حرب أكتوبر1973 ضمن جولاته المكوكية لإنجاز اتفاق فك الاشتباك بين إسرائيل وكل من مصر وسورية.
ذكرت صحيفة صنداي تايمز البريطانية,أن تسيبي ليفني شاركت في أوائل الثمانينيات بالقرن الماضي في اغتيال أصدقائة منظمة التحرير الفلسطينية باليونان.فالمعروف أن ليفني بدأت منذ أنهت خدمتها العسكرية كملازم أول في الجيش الإسرائيلي-بالعمل لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي في باريس خلال المدة من1980 حتي1984 فكانت تنتقل من باريس إلي المدن الأوربية بحثا عن القادة الفلسطينيين وفق تعبير الصحيفة.
وقالت عنها الصحيفة البريطانية ذاتها,إن ليفني ورثت الميل إلي العنف من عائلتها,فوالدها الراحل إيتان كان إرهابيا وحكم عليه بالسجن 15 سنة لمهاجمته قاعدة عسكرية أثناء الوجود البريطاني في فلسطين,لكنه هرب من وراء القضبان.أما والدتها سارة فكانت قائدة لإحدي خلايا منظمة أرجون الإسرائيلية المتطرفة تحت رئاسة مناحم بجين.
قال عنها بعض المحللين السياسيين,إن أهم ما يثير الالتفات في هذه السيدة تحولها السياسي من محافظة معادية للفلسطينيين إلي ساعية للسلام,وذلك من خلال الاعتراف بدولة فلسطين.بيد أن موقفها صارم تجاه حركة حماس التي توصف بالتطرف في إسرائيل والغرب,ولذلك ترفض التفاوض مع حركة حماس وتطالب بمواصلة غزل قطاع غزة عزلا تاما.
ويقولون,إنها أول وزير إسرائيلي لا يطلق علي الفلسطينيين الذين يقاومون الجنود الإسرائيليين اسمإرهابيين,بل تسميهممقاومين,وليفني ترغب في إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتريد تحقيق اتفاق سلام مع الفلسطينيين قبل نهاية العام الجاري.
قال عنها إيهود باراك وزير الدفاع ورئيس حزب العمل قبل موافقته علي الائتلاف الجديد,وهو من أكثر العسكريين الذين تقلدوا أوسمة في إسرائيل,إنه يخشي علي محامية مثل ليفني أن تتبوأ منصبا خطيرا بدون خبرة أمن قومي سوي الخدمة العسكرية الإلزامية وعامين في مهمة تجسس علي مستوي منخفض للموساد في باريس…ومع ذلك يتوقع كثير من المراقبين أن تقود ليفني رئاسة الوزارة الإسرائيلية نحو مزيد من الحزم وتحقيق هدف السلام مع الفلسطينيين.
…فهل تنجح في المهمة إن قدر لها أن تشكل الائتلاف الحكومي برئاستها؟…الإجابة يبدأ تاريخها في الثاني من نوفمبر القادم وهو نهاية المهلة الممنوحة لها من الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز وبداية العمل بتشكيل الحكومة الجديدة.