##نعم كل مناظرة مغامرة. لا يعرف أي شخص كيف ستنتهي, ومن سينتصر, أي هفوة, أي نظرة استعلاء,أي نظرة بلاهة. كلها تحسب عليك## أكد د. آلان شرودر, أستاذ في جامعة نورث ويستيرن بولاية إلينوي, ومؤلف كتاب ##المناظرات الرئاسية التليفزيونية: خمسون سنة من المغامرات## أهمية المناظرات في الرئاسة الأمريكية, وقال إنها ليست أمرا ارتجاليا وإنما أمر تحسب فيه كل الأمور بكل دقة في ما يخص مسرحية الانتخابات, ذلك أن الانتخابات الأمريكية , وخصوصا المناظرات, هي أحداث تليفزيونية في المقام الأول, وأي خطأ في هذا الأداء المسرحي قد يكلف الطرف المخطئ الرئاسة.
نظمت في سنة 1860 أول وأشهر مناظرة في تاريخ أمريكا بين عضو الكونجرس الجمهوري إبراهام لينكولن والسناتور الديموقراطي ستيفن دوجلاس. تناولت المناظرة بين المرشحين موضوعا رئيسيا حول تجارة وامتلاك الرقيق, تحدث دوجلاس, وأثار حماس المستمعين بأسئلة مثل: هل تريدون زنجيا يكون مواطنا متساويا معكم؟ وهتف بعضهم: لا. وسأل: هل تريدون زنجيا يملك مزارع مثل مزارعكم وثروات مثل ثرواتكم؟ وهتف بعضهم: لا. وركز لينكولن علي بنود حقوق الإنسان والمساواة والحرية في الدستور الأمريكي, وإعلان الاستقلال. وسأل: ألم يخلق الله الناس متساوين؟ وهتف بعضهم: نعم. وسأل: لماذا لا نلتزم بالدستور وحقوق الإنسان؟ وهتف بعضهم: نقدر علي ذلك, نقدر علي ذلك.
لكن المناظرة التليفزيونية المباشرة بشكلها الحالي, والتي شاهدها الأمريكيون علي شاشات التليفزيون بدأت في سنة 1960 بين السناتور جون كنيدي مرشح الحزب الديموقراطي للرئاسة ونائب الرئيس نيكسون مرشح الحزب الجمهوري. ومعروف عن هذه المناظرة, أن الرئيس كينيدي فرغ نفسه قبلها بأيام من أجل الاسترخاء والراحة, بينما كان نيكسون مشغولا بمقابلة الناخبين في كاليفورنيا وويسكنسن إلي آخر لحظة قبل المناظرة. وقد توجه إلي المناظرة بعد أن تحدث الي بعض الناخبين في كاليفورنيا, ولم يجد وقتا لوضع الماكياج المناسب علي وجهه. وعندما بدأ نيكسون يتصبب عرقا, بدأ الماكياج يسيل علي وجهه مما أظهره في شكل المرتبك والمرهق جدا, علي شاشات التليفزيون الأبيض والأسود أيامها. وفي المقابل بدا كينيدي, الوسيم وصاحب الشعر المصفف, هادئا ومتماسكا.
لكن رفض الرئيس جونسون (ديموقراطي) في الانتخابات التالية سنة 1964 مناظرة السناتور قولدووتر (جمهوري). وفاز عليه. وفي انتخابات سنة 1968, رفض نائب الرئيس همفري (ديموقراطي) مناظرة نيكسون لكن فاز الأخير. وفي سنة 1972, رفض الرئيس نيكسون مناظرة السناتور ماكقفورن (ديموقراطي). وفاز عليه. وفي انتخابات سنة 1976, في البداية, رفض الرئيس فورد (جمهوري) مناظرة جيمي كارتر, حاكم ولاية جورجيا (ديموقراطي). لكنه غير رأيه بسبب ما عرف بمرحلة الشفافية بعد فضيحة ووترجيت.
22 مناظرة
تحدد لجنة المناظرات الرئاسية مكان وزمان المناظرة, والصحفي الذي سيديرها وشبكة التليفزيون التي ستذيعها وأيضا السماح للمستمعين بتوجيه أسئلة, وقال عضو لجنة المناظرات عن الحزب الديموقراطي بول كيرك : ## نحن لم نبلغ درجة الكمال بعد, ولكننا نسعي من خلال المناظرات إلي نشر الديمقراطية في العالم, وإعطاء صورة للناس عن ديموقراطيتنا, فالقرار الذي سيتخذه الناخب الأمريكي سيؤثر بشكل أو بآخر علي دول العالم وأضاف كيرك أن لجنة المناظرات الرئاسية تتعاون مع 91 دولة حول العالم, وتتبادل معها المعلومات والخبرات حول تنظيم هذه المناظرات, التي بدأتها الولايات المتحدة ##
وأوضح عضو لجنة المناظرات عن الحزب الجمهوري فرانك فرانبورت أن تكلفة المناظرة تبلغ مليونا و0350 ألف دولار يتحملها رعاة , نظرا لأن اللجنة هيئة فيدرالية لا تهدف للربح, مؤكدا أن الرعاة لا يتدخلون في المناظرة بأي شكل من الأشكال, ولا يعرفون الأسئلة التي سيتم طرحها. وأشار فرانبورت قبيل عقد المناظرة الرئاسية الأخيرة بين المرشح الديموقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين إلي أن هذه المناظرة رقم 22 في تاريخ الولايات المتحدة, ويحضرها 3 آلاف و300 صحفي وإعلامي. وقال فرانبور: ## نحن في اللجنة لا نرتدي قبعة الحزب الديموقراطي أو الجمهوري, بل نرتدي قبعة الولايات المتحدة, ونسعي لأن تكون الانتخابات حرة ونزيهة, علي الرغم من أن هذه ليست مسألة سهلة, موضحا أن الهدف من اختيار الجامعات لعقد المناظرات الرئاسية هو محاولة دمج الشباب في الحياة المدنية.##
الخبرة في مواجهة الشباب
جرت ثلاث مناظرات بين السناتور أوباما, مرشح الحزب الديموقراطي لرئاسة الجمهورية, والسناتور ماكين, مرشح الحزب الجمهوري. عقدت الأولي في جامعة مسيسبي, التي كانت رمز التفرقة العنصرية الجامعية حتي سنة 1962, عندما دخلها جيمس ميرديث, أول طالب اسود – حاليا 1/5طلاب الجامعة من السود- ولم تكن صدفة أن تعقد المناظرة يوم 29 سبتمبر في نفس ذلك اليوم سنة 1962, عندما عارض بارنيت, حاكم ولاية مسيسبي دخول ميرديث الجامعة لأنه أسود. وقال أمام مئات الطلاب البيض وهم يصفقون: لن يدخل زنجي جامعتكم وأنا حاكم ولايتكم. وفي نفس اليوم,أمر الرئيس كنيدي القوات الفيدرالية بدخول الجامعة, وحماية ميرديث وهو يدخلها.
و أثار كل من ماكين وأوباما في أول مواجهة مباشرة بينهما خلال الحملة التساؤلات مرارا عن حكمة قرار الآخر واختلفا بقوة بشأن الاقتصاد وحرب العراق. وأثار ماكين (72 عاما) الشكوك حول استعداد أوباما للرئاسة. وقال ##توجد بعض المزايا للخبرة والمعرفة والحكمة.## وأضاف ##بأمانة.. لا أعتقد أن السناتور أوباما لديه المعرفة أو الخبرة.## بينما ربط السناتور أوباما (47 عاما) الذي يمثل ولاية إيلينوي لأول مرة في الكونجرس بين ماكين وسياسات الرئيس جورج بوش الذي تراجعت شعبيته وقال إن كلا الرجلين ركز أكثر مما ينبغي علي العراق في حين تجاهلا المشاكل الأخري.
واعتبر أوباما أن الأزمة الاقتصادية العاصفة, التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي, بمثابة ##حكم نهائي## علي 8 أعوام من إدارة الرئيس جورج بوش, متهما ماكين بتأييد سياسات بوش, في المقابل, دعا ماكين إلي دعم وإصلاح الهيئات التنظيمية التي فشلت في منع أزمة بورصة وول ستريت, منوها إلي أهمية السيطرة علي الإنفاق, ومدافعا عن سجله في الاستخدام الرشيد لأموال الضرائب, كما أشار إلي أن تجميد الإنفاق لمعظم البرامج الاتحادية سيكون فكرة جيدة.
بافيت يجمع المرشحين
عـقدت المناظرة الثانية 7 أكتوبر في جامعة بلومنت بولاية تنيسي, واختيرت صيغة للمناظرة تتضمن أسئلة من الجمهور, وتتيح مساحة حرة للمرشحين للتحرك علي خشبة المسرح, ولم تتسم المناظرة بالإثارة إلا في لحظات معدودة. عرض كلا المرشحين أفكارا لمساعدة المواطن الأمريكي العادي, علي حد تعبيرهما, لكن الخلافات كانت كبيرة جدا في الرؤية إلي الأزمة الاقتصادية الحالية وسبل معالجتها. والطريف أنه حينما سئل ماكين وأوباما عن الوزير المحتمل للخزانة في إدارتيهما, اختار الاثنان رجل الأعمال الشهير وارن بافيت وهو مؤيد للمرشح الديموقراطي.
سيطرت القضايا الدولية علي هذه المناظرة, وقال ماكين إن ##تحديد تاريخ للانسحاب من العراق, كما يطالب أوباما, يعني الهزيمة وزيادة حجم إيران## . واتهم ماكين منافسه أوباما بأنه يريد اجتياح باكستان.
ورد أوباما من جهته بوجوب التركيز علي أفغانستان بدلا من العراق, وقال: إذا كانت باكستان لا تريد أو لا تستطيع القضاء علي الإرهابيين, فسنذهب لإخراج بن لادن من مخبئه بأنفسنا, ماكين يتهمني بالرغبة في اجتياح باكستان. من جهة, هذا غير صحيح. ومن جهة أخري, هو الذي كان يقترح قصف إيران وتدمير كوريا الشمالية, وأضاف أوباما ردا علي اتهامات ماكين له, بأنه لا يملك الخبرة الكافية لا أفهم كيف انتهي بنا الأمر باجتياح بلد لا علاقة له باعتداءات 11 سبتمبر 2001 في إشارة إلي حرب العراق.
واتفق المرشحان علي دعم إسرائيل وتعهدا بتقديم دعم فوري إذا ما تعرضت إسرائيل لهجوم من جانب إيران. فمن جانبه, قال ماكين إنه لن ينتظر مجلس الأمن, مضيفا أن روسيا والصين اللتين لديهما حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن, سيمثلان تحديين كبيرين أمام الحصول علي موافقة الأمم المتحدة للتدخل. وانتقد ماكين دعوات سابقة لنظيره أوباما لانتهاج المزيد من الدبلوماسية في التعامل مع إيران, واصفا إياه بأنه صديق للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد, لأنه يرغب في الحوار معه.
أما المرشح الديموقراطي أوباما قال إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي, مشيرا إلي أن ذلك سيكون تغييرا لقواعد اللعبة في المنطقة, كما سيهدد حليفنا الأقوي في المنطقة وربما في العالم, وأضاف أوباما أنه لن يتخلي أبدا عن الخيارات العسكرية.
وفيما يخص روسيا, ذكر ماكين أنها قد تكون إمبراطورية للشر وهو التعبير الذي أطلقه الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان علي الاتحاد السوفيتي السابق, في حين أشار أوباما إلي أن روسيا لاتزال لديها دوافع قومية خطيرة للغاية.
التصريحات السلبية
تبادل المرشح الجمهوري, جون ماكين, ومنافسه الديموقراطي, باراك أوباما, الاتهامات الغاضبة حيال الضرائب وتزايد حدة التصريحات السلبية التي تبادلتها حملتاهما خلال الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية في آخر مناظرة تليفزيونية والتي عقدت بجامعة هوفسترا ##ولاية نيويورك## والتي أدارها بوب شيفير من محطة CBS.
بدأت المناظرة بالحديث عن خطط المرشحين للخروج من الأزمة المالية, وقال ماكين إن الأمريكيين متألمون وغاضبون بسبب وقوعهم ضحية لجشع ##وول ستريت## وغياب رقابة واشنطن, وأضاف أن الولايات المتحدة لن تخرج من الأزمة حتي توقف النزيف في سوق الرهن العقارية. واقترح أن تخصص الحكومة 300 مليار دولار من الأموال المخصصة للإنقاذ المالي, لشراء الرهونات العقارية السيئة, وإعادة التفاوض مع أصحاب البيوت المتعثرين علي إعادة جدولة دفع رهنهم العقاري.
تخوف أوباما من أن تكون خطة ماكين تنازلا لصالح البنوك علي حساب الفئات الأخري للمجتمع, وقال أوباما إن الولايات المتحدة تواجه أسوأ أزمة مالية منذ الانهيارالكبير, مشيرا إلي أنه يدعم استراتيجية ماكين كخطوة أولي للإنقاذ, لكن لديه مبادئ أخري أهمها التأكد من أن دافعي الضرائب يستردون ضرائبهم, واقترح تخفيض الضرائب عن الطبقة المتوسطة التي يقل دخلها عن200 ألف دولار.
ورد ماكين موجها حديثه لأوباما أنت لا تقول الحقيقة للأمريكيين حول الضرائب, مشيرا إلي أن خطة توزيع الثروات التي يدعو إليها تعني إشعال حرب طبقية, منتقدا خطته التي تقوم علي زيادة الضرائب علي من يزيد دخله علي250 ألف دولار.
وشهدت هذه المناظرة ظهور اسم جو السباك الذي كرره ماكين أكثر من عشرين مرة , وهو مواطن أمريكي من أوهايو, سبق وتوجه إلي أوباما أثناء إحدي حملاته الانتخابية منتقدا توجهاته الاقتصادية , حاول ماكين أن يجعل من جو رمزا للمواطن الأمريكي العادي, وقال ماكينمع أوباما سيعاد توزيع ثروة جو السباك. فرد أوباما ماكين يسعي لمنح 200 مليون دولار من الإعفاءات الضريبية لشركات كبيرة, بينما أسعي أنا لتخفيض الضرائب علي 95% من المواطنين والعاملين, وزيادتها علي الأثرياء. وأضاف سيناتور إيلينويكلانا يريد خفض الضرائب لكن الفارق يتعلق بمن سيشملهم خفض الضرائب.